مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    فروسية/ البطولة الوطنية للقدرة والتحمل: ناديا الفروسية "أسلاك" بتيارت و" لاشياندا' بالبليدة يتوجان باللقب في الفردي    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    الحزب الوطني الريفي يدعو لتبني موقف يجعل من الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في القارة الإفريقية    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    الجزائر العاصمة : غرس 70 شجرة بصفة رمزية تكريما لأصدقاء الثورة الجزائرية    لبنان : استشهاد 11 شخصا في غارة إسرائيلية على قلب بيروت    الفلبين : نائبة الرئيس تتوعده بالاغتيال إذا تم قتلها    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    أدرار.. أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى عدة ولايات بالجنوب    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    جبهة المستقبل تؤكد على ضرورة تعزيز الوعي والتعبئة الوطنية لمواجهة التحديات التي تواجهها الجزائر    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    لمست لدى الرئيس تبون اهتماما بالقضية الصومالية    قرار الجنائية الدولية ينهي عقودا للإفلات من العقاب    هذه شروط تأسيس بنك رقمي في الجزائر    صنصال.. دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر    3مناطق نشاطات جديدة وتهيئة 7 أخرى    دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة    "السياسي" يطيح بسوسطارة ويعتلي الصدارة    المرافقة النفسية للمريض جزء من العلاج    وفاة طفل تعرض لتسمم غذائي    ضبط مخدرات بالكرط    السداسي الجزائري يستهل تدريباته بمحطة الشلف    إيمان خليف وكيليا نمور وجها لوجه    مجلس الأمة يشارك في الدورة البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بمونتريال    استكمال مشروع الرصيف البحري الاصطناعي بوهران    دعوة إلى إنقاذ تراث بسكرة الأشم    نحو تفكيك الخطاب النيوكولونيالي ومقاومة العولمة الشرسة    4معالم تاريخية جديدة تخليدا لأبطال ثورة نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اغتيال هنية لا يثني المقاومة الفلسطينية الباسلة
نشر في أخبار اليوم يوم 01 - 08 - 2024


مراصد
إعداد: جمال بوزيان
القدس محور الصراع مع الكيان الصهيوني
اغتيال هنية لا يثني المقاومة الفلسطينية الباسلة
تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.
*****
هنيئا الشهادة ل هنية ..
فقدان القائد.. فاجعة عظيمة
بقلم: أ.م.رابح لكحل
صدمت بخبر استشهاد القائد أبى العبد لدرجة أنني مررت بفترة ليست قصيرة أحاول إقناع نفسي أن الخبر كاذب وأن العدو وأذنابه من يسوقونه في إطار حربهم النفسية ولهم في ذلك باع كبير آخرها إعلانهم استشهاد القائد العام للمجاهدين.. لكن مع استحضاري لطبيعة الثورات وجسامة التضحيات التي يقدمها المجاهدون لتحرير أوطانهم وشعوبهم استعدت توازني دون أن أستطيع التغلب على مشاعري كإنسان بحزني وحسرتي على فقدانه غيلة في ليلة ظلماء إلا بعد مراجعتي لمواقف الرسول-صلى الله عليه وسلم- عند استشهاد أصحابه أو عند فقده لأبنائه وهكذا تحولت فاجعة استشهاده إلى إشارة أمل نحو اقترابنا من النصر وخاصة عند ما أتذكر تعليقه على استشهاد أفراد أسرته أو عند استشهاد إخوانه فالرجل خلق ليعيش حرا وهو على يقين أن الشهادة تتربص به في كل حين فهنيئا له ماسعى إليه وليرحمه الله وليكتب له الشهادة التي عاش من أجلها ولتكن تضحيته خطوة جديدة نحو الحرية آمين..
