بعد 59 سنة على وقف إطلاق النار خطوات فرنسية ل تهدئة الذاكرة .. وجروح الجزائر غائرة س. إبراهيم أحيت الجزائر أمس الجمعة الذكرى ال59 لعيد النصر وهو التاريخ الذي يؤرخ للإتفاق على وقف إطلاق النار بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وحكومة الإحتلال الفرنسي بتاريخ 19 مارس من عام 1962 عقب مفاوضات بين الطرفين عرفت باتفاقيات ايفيان وبعد نحو ستة عقود من هذا الحدث التاريخي قامت باريس بخطوات بدعوى تهدئة الذاكرة ولكنها غير كافية للملمة جراح التاريخ الغائرة في قلب الجزائر. ويعد تاريخ 19 مارس يوما تاريخيا تمكنت فيه الثورة الجزائرية من تحقيق ما ناضل من أجله أجيال لتفتك الجزائر استقلالها بعد أن أجبرت فرنسا على اللجوء إلى الحل السياسي والاعتراف بها كدولة مستقلة وذلك بعد التوقيع الرسمي على اتفاقيات إيفيان يوم 18 مارس 1962م على الساعة الخامسة وأربعين دقيقة وبعد اجتماعات طويلة دامت 12 يوما متتالية حيث وقع كل من رئيس الوفد الجزائري كريم بلقاسم ولويس جوكس وزير الدولة الفرنسي المكلف بالشؤون الجزائرية عليها وبموجبها تم وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 زولا. مكتسبات جديدة ويأتي الاحتفاء بهذه الذكرى في ظل مكتسبات جديدة شهدها العمل الدبلوماسي الجاري حول مسألة الذاكرة وهو العمل الذي تمت مباشرته بتعليمات من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي جعل هذه المسألة في صميم اهتماماته فور اعتلائه سدة الحكم حيث اعتبر أن الاهتمام بالذاكرة الوطنية واجب وطني مقدس لا يقبل أي مساومة وسوف يظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية وفي صميم الوفاء لشهداء ثورة نوفمبر المجيدة والمجاهدين الأخيار وقال في آخر لقاء له مع وسائل الإعلام الوطنية: إننا لن تتخلى عن ذاكرتنا أبدا ولن نتاجر بها . ونظير هذا التمسك الجزائري بمسألة الذاكرة تبلورت إرادة سياسية في فرنسا تسعى إلى القيام بخطوات ملموسة في سياق ما أسماه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ب تهدئة الذاكرة ومن بين هذه الخطوات مباشرة عمل مشترك بين البلدين حول الملفات العالقة يقوده من الجانب الجزائري المدير العام للأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي ومن الجانب الفرنسي المؤرخ بنجامين ستورا. ويحاول الجانب الفرنسي تسريع الخطوات من خلال مبادرات قام بها مؤخرا الرئيس الفرنسي انطلاقا من مقترحات تضمنها التقرير الذي أعده ستورا بهذا الشأن ومن بينها تكريم ماكرون يوم 2 مارس الجاري للشهيد علي بومنجل واعترافه بالمسيرة النضالية للفقيد وأنه قد ألقي عليه القبض في الجزائر سنة 1957 قبل أن يسجن سرا ويتعرض لشتى أنواع التعذيب الذي أفضى إلى استشهاده كما كرم أسرة الشهيد باستقبال أحفاده في قصر الاليزيه. مبادرة طيبة.. ولكن.. وقد سجلت الجزائر بارتياح هذا الاعتراف واعتبرت أن هذه مبادرة طيبة تدخل في إطار النوايا الحسنة والرغبة الحقيقية في تكثيف الحوار بين الجزائروفرنسا بخصوص الحقبة الاستعمارية في الجزائر وهذا ما ألح عليه رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة حيث شدد على أن ملف الذاكرة ملف حساس يتطلب حوارا من دون خلفيات حتى يتسنى البحث عن سبل دفع التعاون