في الوقت الذي لم تعد فيه الحاجة إلى شهادة جامعية تكفي للظفر بعريس، ولم تعد البنت العاملة والموظفة، تكتفي بشهادتها ومرتبها، لأجل اكتساب محبة عريسها وأهله، وتجنب نظراتهم الساخرة والمحتقرة أحيانا، لما لا تحسنه يداها غير القلم والورقة، فقد أصبح الإقبال من طرف بعض الجامعيات والموظفات على مدارس تعلم الطبخ والحلويات كبيرا للغاية، حيث عددت وانتشرت في السنوات القليلة الماضية مدارس وجمعيات تعليم الطبخ والحلويات، بمختلف البلديات، وحتى على مستوى الحي الواحد، حيث نجد فيه أحيانا ما بين 3 إلى أربع مدارس مختصة في هذا الإطار، تختلف الأسعار والتكاليف فيها طبعا، بين التي قد لا تكلف إلا حوالي 600 أو 800 دج في الشهر الواحد، وبين من تصل إلى 3000 أو 5000 دج شهريا، وهي تقدم للراغبات في تعلم الطبخ والحلويات من مختلف الأصناف والأنواع الجزائرية والغربية والشرقية، وتلقى إقبالا واسعا من طرف الفتيات سواء الماكثات في البيوت والموظفات والطالبات، ممن كان مستواهن الدراسي محدودا، أو حتى لمن كن يتمتعن بمستوى راق، إنما لم تسنح لهن الفرصة لدخول المطبخ، ثم وجدن أنفسهن مجبرات على تعلم حرفة الطبخ والحلويات معا، لمواجهة بعض المستجدات في حياتهن، كإقبالهن على الزواج مثلا. هذه المدارس والجمعيات، لم تبق مقتصرة على بعض الفتيات الماكثات في البيت، اللواتي لم تسنح لهن الظروف لمواصلة تعليمهن والتخرج بشهادات عليا، تفتح لهن آفاقا مستقبلية، وتضمن لهن منصب شغل دائم، وإنما حسب منخرطات في إحدى هذه الجمعيات، فإنها صارت اليوم قبلة حتى للمتعلمات المتخرجات من الجماعة، واللواتي يتمتعن بمستوى لاباس به أيضا، وتختلف مبرراتهن وأسبابهن في ذلك، ولكنها تصب كلها في خانة رغبتهن في استدراك كل ما فاتهن من تعلم وصفات وأطباق وحلويات تقليدية أو عصرية. تقول إحداهن وهي فتاة متخرجة من الجامعة حديثا، أنها حاولت بشتى الطرق إيجاد منصب شغل، إنما دون جدوى، ولكنها قررت رفقة إحدى قريباتها التقدم بطلب الحصول على قرض من وكالة دعم تشغيل الشباب، لفتح محل خاص بالحلويات الشرقية والتقليدية وغيرها، وكان لزاما عليها لأجل ذلك أن تكون إحداهما متحصله على شهادة أو دبلوم في المجال، وهو ما دفعها إلى دخول إحدى مدارس تعلم الحلويات التي تخرجت منها بعد 6 أشهر، تحمل تلك الشهادة، وهي بانتظار الرد على الملف الذي تقدمت به. فتاة أخرى وهي موظفة بإحدى الشركات العمومية، قالت أها مقبلة على الزواج هذا الصيف، وقد اشترط خطيبها وأهل زوجها، أن تكون على الأقل تتقن صنع نوعين أو ثلاث من الحلويات، لاسيما وان شقيقات زوجها جميعهن ضليعات في هذا المجال، مضيفة، أنهم لا يعلمون أنها تجهل كل شيء عن ابسط أبجديات الطبخ فما بالهم بالحلويات، ولذلك ولكي تنقذ نفسها من مواقف محرجة مستقبليا، فقد قررت دخول إحدى مدارس تعلم الطبخ والحلويات لأخذ بعض المعارف في هذا الإطار، واكتساب خبرة تنقذها من انتقادات زوجها وأهله مستقبلا، أما عن سر عدم إتقانها للطبخ وصناعة الحلويات، فقد قالت أن ظروف دراستها وعملها، لم تسمح لها بدخول المطبخ إلا في أوقات قليلة جدا طيلة سنوات، فقد كانت تعتمد على والدتها في كل شؤون المطبخ، وهو ما جعلها في الأخير جاهلة بكل ذلك، رغم أنها تحمل شهادة عليا، وتعمل في منصب مرموق للغاية، وكلنه لن يشفع لها دون شك في تجنب عبارات السخرية و الاستهزاء من اعوجاج يديها.