لكن الكارثة التي لم أجد تفسيرا لها هي الانتشار الأفقي لثقافة التضليل والتجهيل لدى بعض العامة من الناس ولم أكن أتوقع وجود بشر ينحطون إلى هذا المستوى من التفكير فإذا كان من الطبيعي أن يجتهد المستبد لتخدير الناس والتغرير بهم فمصالحه واستمراره محققان عبر ذلك وإن أصبح مستساغا أن يتجند لذلك حراس المعبد من مدعي العلم بالدين أو من كهنة دكاكين الإعلام.. لأنهم يقتاتون من فتات أسيادهم فالذي يذهب عقلك ويخرجك عن طورك أن تجد فقيرا معدما لا يُركب جملة مفيدة ولا يفرق يده اليمنى عن اليسرى يردد طروحاتهم ويتحدث بثقة غريبة بالسوء عن المقاومة ورجالاتها معتقدا أن هذا ما يضمن له الجنة وهذا ما سجلته صبيحة الأربعاء وزاد من حسرتي فبعد إطلاعي على خبر استشهاد أبي العبد هجرني النوم (في العادة أعود إلى النوم بعد الصلاة..) فخرجت قاصدا أقرب مقهى من بيتي فوجدته تقريبا خاليا إلا من العامل (القهواجي) وزبون آخر وكان التلفاز مشغلا على قناة الجزيرة التي تبث باستمرار خبر استشهاد بطلنا وردود الأفعال المختلفة عندها دخل أحدهم يظهر من هيأته أنه من جماعة الجهاد بالسنن فبادره العامل وهو يبتسم: يا فلان لقد قتلوا لهم قائدهم...! فرد الشيخ الوقور: ومن هو؟! ثم علق بصوت خافت مستغربا كيف يغتالوه وهو معهم؟! فردد القهواجي مبتسما: قتلوه قتلوه.عندها التفت إليهما ونظرت إلى العامل مستغربا فكأنه انتبه لوجودي وتوقف عن الكلام وأشار لصاحبه بذلك لحظتها خطرت ببالي أفكار كثيرة وهممت بمخاطبتهما بلغة وظيفية يقتضيها الموقف ثم تراجعت لقناعتي أنهم ضحايا وجهلة ومن العبث مخاطبة حيوان أنطقه الله.. خرجت من المقهى دون اقتناء أي شيء لكني لم أنسَ كلامهما الفج الذي يفهم منه أن:
1- الشهيد غريب ولا يمثله والأخطر يظهر أنه سعيد لموته...! 2- ولاؤه لليهود الملاعين ثابت فهو يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم..
ولم أكن أتصور أن التظليل والتجهيل وصل إلى هذا الحد فها هي ثورتنا المباركة برغم الأمية الجهل والخيانة فإن ولاء الناس كان واضحا وكان على أساس الدين فكانوا يعدون الخائن خارجا عن الملة فكيف لمن طالع لصيقات الفرقة التي تتألى على الله وتدعي ضمانها الجنة لأفرادها دون غيرهم.. أن يجاهر بعدائه لإخوانه من المسلمين ويسعد لقتلهم ويدعم عدوهم بالدعاية المضادة وبتثبيط الناس...! فأي بؤس هذا الذي نعيشه يا رب..؟!
لكن أقول لهؤلاء المساكين ولأسيادهم الذين باعوا دينهم بعرض بخس من دنيا الملوك أن الشهيد وإخوانه هم شرف الأمة وطريق عزها بإذن الله وأن طريق الحرية الذي لا تعرفونه ولن تعرفونه ولايمكنكم حتى تخيله لا يخوضه إلا الأحرار والعبيد أمثالكم من طبعهم قبول الدنية وأكل السحت ولا ينتظر منهم إلا الخنوع لأسيادهم وبيع إخوانهم وشرف أوطانهم..
وأقول للأحرار: لا تهنوا ولا تحزنوا فالسير في طريق الحرية كلفته باهظة وكلما دفعنا الثمن المطلوب اقتربنا من هدفنا ولكم في ثورة التحرير المثل فأغلب مفجري ثورة التحرير الجزائرية استشهدوا في بداياتها وعمل الاستدمار الفرنسي حينذاك على استهدافهم ومحاولة استغلال استشهادهم لقتل عزائم الناس وكسر الحاضنة الشعبية للثورة لكن بفضل القيادة الجماعية وبتوفيق من الله تجاوزت الثورة فقدان قادتها واستمرت حتى النصر لأن فكرة التحرر تغلغلت وجبرت ألم فقد الأحبة وهذا ما نسجله على ثورة إخواننا في فلسطين فغزة العزة ستنتصر بإذن الله وقد اقتنع بذلك العدو والموت للخونة الجبناء..
