تكتيكات المقاومة تشبه ما قام به المجاهدون غزّة على خُطى الجزائر! س. إبراهيم تشبه المقاومة في غزّة إلى حد كبير في ظهورها واستمرارها وتكتيكاتها وإستراتيجيتها وأدواتها ما قام به الثوار الجزائريون إبان مقاومتهم للاحتلال الفرنسي الذي جثم على صدر الجزائر لأكثر من 130 عامًا إذ كانت فرنسا قد احتلت الجزائر منذ عام 1830م وهي أول بلدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسقط في يد الاحتلال الغربي. هذه فقرة من مقال مطول نشره موقع قناة الجزيرة القطرية يوم السبت حمل توقيع محمد شعبان أيوب تحت عنوان المقاومة في غزّة.. هل هناك تشابه مع ثوار الجزائر؟ وهو مقال تعيد أخبار اليوم نشر تفاصيله لما تضمّنه من إحالات ومقاربات متميزة تشير إلى أن تكتيكات المقاومة الفلسطينية تشبه ما قام به المجاهدون في بلادنا لإنهاء الاستعمار الإرهابي الفرنسي وأن غزّة تسير على خُطى الجزائر!.. مرونة.. منذ انطلقت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي 2023 لا يكاد يمر شهر إلا ونرى الإستراتيجيات والتكتيكات العسكرية المرنة التي تتبناها فصائل المقاومة في غزّة أمام قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في مختلف محاور التوغل في القطاع. كانت عملية السابع من أكتوبر خاطفة ومؤثرة حتى وصفها محللون وعسكريون إسرائيليون بوصفها أكبر ضربة في عمق إسرائيل منذ عقود طويلة سواء من حيث الخسائر البشرية وعدد المأسورين أو من ناحية سيطرة فصائل المقاومة على مناطق من داخل الأراضي الفلسطينية المحتل لعدة ساعات قبل أن تُعلن إسرائيل عن العملية العسكرية الجوية ثم البرية. أما بالنظر لعمليات ثوار الثورة الجزائرية والتي تقوم عادة على شكل كمين وهجوم ثم اشتباك مع قوات الاستعمار الفرنسي فإن ثمة أوجه تشابه يجدر بنا استحضارها حتى وإن كان لكل مرحلة خصوصيتها وطبيعتها التي يفرضها الزمان والمكان. إستراتيجيات المقاومة وأسلحتها تنوعّت التكتيكات التي اتخذتها المقاومة منذ بداية هذه الحرب وإلى يومنا هذا تبعًا لمستجدات الأمر الواقع فوفقًا لتحليل كتبه العميد إلياس حنا في 22 مارس الماضي 2024 فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قاتلت في الأماكن المفتوحة باعتماد مبدأ الدفاع المرن أو التأخيري خاصة في مناطق شمال غزّة وتعتمد هذه الإستراتيجية على عدم زج عدد كبير من قوات المقاومة في المعارك الدائرة مع العمل على تأخير تقدم العدو بهدف كسب الوقت في مقابل التخلي عن المساحة عند الضرورة مع الاستمرار في استنزاف جيش الاحتلال في العدد والعتاد. واستغلت المقاومة المساحات المكشوفة لاستطلاع قوات الاحتلال وأماكن تمركزاتها وأوقات نوباتها وتحركاتها فنصبت الأكمنة وزرعت المتفجرات واستعملت ما توفّر من فتحات الأنفاق للخروج منها وضرب خلفية قوات جيش الاحتلال التي تتقدم نحو عُمق القطاع. ولا شك أن عملية السابع من أكتوبر جعلت حماس وفصائل المقاومة تستعد لسيناريو حرب طويلة من خلال شبكة أنفاق معقدة تمتد في كامل قطاع غزّة الذي تبلغ مساحته 356 كلم مربعا كما اعتمدت على الكثافة السكانية التي ستكون عائقًا عند تقدم قوات الاحتلال وما في ذلك من خطورة تتمثل في حروب المدن والشوارع. دقة.. ووفقًا لتقرير للكاتب البريطاني ديفيد هيرست في 5 نوفمبر الماضي كان إطلاق حركة حماس والمقاومة الفلسطينية لمعركة طوفان الأقصى مدروسًا ومستهدفًا بدقة لوقف مخططات الجماعات اليهودية المتطرفة لهدم قبة الصخرة والمسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم خاصة بعدما نجحوا في تقسيم المسجد الأقصى مكانيًا وزمانيًا باستخدام الأجهزة الأمنية