في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الثامن والخمسون بعد المائة- بقلم: الطيب بن إبراهيم في الأول من شهر افريل سنة 1946 التقت الأخت مادلين مع المسئول الديني الأسقف جورج مارسي بمدينة الاغواط الذي أطلعها على قرار تأسيس إرسالية لأخوات يسوع الصغيرات بالأبيض سيدي الشيخ بعدها حلّت الأخت مادلين بالأبيض سيدي الشيخ يوم 13 أكتوبر سنة 1946 وكان رئيس الإرسالية فوايوم ونائبه الأب ميلاد عيسى في استقبالها والترحيب بها ومُنح لها ولمن معها من المتكونات مقر المستشفى القديم لإقامة دورات تكوينية به لعدة أسابيع وذلك في انتظار بناء المقر الجديد وانطلقت التحضيرات فورا في تهيئة المكان وظروف العمل. بدأ التحضير في تهيئة المكان المؤقت للأخوات المتكونات وعلى جناح السرعة استقبلت أول دفعة للمتكونات في شهر نوفمبر سنة 1946 وفي اليوم الثالث من هذا الشهر قامت المنصرة مادلين المتحمسة لمشروعها بجولة في مدينة الأبيض وأحيائها للبحث عن المكان المناسب لتأسيس إرساليتها وفي اليوم الخامس من نفس الشهر تم اختيار المكان وتمت الموافقة عليه من طرف السلطات المحلية. لقد تم اختيار المكان المناسب حسب المواصفات المطلوبة التي أوصى بها المحافظ الرسولي المسئول عن البعثات التنصيرية بالجزائر الأسقف جورج مارسي وعلى رأسها ألا يكون المكان بعيدا عن إرسالية الإخوة الذكور بمسافة خمسمائة (500) متر وألا تزيد المسافة عن ثلاثمائة (300) متر عن مستشفى الآباء البيض وأن لا تزيد مدة السير على الأقدام عن عشر دقائق بين إرسالية الإخوة وإرسالية الأخوات وأن يتم حفر بئر داخل إرسالية الأخوات لتوفير الماء لهن. وقد تم تحديد مكان البناء وتم التوافق عليه بين رجال الكنيسة والسلطات المحلية وهو نفس المكان الذي عسكر به الأمير عبد القادر بمدينة الأبيض سيدي الشيخ أثناء زيارته لها في شهر ماي سنة 1846. بعد اختيار المكان وبعد موافقة مسئول مشروع البناء بالفاتيكان الأسقف دي بروفونشارDe provenchères انطلقت أشغال البناء فورا ومن الفاتيكان دائما تم إرسال مفتش كنسي للأبيض سيدي الشيخ لمراقبة الأشغال والاطلاع عن كثب على الوضع ومشروع البناء إنه الأب Le père Prouvost الذي حل بالأبيض سيدي الشيخ رفقة المحافظ الرسولي الأسقف مارسي يوم 7 سبتمبر سنة 1946 وفي اليوم الموالي 8 سبتمبر حلّت الذكرى الثالثة عشر لتأسيس إرسالية إخوة يسوع الصغار ويوم 9 سبتمبر غادر المفتش البابوي مدينة الأبيض عائدا إلى مقر عمله بروما بايطاليا راضيا على الجميع بينما بقيت الأخت مادلين بالأبيض إلى غاية يوم 29 فيفري سنة 1947 تاريخ سفرها إلى فرنسا. منذ سنة 1847 أصبحت إرسالية أخوات يسوع الصغيرات بالأبيض سيدي الشيخ المركز الوحيد للتكوين في العالم للمبتدئات إذ أن مركز التبت Tubet بفرنسا تحول إلى الأبيض سيدي الشيخ وأصبحت الأخوات تَقُمن بدورة تكوينية بالأبيض خلال عدة أسابيع تحت إشراف الأخت مادلين اوتان وأصبح للإرسالية شهرة عالمية ومع مطلع خمسينيات القرن الماضي تضاعف عدد المتكونات عكس عدد المتكونين من الذكور إلى أن بلغ سنة 1955 أكثر من مائة وسبعين (170) متكونة وكانت هذه آخر دفعة تكوينية في مدينة الأبيض سيدي الشيخ بعدها ونتيجة ظروف الثورة الجزائرية أصبحت الأخوات تتجهن للتكوين في مدينة روما بايطاليا بينما الإخوة اتجهوا إلى فارليت باسبانيا ثم بعدها إلى سان جلداس بفرنسا. *مادلين تجوب بوادي وأرياف الأبيض سيدي الشيخ كانت مادلين تجتهد في تقديم المساعدة لنساء البدو خاصة المرضى منهن فبالإضافة لفقرهن ومرضهن كُنَّ يعانين من العزلة الجغرافية والبعد عن المدن والمراكز الصحية والحضرية وذلك ما كانت مادلين تدركه جيدا وتعمل جاهدة لاستغلال مأساة تلك النسوة وأطفالهن ومقايضتهن وابتزازهن قدر الإمكان وإظهار دموع التماسيح... ولتقوية الصلات بين مادلين ومن كانت تسميهم كشيخها شارل دي فوكو: فقراء الصحراء كانت المنصرة مادلين تجوب الصحراء عموما وبوادي الأبيض سيدي الشيخ خصوصا تفتيشا عن الفقراء والبؤساء والأيتام كفرائس يسهل الاقتراب منها ومصائب قوم عند قوم فوائد لكن مصائب الجزائريين لم تكن عفوية بل كانت متعمّدة من طرف الاحتلال المقيت ! وفي هذا السياق قامت مادلين بعدة زيارات نحو القرى والبوادي المجاورة للأبيض استهلتها بزيارة بلدية أرباوات يوم 19 نوفمبر سنة 1946 ومنطقة مشاقِّين البدوية يوم 28 نوفمبر من نفس الشهر حيث قضت ليلتها رفقة زميلاتها وقدمن المساعدة لسكان البدو الفقراء في علاج مرضاهم وتقص علينا كيف قضت ليلتها عند البدو حيث كانت رفقة زميلاتها يجتمعن للتدفئة حول النار في خيمة للبدو وكان الفصل شتاء والبرد قارصا وفي تلك الليلة أُحرِقت عباءة إحدى الأخوات اللائي لم يتعودن التدفئة بنار الحطب والجلوس حولها والاقتراب منها كما زارت مادلين قرية سيد الحاج الدين وبريزينة لتعود للأبيض مساء يوم 30 نوفمبر من نفس السنة. وأثناء زيارة مادلين لمدينة الأبيض سيدي الشيخ مع بداية سنة 1947 وكعادتها لم تستقر في مقر إقامتها بالأبيض بل خرجت إلى المناطق المجاورة له من قرى وبوادي حيث حلت يوم 10 فبراير سنة 1947 بمدينة بريزينا جنوب شرق الأبيض وبتاريخ 28 فبراير 1948 زارت مادلين بادية مشاقين مع زميلاتها وجِمالهن الأربعة وخيمتهن وكما تقول: خرجن في المساء لجمع الحطب للتدفئة والطهي كما تفعل نساء البادية وتعترف أنها كانت تستعمل الطرق التقليدية للبدو في تحضير الخبز وطهيه وهو وضعه في التراب تحت الجمر المسمى محليا ب المَلَّة .