''نساء اليوم لا يتقن الطبخ''.. مقولة شائعة كثيرا ما تتردّد على ألسن بعض الرجال.. وللتأكد من مدى صحة هذه المقولة سألت ''المساء'' بعض السيدات والآوانس، فكان الجواب ب ''نعم''.. ولما استقصت مرة أخرى عن أسباب عدم معرفة بعض فتيات العصر بفنون الطبخ، كانت هذه الاعترافات. رغم تأكيد بعض الدراسات الحديثة على أن ''أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته'' من منطلق أن إتقان الطبخ والتفنن فيه من أنجع الأساليب للوصول إلى قلب الزوج، وبالتالي تجسيد أحد أسباب نجاح العلاقة الزوجية، إلاّ أن الكثيرات من بنات اليوم يعترفن بأن أمهاتهن يرفضن دخولهن المطبخ انطلاقا من فكرة أن المستقبل الدراسي أولى. وقبل تسليط الضوء على هذه الظاهرة كان ل''المساء'' حديث مع فئة فتيات ما زالت أمهاتهن حريصات على تحفيزهن على تعلم الطبخ، والأهم من ذلك هو أنه لديهن ميولات لممارسة فن الطبخ دفعت بهن لدخول المطبخ في سن مبكرة. الميل الطبيعي يتحدى التحفيز ''سمية''، تدرس السنة الرابعة متوسط في إكمالية باستور بالعاصمة، تقول إن والدتها حفزتها كثيرا على تعلم الطبخ، لكن ليس هذا هو السبب المباشر في إقبالها على تعلم الطبخ، حيث أنها تميل إلى هذا الفن وتسعى دوما إلى تعلم المزيد من تقنياته التقليدية والعصرية من خلال كتب الطبخ ومتابعة القنوات الفضائية ''. أما صديقتها ''أميرة'' فيستهويها صنع الحلويات، ما جعلها تتسلل إلى المطبخ ابتداء من سن ال,12 ولما بدا لها جليا بأن والدتها لا تعارض الأمر أصبح إعداد الحلويات الهواية التي تمارسها في أوقات الفراغ. السيدة ''فهيمة'' تكشف من جانبها أنها بدأت تجاربها الأولى في مجال الطبخ في سن ال ,11 لكن ذلك كان يحدث في غياب الوالدة التي كانت تتميز بالعصبية... تصرح: ''كنت أخشى دخول المطبخ في وجود أمي لأنها لا تتسامح مع أي خطأ وتبدأ في الصراخ، حيث لم تكن لديها القابلية لتعليمي...لذا تكونت لدي عقدة الطبخ، إلاّ أن ميلي الطبيعي لممارسة هذا الفن جعلني أرفع التحدي كلما غابت عن المنزل، حيث أجرب وأسأل الأفراد المقربين في محيطي... والحمد الله نجحت في اكتساب الخبرة، بدليل أنني لم أجد أي إشكال مع شريكي الذي يفضل تناول ما تصنعه يدي رغم أنه يدير مطعما''. وتؤكد ''ياسمين''، تخرجت حديثا من كلية الحقوق، إجادتها للطبخ سيما وأنها تستعين بكتب الطبخ كما التحقت من قبل بمدرسة لتعلم فن إعداد الحلويات، إلاّ أن المشكلة التي تعترضها هي عدم وجود الفرصة لتعزيز قدرتها في هذا المجال لأن والدها لا يأكل إلا ما تصنعه والدتها. ولكن ليس هذا الحال مع كل فتيات العصر، ممن ينقسمن بحسب الاستطلاع الذي أجرته ''المساء'' إلى ثلاث فئات، فئة تفضل اهتمامات أخرى وفئة تفتقر إلى الرغبة في تعلم فن الطبخ، وفئة ثالثة لا تدخل المطبخ تنفيذا لتعليمات الأولياء أو حرصا على المستقبل الدراسي. بين الإرهاق واهتمامات أخرى ''سهام''، تدرس في إكمالية باستور بالجزائر الوسطى تعترف: ''أنا على خلاف بعض قريناتي لا أطبخ، كوني لا أرغب في ذلك، حيث أفضل قضاء وقت الفراغ في ممارسة الرياضة.'' زميلتها ''لينة'' لم تكتسب لحد الساعة خبرة في مجال الطبخ، والسبب هو أنها تطبق أوامر والدتها التي تريدها أن تركز اهتماماتها على الدراسة فحسب... وتروي: ''أحاول أحيانا تجريب