والتدخلات السياسية لحكومة دولة الاحتلال لفرض الأمر الواقع بالقوة الجبرية. ورأى هيرست أن حركة حماس تمتلك أسلحة متنوعة ومهمة ومعظمها محلي الصنع على الرغم من التحديات الضخمة التي تواجهها أمام الجيش الإسرائيلي الذي يستهدف البنية التحتية والسكان الأبرياء العُزّل في غزّة فضلا عن الدعم الأوروبي والأميركي اللامتناهي سياسيا وعسكريا للكيان الإسرائيلي وعلى رأسها منظومة الصواريخ قصيرة وبعيدة المدى التي وصلت إلى تل أبيب وما حولها. ولكن من جملة هذه الأسلحة التي أثبتت فعاليتها في حرب المدن التي تجري اليوم قذائف الياسين 105 وهي نسخة مطورة من القذائف السوفيتية آر بي جي RPG وهي من أكثر الأسلحة تأثيرًا في الدبابات ومدرعات النمر الإسرائيلية وقد أدت لخروج مئات من المجنزرات عن الخدمة بصورة كلية أو جزئية ولا تزال تستخدمها المقاومة حتى يومنا هذا بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على بدء الحرب. أسلحة.. ومن الأسلحة التي تم صنعها يدويًا وتشكّل تهديدا متزايدًا وحصدا لأرواح جنود جيش الاحتلال في معركة طوفان الأقصى سنجدُ بندقية الغول وهي الجزء الأساسي لسلاح القنّاصة في حرب غزّة فقد نشرت المقاومة العديد من الفيديوهات طوال الأشهر الأخيرة التي تمكنت فيها هذه البندقية من الإصابات الدقيقة في صفوف الجيش الإسرائيلي ومن مسافات بعيدة وهي تُشكّل كابوسًا متناميًا لفئة جنود المدرعات والقوات البرية والفرق الهندسية الإسرائيلية في الأرض. ويأتي سلاح الاستطلاع والمخابرات للمقاومة والذي ينشط في رصد تحركات جيش الاحتلال في شوارع وأزقة غزّة على مدار الساعة ليلا ونهارًا على رأس أهم الأدوات والأسلحة التي تمتلكها المقاومة لأنه العين الأمامية الفاعلة لسلاح القناصة وفرق قذائف الهاون والمتفجرات من خلال تحديده الإحداثيات الدقيقة لأماكن تمركزات القوات الإسرائيلية ولهذا السبب يرى الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد ركن حاتم الفلاحي أن جيش الاحتلال عند دخوله للأحياء في غزّة يستولي على البنايات العالية لكي يسيطر على بقية المنازل والأبنية وهو ما يجعل فصائل المقاومة تقوم بتفخيخ الكثير من المنازل حتى تنفجر عند دخولها كما جرى في حي التنور شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزّة ولا يمكن حدوث ذلك إلا بوجود استطلاع نشِط للمقاومة. وقد نوّه الخبير العسكري الفلاحي إلى أن المقاومة الفلسطينية أصبحت تقاتل وفق نمط حرب العصابات وبلا مركزية ما يؤكد أن عمليات التوغل الإسرائيلي في المدن والأحيان أصبحت بلا معنى وضرب مثلا بأن القوات الإسرائيلية توغلت في المنطقة الشمالية من قطاع غزّة ولكنها عادت للقتال في مخيم جباليا وغيره من المناطق وتعتمد إستراتيجية المقاوم الفلسطيني بحسب الفلاحي على تنفيذ العملية ثم الانتقال إلى مكان جديد لتأمين الحماية أولا ثم للإعداد لعمليات قادمة جديدة. المقاومة وحرب العصابات والمدن ولا شك أن حرب العصابات والمدن اللامركزية جعلت الدبابات الإسرائيلية المنتشرة على غير هدى أو حماية كاملة في مرمى المجموعات العنقودية لفصائل المقاومة اللامركزية والتي باتت تستهدفها بمتفجرات شواظ والقدرة التدميرية العالية لهذه المتفجرات وفي العديد من إصدارات المقاومة المرئية يقوم أفرادها بزرع ولصق هذه المتفجرات في هيكل دبابات الميركافا سواء من الأمام أو الخلف ومن ثم وقوع الخسائر الفادحة والمتنامية. تستهدف المقاومة في غزّة إطالة أمد حرب العصابات والمدن ويبدو أنها درست بصورة جيدة النماذج السابقة التي تعرضت فيها القوات الإسرائيلية لهذا النوع من الحروب في مدينة السويس المصرية حينما