أما إخواننا في الداخل الفلسطيني فسأذكر لهم محطة مهمة من ثورتنا تكون لهم نقطة نور في مسارهم نحو الحرية فعند بداية ثورة التحرير في نوفمبر 1954 استشهد بخيانة مدبرة مهندس الثورة العقيد مصطفى بن بولعيد وحاصرت فرنسا منطقة الأوراس بهدف القضاء على الثورة في مهدها فجاءت النجدة بهجومات الشمال القسنطيني التي أنقذت الثورة وضمنت انتشارها واستمرارها ثم انتصارها فكونوا في مستوى إخوانكم وانتفضوا يا أهلنا في الضفة ودوسوا بأقدامكم على جماجم خونة أوسلو 1993 ومن يدعمهم..
ولا أجد ما أختم به أشد وقعا من قوله تعالى في سورة آل عمران: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( 169 ) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 170 ) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( 171 ) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( 172 ) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ( 173 ).
==
هنيّة الذي صنع من الدّين ثورة
بقلم: وليد الهودلي
لم تكن شهادة القائد إسماعيل هنيّة شهادة لزعيم فلسطينيّ رغم المكانة العالية لهذا الأمر لكنّ هذه الشهادة جاءت عابرة لكلّ الحدود والشعوب الحرّة عربيّة وإسلامية وغير ذلك تخطّت بعدها المحلّي والإقليمي وذهبت للعالميّة بكلّ جدارة جاءت مؤثّرة ومثوّرة وفاعلة وناهضة وصانعة للمجد والصعود الحضاري وسبق فعلها قولها ثم تُوّج بالشهادة لتكون منارة خالدة تنير الطريق لخلاص أمّة طال عليها أمد التخلف والهوان ولتفتح طريق الحرية والعزّة والتمكين بل والسيادة الحضاريّة بكلّ أبعادها العظيمة.
سأحاول ألا يكون كلامي عاطفيّا أو أدبيّا إنشائيا بل أن أعطي أثر هذا الرجل ودوره في صناعة هذا التحوّل الكبير الذي من شأنه أن يصنع التغيير الحقيقي الذي يغيره الله في مسارات الأمم إن هم غيّروا ما بأنفسهم على قاعدة إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم .
لقد أتقن هنيّة والفريق الذي معه التغيير الحقيقي في فهم الدين فهما عمليا حركيّا ثوريا لقد نجحوا في إحداث هذه النقلة النوعيّة التي تجعل الدين صانعا للذات الثوريّة والمجتمع الثوري والمقاومة التي تجيد حمل الثورة بكل تضحية وفداء واستبسال لقد نجحوا أيما نجاح في فهم الدور الكامل للدين غير منقوص ولا مقزّم ولا مسقوف بل الفهم الذي يطلق له العنان ويجعله ينتج كل ثماره المطلوبة صفقة واحدة: الأخلاق والإصلاح الاجتماعي وتحرير الذات وإعلاء قيم الحرية والكرامة والسيادة ومحاربة الظلم والفساد ومواجهة طاغوت الاحتلال وجبروت الظالمين.
لذلك فإن هنيّة وجد نفسه وهو في بداية شبابه أمام ثقافتين: ثقافة تهمّش الدين وتحصره في مجالات ضيّقة أو تفتح له ملعبا صغيرا لا شأن له في السياسة وظلم الاحتلال ونهضة الأمّة وصولا إلى سيادتها الحضارية وإنقاذها من براثن التخلّف والبقاء في مؤخرة الأمم راضية بأن تكون عالة أو يتيمة على موائد اللئام.. وثقافة تعطي الدين دوره الكامل كمنهج حياة وذي قدرة على الإصلاح والتغيير والنهوض الحضاري وذي قدرة أيضا على الوقوف في وجه الباطل والانتصار عليه دين ينتج ثورة ويعلي شأن الحريّة والتحرير والعزّة والتمكين وألا نرضى الدنيّة في ديننا لأنه دين يضع أتباعه في مكانة الأعلون ولا يرضى لهم أن يكونوا اليد السفلى بأيّ حال من الأحوال.
