يزداد تردد الفقراء والمعوزين على الأسواق الشعبية صيفا على خلاف الفصول الأخرى وذلك لترصد بقايا الخضر والفواكه وحتى بعض الأسماك بغية إعادة استهلاكها والتقوت منها، فيعد الصيف الفرصة السانحة لهم للحصول على تلك الخضر والفواكه التي يسدون بها رمق أطفالهم بعد غسلها وتنقيتها والتخلص من أجزائها الفاسدة، وبذلك نجدهم يتجمعون جماعات جماعات لأجل الظفر بتلك المواد في حدود منتصف النهار أين تبلغ درجة الحرارة ذروتها مما يدفع التجار إلى التخلص من بعض المواد سريعة التلف بعد تلفها كالطماطم والفلفل بنوعيه وحتى بعض الفواكه التي لا تحتمل الحراراة كالموز والخوخ. وينتشر ذلك المظهر المقزز بأغلب الأسواق الشعبية المنتشرة على مستوى العاصمة على غرار سوق علي ملاح ومارشي 12 وسوق باش جراح وسوق باب الوادي وميسوني والحراش وغيرها من الأسواق التي صارت الملجأ الوحيد لهؤلاء الفقراء والمعوزين لاصطياد لقمتهم من هناك وسط ذلك الكم الهائل من النفايات، بحيث يظهرون بمظاهر بائسة تجسد بؤسهم والوضعية الحرجة التي يتجرعون مراراتها، والتي دفعتهم إلى التقوت من المزابل وسط أكوام النفايات دون أدنى حرج وبكل جرأة، فكما يقول المثل الشعبي الجزائري »قلة الشي ترشي« وتدفع إلى فعل أي شيء في ظل انعدام المدخول عن تلك العائلات. وما رصدناه عبر بعض الأسواق الشعبية أكد لنا وضعية بعض العائلات التي ينهش الفقر والجوع عظمَها وعظم أطفالها، ولم تجد الحل إلا بالتردد على بعض المفارغ المحاذية للأسواق للظفر ببعض المواد الغذائية من خضر وفواكه وحتى عظام المواشي التي يتخلص منها الجزارون من أجل استعمالها في تحضير بعض الأطباق والحصول على نكهة اللحم، نعم ذلك ما وصلت إليه بعض العائلات الجزائرية في ظل البطالة الخانقة التي بقت تلازم أفرادها وانعدام البديل. التقينا ببعض النسوة عبر بعض الأسواق الشعبية من بينهن إحدى العجائز التي كانت تجمع بعض السردين بعد تخلص التاجر منه، وقالت إنها اعتادت على ذلك لتنعم على عائلتها بتذوق ذلك الطبق الغائب عن مائدتهم منذ مدة طويلة، لاسيما وأن التجار في موسم البرودة يحتفظون به إلى غاية بيعه كله، أما في موسم الحر لا يلبثوا أن يتخلصوا منه بمجرد حلول منتصف النهار، وقالت إن الصيف يعود عليها وعلى أمثالها بالخير الوفير، بالنظر إلى التلف السريع لبعض المواد مما يجعلها تتهافت على أخذها وتصنيفها بعد ذلك بالتخلص من الأجزاء الفاسدة والانتفاع بالأجزاء السليمة وطهيها، وعن الآثار السلبية لذلك على صحتها وصحة عائلتها أضافت بقولها »ربي هو الستار كيفاش نديروا نبقاو للشر؟«. امرأة أخرى كانت تبحث عن حبات خوخ وسط أكوام من النفايات وقالت إنها لا تقوى على اقتناء الفواكه فهي بالكاد توفر الخبز والحليب لأطفالها، ولم تجد إلا ذلك السبيل لتزويد عائلتها ببعض أنواع الفواكه خاصة الموز والخوخ والفراولة، فكل تلك المواد التي لا تحتمل الحرارة ويتخلص منها البائعون مبكرا بالنظر إلى سرعة تلفها فتنتهز هي الفرصة لجمعها. التقينا بأحد التجار الذي قال إنه يحيره أمر بعض النسوة وحتى الرجال الذين يتهافتون على السلع الفاسدة بعد تفريغها من طرف التجار للظفر ببعض الكميات السليمة ضاربين كل المخاطر الصحية الناجمة عن ذاك السلوك عرض الحائط، وقال إن ذلك ما دفعه في كثير من المرات إلى تزويد بعض النسوة ببعض الكيلوغرامات من السلع السليمة بدافع الرحمة والشفقة عليهن، وقال إنه بالفعل يزداد تردد تلك الفئات على الأسواق في موسم الصيف بالنظر إلى تخلص التجار من السلع الفاسدة مبكرا، ذلك ما يسنح لهم بالتحصل على كميات معتبرة من تلك السلع التي يقسمونها فيما بينهم كونهم على معرفة ببعضهم البعض وجمعتهم تلك العادة المهينة التي أكرهوا عليها ودفعوا إليها دفعا.