بقلم: نزار السهلي ليس من الصعب تفسير ضخامة جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة واتساع مستواها إلى لبنان والمنطقة العربية بنفس الطريقة والأدوات التي ميّزت إرهاب المشروع الصهيوني وتحالفاته الاستعمارية لهذا الغرض لكن هناك صعوبة في فهم العطالة العربية التي نخرت الأمن والسياسة والسيادة وضربت الشعب الفلسطيني والعربي في الصميم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023. والاعتياد العربي على مشاهد جرائم الإبادة الجماعية له خلفية من صورة أوسع من البشاعة التي يظهر عليها الموقف الرسمي والإعلامي العربي من قضية فلسطين. وسيكون أثرها متسع النطاق على ملفاتها المتشعبة عربيا ودوليا خصوصا مع انهيار ما بدا ظاهريا في وقت من الأوقات تضامنا وتنسيقا عربيا في مجالات تُذكر عبر وسائل الاعلام في الاقتصاد والسياسة والأمن وغيرها من المواضيع التي يجتمع وفقها زعماء ومسؤولون عرب فيما بينهم و تهم الجانبين ليتضح بعدها مفهوم الاهتمام التي فضحت خباياه وعوراته أحداث عربية كثيرة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا وتونس ولبنان. فخلال أكثر من عام كامل انقلبت صورة الوضع السياسي العربي تماما اتضحت الأهمية العربية في التشاور والتشارك وأكملت إطارها المفقود لوهلة بعد ثورات الربيع العربي قبل أكثر من عقد وبسبب ما عرف من ثورات مضادة عليها باستعادة عربية لتحالف وتضامن وتنسيق أمني واقتصادي يثبت ركائز الاستبداد العربي. وبالنظر لما استقرت عليه صورة الأوضاع في مصر وسوريا على كرامة مهانة وإتمام السحق الشامل لمهامه في فرض القهر والقمع جاء دور الاحتلال الإسرائيلي في مهام استباحته للجغرافيا والأجواء والمياه العربية وبغطرسة مطلقة للقوة يواصل ارتكاب المذابح على مدار الوقت وتحقيق مكاسب في هذا المضمار بتشجيع ودعم أمريكي وغربي وتآمر عربي لم يكتشفه الإنسان من خلال كتاب الحرب لمؤلفه بوب وودوارد وما جاء فيه من مواقف لزعامات عربية أمام وزير خارجية أمريكا بلينكن أقل ما يقال عنها أنها مواقف عمالة وتآمر وتأييد لحرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ولا من خلال مشاهدته للسفينة العسكرية الإسرائيلية تعبر مياها عربية وهي محملة بذخائر قتل الفلسطينيين بل من خلال عدم بزوغ أي أمل عربي لردع الهمجية الصهيونية وفي تضميد جراح الضحايا ومد يد العون لهم تحت الإبادة وهما عاملان كافيان لتفسير وشرح ما تظهره المؤسسة الصهيونية من استعلاء في تبرير الإبادة الجماعية والتحاق البعض العربي للانبطاح تحت ذرائعها. إذا راجعنا تاريخ صراع الشعب الفلسطيني مع المشروع الاستعماري الصهيوني منذ بدايته وإلى اليوم لوجدنا كل خطط التوسع التي يقوم عليها والجرائم المرتبطة به تتلخص في اختيار إسرائيل لظروف عربية ودولية ملائمة لتوجيه ضربات قوية للشعب الفلسطيني ومحاولته التحرر من هذا المشروع وضرب مقاومته بغية تجميد كل الحالة العربية التي شعرت تاريخيا بظلم واضطهاد ارتبط بأنظمة عربية تصور لشعوبها على مدار الوقت قناعة ضمنية بأن إسرائيل تمتلك قوة ضخمة وعدم الصراع معها دون جدوى لكن ما تبين في محطات فلسطينية كبرى أن هذه القناعة الوهمية نابعة بالأساس من حالة يأس وعجز يرمي لأهداف مغايرة تماما لرغبات الشارع العربي. وفي استعادة بعض من مواقف