بعد هذه الفهم الثوري الشامل للدين بدأ العمل على أن يكون واقعا بل ونموذجا حيّا لهذا الفهم العظيم للدّين ونذر نفسه لهذا الطريق الذي يعلم مسبقا كم هو شائك وصعب ومكلف بل استعدّ ومن معه لدفع تكلفته مهما كانت باهظة استعدّوا لهذا الطريق روحيّا ونفسيّا وبنوا عقيدة قتالية على هذا الأساس وفي ذات الوقت انتهجوا خطّ الإعداد المادّي بكلّ متطلباته من إمكانيّات وخبرات شقّوا طريقهم من الصفر إلى النهاية العظيمة التي تغلّبوا فيها على العقل الغربي والصهيوني والذي كان من تجلياته المذهلة التي أذهلتنا وأذهلت العالم يوم السابع من أكتوبر لقد صدّروا للعالم وبالذات العالم الإسلامي نموذجا مختلفا للدين الذي كان سائدا بحيث لا يعطي عُشر منتوجه فإذا بالعالم يرى نموذجا دينيا يعطي كلّ ثمراته العظيمة من غير أن يُبقي منها شيئا. لقد نجحوا ماديّا كما نجحوا روحيا وفكريا وعقائديّا وهذا هو المختلف عن كلّ التنظيرات التي لا رصيد لها في التغيير الحقيقي في حياة البشر.
كان بإمكان هنيّة ومن معه أن يسلكوا طريق الدين بعيدا عن منتوجه الثوري يخرجون للناس بكلّ أناقة فكرية وطلاقة لسانيّة ويعطّروا خطابهم بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ويكيل لهم الناس الثناء والمديح والإطراء كما يفعل كثير من دعاة الإسلام الطيّبين الناعمين الذين لا يزعجهم الاحتلال والظلم والفساد الرابض على صدور شعوبهم مثلما يزعجهم ترك الناس لسنّة السّواك مثلا أو صلاة ركعتي تحيّة المسجد (وأنا لا أقلل من أهمّيتها ولكن مع وضعها ضمن فقه الأولويات) هؤلاء قد يُنتج فهمهم للدين كلّ شيء إلا الثورة فيبقوا على مساحة آمنة بينهم وبين الظالمين والمستبدّين والمحتلّين والغاصبين لحقوق شعوبهم بينما فهم هنيّة ومن معه للدين هو الذي ينتج ثورة ويرتّب الأمور وفق أولوياتها الصحيحة.
لذلك فإنّ شهادة هنيّة تشكّل منارة عالية للأمة ولكل أحرار العالم لتريهم من خلال نموذج عمليّ: الدين الذي يصنع ثورة. بعد هذه الشهادة على العالمين لم يبق هناك مبرّر للدعاة الذين يستثنون من خطابهم كيف يصنع الدين الثورة كيف يحرّر الدين الناس ويجعل من شعوبهم شعوبا حرّة شعوبا لا ترضى بأن تسلب كرامتها أو تصادر ثرواتها أو تنزع العدالة من حياتها شعوبا لا ترضى بأن يكون الدين تخديرا لكرامتها وصامتا أمام مصادرة حريّتها.
لقد أبدع هنيّة ومن معه في تصدير خطاب ثوري للدين يصدّر للناس الثورة لقد أبدع بعد الخطاب في صناعة النموذج وأيّ نموذج صنع؟ منذ السابع من أكتوبر والعالم يشاهد هذه التجليات لهذا الدين العظيم الذي يحارب كلّ باطل العالم بكلّ جبروته الماديّ وطغيانه الأخلاقيّ بإمكانات بسيطة بأيدي رجال حملوا هذه العقيدة كشفوا حقيقة الإجرام العالمي بكلّ ما يحمل من شرّ وروح تحمل الإبادة الجماعية مبدأ وعقيدة. تشاهد البشريّة اليوم صورة البشريّة بأبشع صورها الكاذبة المخادعة والمجرمة الباطلة وصورة مقابلة للحق عندما تحمله ثلّة من البشر ويستعدّون لكلّ أشكال التضحية والفداء بأعظم وأبهى الصور في مقارعة هذا الشرّ العالمي المقيت.