استغل جيش الاحتلال توقف الحرب المؤقت لإحداث ثغرة والاندفاع نحو السويس وإسقاطها لتحسين شروط التفاوض مع الجانب المصري في 24 و 25 أكتوبر 1973م. ولكن بحسب محمد أبو ليلة في كتابه كل رجال السويس من أسرار الفدائيين في حرب أكتوبر فإن المقاومة الشعبية المصرية التي قادها الشيخ حافظ سلامة وعدد كبير من أبناء السويس فضلا عن 160 مقاتلا من الفرقة 19 مشاة من الجيش المصرية التي لم تكن قد انسحبت من المدينة حتى ذلك التاريخ فإن هذه المقاومة الشعبية اعتمدت على حرب العصابات والشوارع واستطاعت قتل 80 جنديا إسرائيليا وسيطرت على مئات البنادق ومدافع الهاون ومجموعات من آر بي جي. وأمام هذه المقاومة العنيفة التي كانت تستهدف الدبابات وتقنص الجنود انسحبت القوات الإسرائيلية وعملت على تطويق السويس وحصارها لمدة زادت على 100 يوم حتى انتهى الحصار ورحل الإسرائيليون ولم يستطيعوا احتلال المدينة وبعد تسع سنوات كررت القوات الإسرائيلية الأمر ذاته في حصار وتدمير مدينة بيروت إلا أن تدخل أطراف دولية اضطر القوات الإسرائيلية للانسحاب في نهاية المطاف. ولا شك أن المقاومة تعتمد على أنواع أخرى من التكتيكات والأسلحة مثل قطاع الحرب السيبرانية والطائرات بدون طيار والاختراق المعلوماتي لأنظمة إسرائيلية مختلفة فضلا عن الأسلحة الميدانية الأخرى مثل القنابل اليدوية وحصولها على أسلحة صينية وروسية بعضها تم الإعلان عنه وبعضها الآخر ربما لم يظهر حتى الآن فيما يبدو. على خطى الجزائر تشبه المقاومة في غزّة إلى حد كبير في ظهورها واستمرارها وتكتيكاتها وإستراتيجيتها وأدواتها ما قام به الثوار الجزائريون إبان مقاومتهم للاحتلال الفرنسي الذي جثم على صدر الجزائر لأكثر من 130 عامًا إذ كانت فرنسا قد احتلت الجزائر منذ عام 1830م وهي أول بلدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسقط في يد الاحتلال الغربي بعد فشل الفرنسيين أنفسهم من قبل أيام نابليون بونابرت في احتلال مصر وخروجهم منها سنة 1801م. كان الاحتلال الفرنسي للجزائر إجراميًا ودمويًا اتخذ كافة الوسائل التي يتخذها جيش الاحتلال اليوم في استمرار احتلالهم وفصلهم العنصري وحروبهم المتواصلة على فلسطين في شقيه العسكري والثقافي المادي والمعنوي حيث بدأوا في تنفيذ خطة مَحْوِ خصائص الجزائر الحضارية من دين ولغة ومعالم تاريخية ليسهُل في زعمهم استعادة الجزائر للمسيحية ولم يتوقفوا عن تنفيذ تلك الخطة- ساعة من نهار- طيلة وجودهم بالجزائر. ولذلك اعتبر الإمام البشير الإبراهيمي احتلال فرنسا للجزائر حلقةً من الصليبية الأولى وأنه قَرْنٌ من الصليبية نَجَم لا جيش من الفرنسيين هَجَم وأن هذه الصليبية لم تخف حِدَّتها ولم يتغيّر لونها ولم تضعف فَوْرَتُها بتعاقب السنين وتطور الأفكار بل بقيت هي هي تَجَمْهَرت فرنسا أو تَدَكْتَرت أو اختلفت عليها الألوان بَياضًا وحمرة على حد وصفه. واتخذت فرنسا في ذلك سُبل القمع والقوة العسكرية والتطهير العرقي والمذابح في حق المقاومة الجزائرية منذ الأمير عبد القادر الجزائري في بداية الاحتلال الفرنسي ومرورا مقاومة الزعاطشة والشريف بوبغلة وحتى مقاومة المقراني وبوعمامة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وانتهاءً بتشكيل بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ثم الإعلان عن قيام الثورة الجزائرية التي استمرت منذ عام 1954 وحتى الاستقلال عام 1962م. غدر فرنسي وصهيوني.. وقد تجلى غدر الفرنسيين كما يتجلى غدر الإسرائيليين اليوم في كثير من الأحداث لعل أبرزها ما وقع يوم 8 ماي 1945م في اليوم الذي أُعلن فيه عن انتهاء الحرب العالمية الثانية وفرحة