عادة ما يكون الكوخ هو الحل الأخير بالنسبة للأشخاص الذين لا يجدون سكنات تاويهم، ولكن هذا ليس الحال بالنسبة للبعض، الذي صاروا يبنون تلك الأكواخ القصديرية للترف لهم ولأبنائهم، وحتى لضيوف قادمين من مناطق بعيدة، جاؤوا للزيارة فأصبحوا مقيمين. مصطفى مهدي قمنا بجولة عبر بعض الأحياء القصديرية، والتي كانت قبل أشهر فقط أصغر مما صارت عليه اليوم، فكل شهر تقريبا تبنى أكثر من ثلاثة أكواخ جديدة، والبعض منها يتمّ هدمه، ولكنّ تلك الأكواخ لم تعد مقتصرة على الأشخاص الفقراء، الذي لم يجدوا سقفا يأويهم، بل إنها صارت تبنى حتى للأبناء، والبعض منها تحوّلت إلى "ديكيات" وهكذا، وكانت البداية مع "السيلاستر" ببني مسوس، والتي بنيت فيها الكثير من الأكواخ القصديرية، ولا تزال تبنى فيها إلى اليوم، حتى لتكاد بلدية بني مسوس تلتصق ببلدية سيدي يوسف، ولكن عبر تلك الأكواخ، الأمر الذي جعل المواطنين الساكنين بتلك الأكواخ ممن دفع بهم الفقر، لا الطمع إلى السكن بها، إلى التذمر والدخول في صراعات لا نهاية لها مع هؤلاء "الجيران" وحتى التجارة بالأكواخ، من طرف الأشخاص المُختصّين في بنائها، والذين يتقاضون على ذلك أجرا، ورغم أنّ العملية ممنوعة قانونيا، إلاّ أنّ هؤلاء يتكاثرون، بحسب تكاثر الطلب، خاصّة من بعض العائلات التي صارت تفضل أن تصنع كوخا من خمسة نجوم، فيه كل الوسائل، من الكهرباء المسروقة من الجيران والمياه، وحتى الهوائيات المقعرة، وغيرها من الأمور التي تجعل ذلك الكوخ بيتا حقيقيا، ويجعل من أمر القضاء عليه، وعلى غيره من بيوت القصدير أمرا صعبا بالنسبة للسلطات المعنية، والتي أعياها أمرُها. وعند سؤالنا لحميد، وهو ساكن بالحي المذكور، قال:" سعر الكوخ ستة ملايين، أو أقل حيانا، بحسب الطلب، ولكن المشكل ليس في الأشخاص الذين يريدون أن يسكنوا، ولكن في بعض ممن يحوّلون تلك الأكواخ إلى "ديكيات" لممارسة الدعارة، وهو الأمر الذي يشوّه سمعة الحي، فلا يكفي أنّ السكن في حي قصديري هو بذاته عار، أو هكذا يراه البعض، ولكن إضافة إلى ذلك يسيء البعض إلينا ببناء بؤر الفسق تلك". ومع اقتراب الصيف، يقول لنا سكن حي سيدي يوسف تزداد تلك "الديكيات" بل تصبح شرا لا بد منه، يقول لنا سيد أحمد عبدلاوي، 45 سنة، متزوج ولديه أبناء، يقول عن الموضوع: "لقد دخلت السجن السنة الماضية، بسبب أحد الشبان الذي التقيته وهو مار مع عشيقته من بيتنا، وكنت رفقة زوجتي وأولادي، وكان متجها بها إلى كوخ كان قد بناه مع بداية الصيف، لم أتحدث معه، ولكني اتجهت مباشرة إلى ذلك الكوخ وقمت بتهديمه، وهو ما جعل الشاب يحاول الاعتداء علي، ولكنه لم نفسه، حيث ضربته على وجهه، وانتهى بي المطاف في السجن بعدما قدم ضدي شكوى، وهو الأمر الذي لست نادما عليه، وأظن أنّ أيّ شخص عاقل لا يمكنه أن يتقبل أمورا مثل تلك". أخو اسماعيل قال من جهته: "مع بداية الصيف تكثر تلك الممارسات، وبعض العمال، سامحهم الله، يحترفون بناء "الديكيات" للعشاق في الصيف، ويتقاضون على ذلك أجرا، ويجهزونها بكلّ شيء، وتصبح خلال الصيف بيوت دعارة حقيقية"'.