الجزائري الفرنسي دفعا صحيحا في إطار المصالح المشتركة بين البلدين . وتلا ذلك قرار الرئيس ماكرون يوم 9 مارس الجاري تسهيل الاطلاع على الأرشيف السري الذي يرجع تاريخه لأزيد من 50 سنة بما في ذلك الأرشيف المتعلق بحرب التحرير الوطني (1954-1962). وقبل ذلك قررت السلطات الفرنسية في جويلية الماضي إعادة رفات 24 شهيدا من شهداء المقاومة الشعبية إلى أرض الوطن استجابة لطلب الجزائر وتم تكريم ذكراهم باستقبال رسمي وشعبي تاريخي. وقد اختلفت آراء المؤرخين من البلدين حول هذه الخطوات الصادرة عن الدولة الفرنسية بين من يرى فيها إشارة جد ايجابية و جد هامة ومن يشكك في خلفياتها السياسية وفعاليتها. وبهذا الصدد صرح السيد عبد المجيد شيخي أن قرار تسهيل الاطلاع على الأرشيف قرار جيد والأمر يتعلق بانفتاح إذا أرفق بمتابعة تسمح بتطبيقه بشكل واسع فيما قال المؤرخ الفرنسي جيل مانسيرون أن الاطلاع الحر على الأرشيف قد تتم عرقلته من خلال الإجراء الذي اتخذه الرئيس الفرنسي والمتعلق بالشروع في عمل تشريعي من طرف خبراء جميع الوزارات المعنية على اعتبار أن هذا الإجراء يحافظ على الزامية مسار رفع طابع السرية الذي في غالب الأحيان تعود الكلمة الأخيرة فيه للجيش الفرنسي . وبدوره يرى النائب الفرنسي وعضو الحزب الشيوعي الفرنسي جان بول لوكوك أن عددا من الفرنسيين والجزائريين ينتظرون اليوم اعتذارا شاملا ونهائيا من قبل فرنسا متأسفا لسياسة الخطى الصغيرة التي يتبعها الرئيس ماكرون بخصوص مسألة الذاكرة بالجزائر. المخاض العسير إن تاريخ 19 مارس 1962 كان بمثابة نقطة انطلاق عهد جديد يتعلق بتقرير مصير شعب قدم تضحيات جسام من أجل فرض إرادته في الاستقلال أمام محتل لطالما اقتنع بقوته الخارقة حيث تم إقرار وقف إطلاق النار في هذا التاريخ في أعقاب التوقيع على اتفاقيات إيفيان من طرف ممثلي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وممثلي الحكومة الفرنسية يوم 18 مارس 1962. ويعترف أغلب المؤرخين بأن اندلاع الكفاح المسلح يوم الفاتح نوفمبر 1954 لم يغلق أبدا الباب أمام المفاوضات من أجل استقلال الجزائر بما أن الاتصالات الأولى بين جبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد للثورة والحكومة الفرنسية قد انطلقت سريا سنة 1956 لاسيما في اطار المحادثات غير الرسمية بين الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني ووزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو. وبعد أول اتصال جرى بالقاهرة التقى الطرفان في يوغسلافيا يوم 26 جويلية 1956 حيث ترأس الوفد الجزائري محمد يزيد واحمد فرانسيس فيما مثل الطرف الفرنسي بيار كومين. ومنيت أولى المفاوضات بين الوفدين الفرنسي والجزائري بالفشل في جوان 1960 عندما طلبت الحكومة الفرنسية استسلام جيش التحرير الوطني وهو ما رفضته الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. وفي يوم 11 ديسمبر 1960 دفعت المظاهرات الشعبية التي شهدتها الجزائر الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدراج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمالها وفي هذا الظرف وجد الطرف الفرنسي نفسه مضطرا تحت الضغط الدولي إلى الجلوس مجددا إلى الطاولة للتفاوض حول إنهاء