الجزائريين بهذا اليوم حيث ظنّوا أن الفرنسيين سيصدقون في وعودهم التي وعدوهم إياها أثناء تلك الحرب بالجلاء عن الجزائر فإذا هذا اليوم يتحول إلى مجزرة ضخمة لا يزال يخلدها التاريخ الحديث وقد سقط فيها 45 ألف جزائري في يوم واحد وارتفع العدد إلى مائة ألف شهيد بحلول نهاية ذلك الشهر وذلك بحسب الباحث كمال بن يعيش في كتابه مجازر 8 ماي 1945.. سطيف المجزرة الجماعية . وأمام هذه المجازر والغدر ونكص التعهدات أدرك الجزائريون أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد في مواجهة الاحتلال الفرنسي تماما كما أدرك الفلسطينيون مبكرًا منذ الثورة الفلسطينية الأولى سنة 1936- 1939م أن مقاومة البريطانيين والحركة الصهيونية هي الحل الناجز وقد تجلى ذلك في أثناء النكبة وعقبها وحتى يومنا هذا في معارك طوفان الأقصى . كان تاريخ 23 أكتوبر 1954 موعدا للقاء مجموعة الستة الذين أشعلوا الثورة الجزائرية ومأسسوها وهم: محمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي ومراد ديدوش ورابح بيطاط وكريم بلقاسم وقد اختاروا اسم جبهة التحرير الوطني لمنظمة تحرّرية مسلحة تعمل على استقلال البلاد وطرد المحتل الفرنسي على أن يكون الأول من نوفمبر 1954 على الساعة الصفر (ليلة 31 أكتوبر) موعدا لبداية هذه الثورة. بدأت الثورة الجزائرية بمقاومة عددها 1200 شخص وحوالي 400 قطعة سلاح وقد انطلقت من جبال الأوراس في شرق الجزائر وبعد التضييق الفرنسي الكبير طوال أشهر والاعتقال والقتل في حق الجزائريين جاء مؤتمر الصومام في أوت 1955م ليُعيد ترتيب الثورة الجزائرية وهيكلتها حيث تم تقسيم الجزائر إلى ست ولايات تنقسم إلى مناطق وكل منطقة تتفرع إلى نواح وكل ناحية تنقسمُ بدورها إلى مجموعات عمل كل منها كبُر أم صغر يعمل فوق قيادة الثورة العليا وتوجيهاتها. ومن أبرز التكتيكات التي اتخذها المقاومون الجزائريون في تلك الحقبة أمام المحتل الفرنسي تمثلت في استغلال المناطق الجبلية الوعرة للإثخان في العدو وانتهاج حرب العصابات والضربات الفردية والتفجيرات والاغتيالات في المدن الكبرى كما حصل في العاصمة الجزائر فضلا عن الإضرابات العامة التي نجحت نجاحا كبيرًا. مجاهدو الجزائر.. وغزّة كانت عمليات الثوار تقوم عادة في شكل كمين وهجوم ثم اشتباك مع العدو الفرنسي تماما كما تقوم المقاومة اليوم في غزّة وحرص المقاومون على أن تكون عملياتهم يومية لضمان إرهاق وإيقاع الخسائر في صفوف الفرنسيين وعلى الرغم من أن الفرنسيين كانوا أصحاب اليد العليا في عدد القوات والأسلحة وأنواعها فضلا عن سلاح الطيران فإن حرب العصابات والكمائن التي كان يتخذها الجزائريون دفعت الجنرال ديغول في نهاية المطاف إلى قبول الحوار والتوصل لحلول مع منظمة التحرير الجزائرية. حرصت القيادة العليا لمنظمة التحرير الجزائرية على تلقي الدعم من القوى الإقليمية والدولية المناوئة للإمبريالية الغربية فاحتضنتها القاهرة أيام عبد الناصر وأمدتها بالسلاح والعتاد وكذلك لجأت المقاومة الجزائرية إلى الاتحاد السوفيتي لتحقيق التوازن التسليحي والعسكري في مواجهة السلاح الفرنسي والغربي المتطور. وبين إعلانه التفاوض سنة 1958 والجلاء عن الجزائر استمرت المعارك أربع سنوات كاملة أدرك فيها الفرنسيون أنهم لن يستطيعوا الوقوف أمام تصميم وعزم الجزائريين على تحرير بلدهم فضلا عن الخسائر اليومية في الأرواح والعتاد وفي 5 جويلية 1962م حصلت الجزائر رسميا على الاستقلال وانسحب المحتل الفرنسي عن البلاد التي أوقع فيها ملايين الشهداء بعد أكثر من 130 عامًا من الاحتلال فهل تُعيد المقاومة الفلسطينية سيرة المقاومة الجزائرية الأولى!. ===