أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض، لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185). بالنص والإجماع يجوز الفطر للمريض، ولكن ما المرض المبيح للفطر؟ إنه المرض الذي يزيده الصوم، أو يؤخر الشفاء على صاحبه، أو يجعله يتجشم مشقة شديدة، بحيث لا يستطيع أن يقوم بعمله الذي يتعيش منه ويرتزق منه، فمثل هذا المرض هو الذي يبيح الفطر، قيل للإمام أحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع. قيل له: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى؟ وذلك، أن الأمراض تختلف، فمنها ما لا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس وجرح الأصبع والدمل الصغير وما شابههما، ومنها ما يكون الصوم علاجًا له، كمعظم أمراض البطن، من التخمة، والإسهال، وغيرها فلا يجوز الفطر لهذه الأمراض، لأن الصوم لا يضر صاحبها بل ينفعه، ولكن المبيح للفطر ما يخاف منه الضرر . والسليم الذي يخشى المرض بالصيام، يباح له الفطر أيضًا كالمريض الذي يخاف زيادة المرض بالصيام. وذلك كله يعرف بأحد أمرين: إما بالتجربة الشخصية، وإما بإخبار طبيب مسلم موثوق به، في فنه وطبه، وموثوق به في دينه وأمانته، فإذا أخبره طبيبٌ مسلم بأن الصوم يضره، فله أن يفطر، وإذا أبيح الفطر للمريض، ولكنه تحمل وصام مع هذا فقد فعل مكروهًا في الدين لما فيه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيفَ ربه وقبول رخصته، وإن كان الصوم صحيحًا في نفسه، فإن تحقق ضرره بالصيام وأصر عليه فقد ارتكب محرمًا، فإن الله غني عن تعذيبه نفسه. قال تعالى :(ولا تقتلوا أنفسكم. إن الله كان بكم رحيما). (النساء: 29).