وسياسات عربية قُدمت مكاسب مادية ومعنوية للمشروع الصهيوني اليوم مراكمة لما جرى خلال العقد الثورات العربية والانقلاب عليها. وفي أمثلة النقاش الإعلامي والسياسي عن الطوفان والمقاومة وما يقال في السر والعلن أن مصير أي مواجهة لهذا المستعمر الصهيوني هو الفشل المؤكد والرضوخ والاستسلام له والتعايش والتطبيع معه حل منقذ ليس للشعب الفلسطيني وحقوقه بل لأنظمة عربية ربطت مصيرها مع المشروع الصهيوني بطرق عدة.. نجاح فرض رضوخا مطلقا على مجتمعات عربية في أنظمة الاستبداد العربي فكان من العوامل الذاتية المؤثرة على صورة الوضع الفلسطيني والعربي عموما وبتحقيق عامل ردع للكرامة والمواطنة والتحرر من الطغيان نجمت عنه حالة سكوت عربي مخز أمام جرائم الإبادة الجماعية في غزة وانعدام التأثير العربي السياسي على المستوى الإقليمي والدولي خلقت غياب الفاعلية المحصورة بنقاش عربي عاجز في البحث عن هدنة لوقف اطلاق النار لمدة 48 ساعة أو تكثيف الجهد لإطلاق سراح أسرى إسرائيل من قبضة المقاومة أو تقديم أفكار تخدم أمن المستعمر بالدرجة الأولى. ولعلنا نشهد اليوم حالة الانفلات المستعر للمستوطنين وقياداتهم في مدن الضفة والقدس وتصاعد عمليات العدوان والتهويد والاقتحام والقتل وهي انعكاس واضح لعوامل سياسة عربية تريد تحقيق حالة استسلام فلسطيني ينسجم مع قناعة الرضوخ لقوة المحتل ولأمره الواقع. استخدام هذا المنطق والعمل به ليس جديدا كما أسلفنا وكما دل عليه تاريخ تعاطي زعماء وسياسات عربية مع القضية الفلسطينية إما بأشكال استعمالية لها ونقل رسائل تهديد الاحتلال أو من خلال تقديم وتضخيم عضلات القوة الصهيونية أمامهم وأمام شعوبهم. فمن السهولة تفسير الاستعداد الرسمي العربي النفسي والمعنوي والمادي والسياسي للتخلي عن دعم الفلسطينيين وعن مواجهة الجرائم التي يتعرضون لها نظرا للمشتركات المتبادلة مع إسرائيل والتي أصبحت في ميزان أعلى منه مع الأشقاء ينظر لظاهرة المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها الأشد عنفا والأخف على أنها عومل قلق تزعزع الرضوخ المنجز على مجتمعات وجيوش عربية لذلك يتكثف الهجوم الإجهاضي على ظاهرة المقاومة بإعطاء المجرم الإسرائيلي وزنا ملحوظا لإقناع العربي بعدم فاعلية وجدوى أي فعل يكبح جماح إرهاب المستعمر ويكسر قواعده العنصرية الفاشية. ولذلك نرى الضغط الهائل من العدوان الإسرائيلي على غزةولبنان بخسائر جسيمة وهائلة بالأرواح والممتلكات والبنية التحتية كمثال لما ينبغي أن يكون مصير من يقاوم إرهابا إسرائيليا مدفوعا بحده الأقصى نحو ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية. أخيرا إسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية وأمام تخلخل وانهيار الجبهة العربية الرسمية والفلسطينية تقوم بممارسة فنونها بالإرهاب المتعدد على كل الجبهات العربية الفاقدة لروحها وسيادتها وأسلحتها التي أضاعتها بغباء الطغيان وبالضغط الإسرائيلي والإهانة لكل المجتمع الدولي المنافق والمرتبك من جرائم الإبادة التي باتت درسا ومثالا لإرهاب المنطقة العربية كلها وإحكام السيطرة عليها. ويبقى قلقها من شعوب ومقاومة بعدما ضمنت أمنها في قصور زعامات عربية وهمها الأول والأخير منع إشعال فتيل التصدي للمحتل وقت الشدة والأريحية وإخماد ثورات كنسها من التاريخ.