كتبت مجلّة قطرية، يبدو أنها تفكّر مثل قناة (الجزيرة) في نسختها الويكيليكسية متحدّثة عن جنرال فرنسا شارل ديغول قائلة: (··وبدلا من أن يسحق ثورة الجزائريين منحهم الاستقلال)، فهذا الجنرال الذي لا يختلف كثيرا عن جلاّدي الاستدمار الفرنسي الآخرين، أمثال أوساريس وبيجار وشميث وموريس، وغيرهم يكون قد (أهدانا) الاستقلال برأي بعض (الأشقاء) العرب العباقرة وبعض (الأمخاخ) الأجانب الذين يحرفون التاريخ ويزيّفون الحقائق، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا· وبعد نحو نصف قرن من استقلال الجزائر، ورغم أن الثورة الجزائرية مازالت راسخة في الذاكرة الجماعية للعرب والعجم كواحدة من أعظم ثورات التاريخ، إلاّ أن بعض ضعاف النّفوس والبصائر يصرّون بمناسبة ومن دونها على التقليل من قيمتها، والزّعم بأن ديغول هذا هو من أهدانا الاستقلال الذي نحتفل بمرور 49 سنة كاملة على استعادته· ويجد بعض هؤلاء المتخاذلين والانهزاميين صعوبة في فهم كيف أن جيش التحرير الوطني بآليات عسكرية بسيطة وتدريب محدود نجح في إلحاق شرّ هزيمة بواحد من أقوى جيوش العالم·· هؤلاء يبدو أنهم لا يعرفون معنى قوّة الإرادة وانتصار الحقّ على الباطل، وربما لا يؤمنون بآية {كم من فئة قليلة}· وإذا كان هؤلاء المرجفون يعتقدون أن ديغول كان كريم الطبع سخي النّفس رقيق الإحساس إلى الحدّ الذي جعله يشفق على أمرنا ويشعر بمحنتنا ويرأف بحالنا ويهدينا الاستقلال فهم مخطئون إلى يوم الدين، أمّا إذا كانوا يقصدون أن سياساته التي لم تختلف عن سياسات سابقيه من سفّاحي فرنسا هي التي دفعت الجزائريين إلى إشعال ثورة نوفمبر المجيدة فإنهم على صواب، فديغول ومن معه جعلوا الجزائريين يدركون أنهم أمام حتمية واحدة: الثورة·· وهذا هو التفسير الوحيد المعقول والمقبول لفكرة أن الجنرال ديغول قد منح الجزائريين الاستقلال، وما عدا هذا مجرّد افتراء وبهتان لا يصدقه إنس ولا جان· وإن صدّقنا أن (فرنسا ديغول) قد أهدتنا الاستقلال فإننا نأمل اليوم أن تهدي (فرنسا ساركوزي) الليبيين استقلالهم التام بعد أن أسقطت نظامهم، مستعينة بحلفائها في الغرب وعملائها في الشرق.