في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ - الجزء التاسع والسبعون- بقلم: الطيب بن ابراهيم *شخصيات فرنسية مدنية وعسكرية تتسابق لزيارة الأبيض مدينة الأبيض عاصمة إمارة أولاد سيدي الشيخ (1580 -1881) إحدى قلاع الجهاد والتصوف في الجزائر أسسها الصوفي المجاهد شهيد المقاومة ضد الإسبان عبد القادر بن محمد بن سليمان المعروف شهرة سيدي الشيخ كما عرفت المدينة شخصيات صوفية تاريخية أخرى منها جده سيدي سليمان بن بوسماحة الذي كان أحد كبار علماء جامع القرويين بفاس وأحد كبار متصوفة المنطقة وابن سيدي الشيخ وخليفته الصوفي سيدي الحاج بحوص صاحب الثلاثين حَجَّة والذي التقى معه العياشي في رحلتَيْه الأولى سنة 1649م والثانية سنة 1655م. بالإضافة لشخصيات صوفية أخرى قامت لاحقا بالمدينة وترددت عليها أشهرهم مؤسس الطريقة التجانية الصوفي سيدي احمد التجاني الذي أقام بالأبيض ما بين سنتي 1771 - 1767 كما زار المدينة لاحقا زعيم المقاومة الوطنية الأمير عبد القادر. بالإضافة للشخصيات الصوفية عرفت المدينة شخصيات جهادية جزائرية كبيرة من أحفاد سيدي الشيخ قاومت الاحتلال الفرنسي قائد بعد قائد كان أولهم السي الشيخ بن الطيب الذي تصدى لأول حملة فرنسية على المنطقة بزعامة العقيد جيري في شهر ماي سنة 1845 وقائد المقاومة السي لعلى وسليمان بن حمزة ومحمد بن حمزة واحمد بن حمزة وقدور بن حمزة وسليمان بن قدور والشيخ بوعمامة. وانتقاما من هذه المدينة الجهادية التي خرّجت هذه الكتيبة من القادة قام العقيد السفاح أوسكار دو نيجريي بتفجير ضريح سيدي الشيخ أثناء ثورة الشيخ بوعمامة بتاريخ 15 أوت سنة 1981. فعلا كانت مدينة الأبيض إحدى قلاع التصوف والجهاد ورمزا من رموز المقاومة والتحدي ولمكانة مدينة الأبيض سيدي الشيخ قال عنها مترجم الجيوش الفرنسية فرونسوا غورجو: للضرورات السياسية أقمنا مركزنا العسكري بالأبيض سيدي الشيخ إنها عاصمة مهمة في كل الجزائر لعلاقتها مع التل ومع واحات الداخل الإفريقي إنها مركز تجمع من كل الاتجاهات المعادية للاحتلال . ولهذه الاعتبارات التاريخية والاستراتيجية للمدينة خاصة أثناء المقاومة تسابقت لزيارتها عشرات الشخصيات الفرنسية العسكرية والمدنية بل شخصيات عالمية غير فرنسية فكان أول جنرال زارها هو أوجان دوما سنة 1845 والعقيد تروملي الذي زار ضريح سيدي الشيخ سنة 1858 وقال عن قبته: إنها تحفة فنية يصعب بناؤها مرة أخرى وأن أسلوب بنائها العمراني متأثر بمسجد قرطبة وهذا قبل تفجيرها سنة 1881. كما زار المدينة الجنرال رونو والجنرال داريو والجنرال ديتري والجنرال توماسان سنة 1895 والمارشال ليوتي سنة 1905 والقائمة طويلة. واهم شخصية فرنسية زارت المدينة هو الحاكم العام الفرنسي جيل كامبو Jules Cambon 1845 - 1935 الذي حكم الجزائر ما بين 1891 إلى 1897 زار مدينة الأبيض سيدي الشيخ سنة 1896 وهذا بعد الاتفاق الذي عقد مع زعيم المقاومة السي قدور بن حمزة وبعد وفاة زعيم المقاومة الثاني السي لعلى في نفس سنة الزيارة وهو الذي قال عن زعيم أولاد سيدي الشيخ المتوفى: : ...السي لعلى هذا كان يمثل من بين جميع خصومنا في الماضي الأكثر مهارة الأكثر شجاعة والأفضل رجل حرب . والحاكم العام جيل كامبو هو من طلب من زعيم رجال الكنيسة بالجزائر الأب فوايار Voillardزيارة مدينة الأبيض سنة 1899 كما أن زعيم مدرسة إخوة يسوع الصغار الأب شارل دي فوكو هو الآخر زار مدينة الابيض في شهر مارس سنة 1909. لكن تبقى أهم زيارة هي تلك التي قام بها الماريشال أوبار ليوتي إلى مدينة الأبيض سيدي الشيخ والماريشال ليوتي هو من أطلق على المدينة وصف مكة الصغيرة بسبب تظاهرتها الصوفية السنوية حيث قال لجيشه وهو يستعد للتوجه إلى دخول عاصمة المقاومة مدينة الأبيض سيدي الشيخ يوم الجمعة 17 جوان سنة 1905: نحن نسير اليوم إلى مدينة الأبيض علينا أن نعتني بلباسنا العسكري أن نلمِّع سروج خيولنا... من أجل دخول مشرف ل مكة الصغيرة الجزائرية. كما قال الماريشال في رسالة أخرى له من الأبيض سيدي الشيخ سلمها لمجلة الابدومادار : وأنا هنا عند أكبر سادة في الجزائر وربما في كل إفريقيا . كما عرفت عاصمة أولاد سيدي الشيخ زيارة بعض أعلام الاستشراق منهم الأب أنطوان جياكوبيتي 1898 والمستشرق لويس غاردي سنة 1933 والمستشرق بمدرسة تلمسان إيميل جانيي سنة 1935 والمستشرق المصري جورج شحاتة قنواتي 1941 والمستشرق العالمي لويس ماسينيون سنة 1955. أما الشخصيات الكنسية فحدث ولا حرج فالعشرات من قاموا بزيارة مدينة صاحبة أول تجربة تنصيرية في التاريخ من كبار الكاردينالات إلى أبسط القساوسة والأساقفة والكهنة من جميع أنحاء العالم من اليابان والفيتنام شرقا إلى كندا والبيرو غربا بالإضافة لزوارها من الفاتيكانوفرنسا وأوروبا وإفريقيا وكان من ابرز زوارها على سبيل المثال لا الحصر سنة 1954 الكاردينال تيسرون Tisserant من روما والمونسينيار de Provenchère من فرنسا ومن الشرق الأوسط (لبنان) المونسينيار حكيم والمونسينيار مخلوف والأسقف Lefèvre أسقف داكار وسفير الفاتيكان لإفريقيا الفرنسية ومن اليابان الأسقف كاتسوسابورو أراي أسقف مدينة يوكوهاما كما زارها وزير الصحراء ماكس لوجان بل زارتها حتى بعض الشخصيات الإسرائيلية كحال أندري شرقي نائب رئيس بلدية القدس لاحقا. بل هي الإرسالية التي تنقل إليها رئيس أساقفة الجزائر لينو Leynaud خصيصا في سابقة فريدة من نوعها لترسيم أحد طلبتها قسا هو ميلاد عيسى وذلك بتاريخ 28 ماي سنة 1939 وهذا عكس القاعدة المعمول بها وميلا عيسى هذا هو الذي أصبح رئيسا للإرسالية لاحقا منذ سنة 1947 إلى غاية وفاته بها سنة 1984. يتبع...