الاستعمار وفي سنة 1961 استمرت المحادثات الرسمية طيلة سنة كاملة إلى غاية الإعلان عن وقف اطلاق النار. الاستقلال ليس غاية في حد ذاته وقاد الوفد الجزائري في مفاوضات ايفيان وزير الشؤون الخارجية في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كريم بلقاسم فيما قاد الوفد الفرنسي لويس جوكس علما أن هذه المفاوضات جرت في جولتين بايفيان بعد فاصل لوغرين. وبعد مفاوضات عسيرة قادها وفد جزائري مقتنع بعدالة القضية الجزائرية تم الاعتراف بالاستقلال التام للجزائر بكامل وحدة ترابها وفي يوم 19 مارس 1962 شرع في تطبيق وقف إطلاق النار ليتم بعدها تنظيم استفتاء حول تقرير المصير يوم الفاتح جويلية بالجزائر مما سمح بإعلان استقلال الجزائر يوم 5 جويلية 1962. وعاشت الجزائر حينذاك فترة انتقالية في مرحلة سلم كانت بنفس درجة الخطر على قيام الدولة الجزائرية من حالة الحرب وهو ما نبه إليه رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة في خطابه الشهير الذي كان الشعب الجزائري ينتظره بشغف يوم 18 مارس عبر الإذاعة وأعلن فيه عن قرار وقف العمل العمليات العسكرية حيث قال أن الفترة الانتقالية تتطلب تيقظا كبيرا.. والخطر الكبير لا يزال ماثلا في منظمة العصابات العنصرية الفاشية التي تحاول أن تغمر بلادنا في موجة من الدماء بعد أن يئست من الإبقاء على الجزائر فرنسية . وأضاف بذات المناسبة أن الاستقلال ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة فقط تمكننا من تغيير وضعية شعبنا..إن مهمتنا أن نبني مجتمعا جديدا يكون صورة لوجه الجزائر الفتية الجديدة الحرة. الجزائر التي يجب أن يساهم في تشييدها كل مواطن معتبرا أن كل هذه المهمات تتطلب منا مجهودات أكثر من ذي قبل.. وتتطلب اليقظة والامتثال لإحباط مناورات الاستفزازيين والديماغوجيين والمفرقين.. . عبّاد: على الشباب أن يحتضن ذاكرته الوطنية دعا محمد عبّاد رئيس جمعية مشعل الشهيد إلى تمكين الشباب من احتضان ذاكرته الوطنية كما فعل أجدادنا خلال الثورة مضيفا أن التكالب الخارجي على الجزائر لن ينجح في ظل وجود جدار وطني منيع وتلاحم قوي بين الشعب وجيشه. وأوضح عباد لدى نزوله ضيفا على برنامج ضيف الصباح للقناة الإذاعية الأولى يوم الخميس أن الجزائر بعد استرجاع السيادة والإستقلال الوطني تعيش حالة خاصة وهي كيف تحافظ على الذاكرة لأن هذا الأمر يهم كل الجزائريين خاصة الشباب منهم . وأضاف: أعتقد أنه لا توجد عائلة جزائرية ليس لديها شهيد أو مجاهد كما أنه لا توجد مدينة أو منطقة من الجزائر لم تسق بدماء الشهداء فجميع مناطق البلاد ضحت وقدمت قوافل من الشهداء لذلك فإن المطلوب اليوم هو التواصل مع الشباب وتحسيسهم بأهمية الدخول إلى ميدان الذاكرة الوطنية وبهذه المناسبة أتمنى من كل الجمعيات الشبانية القيام بمبادرات محلية أو وطنية من أجل خلق مشاركة شعبية حول الذاكرة الوطنية ومثلما قال الشهيد العربي بن مهيدي ألقوا بالثورة يحتضنها الشعب حان الوقت لهذا الشعب الذي احتضن فعلا الثورة المجيدة أن يحتضن أيضا ذاكرته الوطنية . وأشار رئيس جمعية الشهيد إلى أن الجزائر تواجه اليوم تحديات ليس فقط في كيفية الحفاظ على الذاكرة الوطنية بل أيضا كيف تواجه اللوبيات التي تتكالب يوميا على الجزائر.