لقد أبدع هنيّة ومن معه في وضع الأمتين العربية والإسلامية أمام دينهم الدين الذي لا يرضى بمصادرة الحرية والتبعية والذلّ وسيطرة المستعمر وغطرسة أهل الباطل مهما كان لونهم أو كانوا من الداخل أو الخارج. لقد ظهرت الأنظمة الفاسدة وهي تذلّل رقاب شعوبها للهيمنة الأمريكيّة والتفوّق الأوروبي الاستعماري الفظيع أمام شعوبها وأمام فهمها الصحيح لدينها لذلك فإننا وجدنا دولا وزعامات تدّعي أنها عربيّة ولكنها تقف مع المحتلّ للقضاء على المقاومة الفلسطينية لماذا؟ ببساطة لأنها تصدّر الخطاب الديني الثوري الذي يضع هذه الدول في خطر أمام ثورة شعوبها وأمام التزامها لراعي عروشها.
لقد أبدع هنية ومن معه في وضع الأمّة أمام مسئوليتها الدينيّة دون مواربة أو دجل أو تزييف وإن الشهادة تبقى منارة ترشد على طريق الدين الذي يصنع الثورة والتحرير.
وتُختم القصّة المعروفة: ولمّا لم يستطع قتل الغلام دلّه الغلام على طريقة قتله: ارمني بسهم وقل: باسم ربّ هذا الغلام أقتل هذا الغلام. فلمّا فعل وقتله علم الناس أن لهم ربّا وإلها غيره فقالوا: آمنا بربّ هذا الغلام .
أيتها الشعوب العربيّة لكم ربّ وإله غير هؤلاء الحكّام.
روح الشاهد والشهيد إسماعيل هنيّة وكلّ شهداء فلسطين تقول لكم: تحرّروا وانظروا في فهم دينكم فهما قويما واعلموا أنّما إلهكم إله واحد.

==
قدر الفلسطيني الثائر
بقلم: عبد الله المجالي
منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين عقب انهيار الدولة العثمانية والشعب الفلسطيني يقدم الشهداء تلو الشهداء في طريق الجهاد والمقاومة لنيل الحرية والاستقلال وكنس الاحتلال من على أرض فلسطين المباركة.
ليس فيما نكتب جديدا فقد اختصرت علينا الآية الكريمة كل ما نريد قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا صدق الله العظيم.
آية عجيبة تصور حال المؤمنين الصادقين الصابرين والأعجب منها السياق الذي جاءت فيه فقد جاءت في سورة الأحزاب (العرب واليهود) الذي تحزبوا لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة وجاءت بعد آية وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا صدق الله العظيم.
الآية الكريمة مليئة بالحركة وهي تنبؤنا بأن قافلة هؤلاء الرجال لن تتوقف إنها تصور سيلا من الرجال الصادقين الصابرين يسيرون في طريق صعبة نهايتها الجنة وهذا السيل من الرجال منهم من يصل إلى الهدف ومنهم من لا يزال يجدّ في ذات الطريق لا يحيدون عنه ولا يستبدلون به طريقا آخر.
على أن هذا لا يعني الاستسلام للواقع والاختلال في موازين القوى ولا يعني أن نسلّم القادة للعدو يصفيهم متى شاء ولا يعني أن اغتيال القادة ليس خسارة موجعة ولا يعني أن نعترف بأن العدو أصابنا وسجل نقاطا في المعركة المستمرة بيننا وبينه.
إن مخزون الثقافة الإسلامية (القرآن الكريم والسيرة النبوية والتاريخ المشرق) قادر على أن يعطينا القوة والعزم لتجاوز أي محنة مهما كانت كبيرة لنستمر في طريق الجهاد والمقاومة لتحقيق الهدف وهذا هو دورها الحقيقي وليس اعتياد مشهد خسارة القادة تلو القادة أو خسارة المشروع تلو المشروع.
إن مخزون الثقافة الإسلامية دافع ومحفز لعدم اليأس والقنوط والاستسلام كما هو دافع للاستمرار في ذات الطريق وما بدلوا تبديلا وفي ذات الوقت دافع للسعي لتغيير موازين القوى والاستعداد بأقصى الطاقات وامتلاك أقصى ما نستطيع من مصادر القوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.