بعض الوصفات خفية عن أمي، لكنها تغضب عندما تكتشف الأمر''. أما ''صابرينة'' (خريجة كلية الحقوق)، فتقول أنها لا تدخل المطبخ إلاّ في رمضان تحت تأثير الحالة النفسية التي تثير شهوات البطون، لافتة إلى أن تنوع المائدة الرمضانية يشكّل لديها حافزا للطبخ، وهو الحافز الذي ينعدم تماما خلال سائر الأيام الأخرى... وتشير رفيقتها ''هادية'' (تدرس العلوم القانونية بعد حيازتها على شهادة ليسانس في العلوم التجارية) إلى أن تعب سنوات الجامعة سلب منها الرغبة في الطبخ، مضيفة أن ممارستها لهذا الفن في سن مبكرة بتحفيز من الوالدة جعلها تنفر منه بعد الالتحاق بمدرجات الجامعة.. وبصراحة تامة تقرّ ''أسماء''، طالبة تدرس علم الصيدلة، أنها لا تعرف أكثر من قلي البيض والبطاطا!.. (تضحك) ثم توضح: ''أدرس يوميا وأصل متعبة إلى البيت، أما في فترات العطلة فأفضل التمتع بالنزهات للتخلص من ضغط أيام الدراسة''. وفيما تكشف زميلتها ''نسيمة'' بأنها لا تدخل المطبخ إلاّ في رمضان باعتبار أن والدتها توكل مهمة الطبخ لشقيقتها الكبرى. تقول ''وداد'' التي تتابع تخصص علم الصيدلة كذلك إن كثافة البرنامج الدراسي لا تترك لها حيزا زمنيا لتعلم فن الطبخ. واشتركت إجابات الطالبات في أن إتقان الطبخ شرط مهم لخدمة النفس أولا وللإقبال على الزواج ثانيا، لكنه ليس الأساس الذي يتوقف عليه نجاح العلاقات الزوجية وتحقيق السعادة.. وعن مقولة ''أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته'' يعلقن: ''نحن لا نؤمن بها''.. وتلفت إحداهن الانتباه إلى أنها تعرف صديقة لا تجيد الطبخ، ورغم ذلك تحظى بحب زوجها''. وفي المقابل، تروي السيدة ''نجوى'' (أم لطفلين) تجربتها لتؤكد مدى صحة هذه المقولة التي توصلت إليها بعض الدراسات.. ''تجربتي بعد الزواج أظهرت أن كسب قلب الزوج مرهون بإتقان الطبخ في ظل إصرار الرجل على أن يتذوق طبخ زوجته''. وتستطرد لتبرز أن والدها كان يعارض تماما فكرة دخولها الى المطبخ عندما كانت طالبة، مشيرة إلى أنه ضبطها ذات مرة منهمكة في صنع الحلويات فما كان منه إلاّ أن سكب الماء عليها تأكيدا على صرامة موقفه.. وتتابع: ''بعد الزواج وجدتني حائرة سيما بعد أن اشتكت حماتي من عدم معرفتي بفنون الطبخ، ولحسن الحظ كان زوجي يلعب دور المشجع، حيث يحرص على شراء كتب الطبخ لي، وأنا من جهتي صرت أستشير أهل الخبرة وشيئا فشيئا أصبحت طبخاتي في المستوى المطلوب، والتي من خلالها أعرف مدى رضى زوجي أم لا، والذي يقيس بدوره مدى اهتمامي به من خلال طبيعة الطبخة''. وتتفق بعض السيدات في سياق هذا الموضوع على أن أهل الزوج كثيرا ما يغضون النظر عن مسألة عدم أهلية الفتاة للطبخ، لكن سرعان ما تتغيّر الأسطوانة بعد الزواج من ''الطبخ ليست مشكلة'' إلى ''كيف تزوجت وأنت لا تجيدين الطبخ؟''. ويبقى القول إن الجدات والأمهات التزمن بما تفرضه العادات والتقاليد القاضية بإلزام الزوجة بالطبخ لزوجها منذ زمن طويل، لكن بعد أن تغيّرت الأمور في العصر الحالي الذي يتميز بعدم تأهيل الفتيات لمرحلة الحياة الزوجية يبقى السؤال المطروح هل سيضطر شباب اليوم لقبول الارتباط بزوجات لا يجدن الطبخ فتفقد مقولة ''أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته'' مصداقيتها وتذهب تقاليد الجدات في مهب تطورات العصر؟-.