لا تزال عشرات إن لم نقل المئات من قرى ومداشر ولاية تيزي وزو تعاني العطش وندرة المياه الصالحة للشرب والاستعمالات الأخرى على حد سواء، رغم السياسات المنتهجة والمشاريع الكبرى التي سارت الأشغال بها على قدم وساق، وخصصت لها أغلفة مالية أقل ما يقال عنها ضخمة، وذلك من أجل ضمان وتحقيق صيف 2010 دون عطش وقضاء موسم مغاير عن ذلك القحط الذي لازم سكان القرى النائية والجبلية لعقود خلت. إلا أن هذه السمة لم تبارح أهلها بعد، حيث انطلقت رحلة البحث عن قطرات المياه بمجرد ارتفاع درجات الحرارة التي انجر عنها جفاف بعض الينابيع والمجمعات المائية الموسمية التي يعتمد عليها السكان خلال فصل الشتاء من تجمع مياه الأمطار، و كذا جفاف الحنفيات لطيلة موسم الصيف مع الإقبال الكبير على استعمال هذا المورد الحيوي، ما يجعل سكان المرتفعات في عرضة دائمة لندرة المياه. سكان تيقزيرت يشربون مياها ملوثة وعلى خلاف السكان الذين يعانون العطش شتاء وأكثر حدة صيفا، نجد سكان بعض أحياء وشوارع مدينة تيقزيرت الساحلية يضطرون لترك حنفياتهم مغلقة طوال الوقت نظرا للرائحة الكريهة المنبعثة من المياه التي تصل خلالها وكذا اللون الأحمر الناتج عن الصدأ الذي تتلون به دوما هذه المياه، حيث أكد أحد المواطنين القاطنين بحي 18 بانغالوه بتيقزيرت على البحر في تصريح »لأخبار اليوم«، أن هذه المياه الملوثة تزور حنفياتهم منذ انطلاق محطة تحلية مياه البحر في العمل، والمشكل المطروح أو التلوث الذي مس المياه لا يتم على مستوى المحطة في حد ذاتها، إنما ناتج عن قدم شبكة المياه الناقلة لهذه المادة، حيث صرح رئيس بلدية تيقزيرت أن هذه الشبكة قديمة قدم مدينة تيقزيرت التي يعود تاريخ بنائها لعصور خلت، وبما أنها تمر بعدة مناطق على غرار الأودية والردم تحت الأرض فإن القنوات أصيبت بالتلف بفعل مرور السنوات عليها وأصبح استعمالها خطرا على صحة المواطنين أكثر من النفع الذي تمثله، إذ أكد المواطن أن سكان الحي المعني أصيب معظمهم بأمراض جلدية ومرض العيون جراء الاضطرار لاستعمال هذا الماء ما دام البديل منعدما، حيث يلجأ معظمهم لشراء الماء أو جلبه من الأحياء المجاورة، لكن العائلات المعوزة والتي لا تملك مركبة يتعذر عليها التنقل يوميا وجلب المياه الصالحة بدلا من ذلك الذي لا يصلح حتى للتنظيف، إذ كثير ا ما يقصد الرجال خاصة المرشات العمومية لأخذ حمامهم. وأضاف نفس المتحدث أن الجهات المعنية على علم بالأمر، حيث تم إخطار جميع السلطات وعلى مختلف المستويات انطلاقا من رئيس البلدية، رئيس الدائرة، ومصالح الجزائرية للمياه، ونقلت إليها عينات من الماء الملوث وذو الرائحة الكريهة، علها تتدخل سريعا وتضع حدا لهذا الكابوس الذي أرق حياة المواطنين في مدينة تعد أكثر مدن منطقة القبائل عراقة واستقطابا للمصطافين والسواح الأجانب لتزاوج جمالها الطبيعي بإرثها الحضاري وبعدها التاريخي. هذا عن سكان مدينة تيقزيرت، أما سكان بعض قرى بلديات دائرة تيقزيرت لا تزال خارج خارطة المناطق الممونة بالمياه الصالحة للشرب عبر إقليم الولاية، إذ لا يزال مشروع تموين شمال تيزي وزو لم يستلم بعد وسكان المناطق المتضررة والتي ينتظر أن يرفع الضرر عنها بهذا المشروع هم على موعد آخر مع العطش. الينابيع الطبيعية لمواجهة العطش لا يزال السكان المتضررون من ندرة المياه الصالحة للشرب يقصدون الينابيع لسد حاجاتهم، حيث مثلت المصادر الطبيعية ولوقت طويل المصدر الأساسي والرئيسي لتموين سكان منطقة القبائل بالماء الصالح للشرب ومختلف الاستعمالات اليومية، خاصة على مستوى الجبال والمرتفعات والمناطق الريفية والنائية، ومع ارتفاع النمو الديمغرافي واتساع حجم الكثافة السكانية بالأماكن المذكورة، أصبحت هذه الينابيع عاجزة على تلبية حاجيات السكان لكثرتهم وازدياد حاجتهم لهذا المورد الحيوي، الأمر الذي دفع بالمواطنين للمطالبة بضرورة تزويدهم بالماء الشروب عن طريق ربط قراهم بشبكة المياه المستقدمة من السدود وغيرها من الموارد المائية، ذلك لأنه وفي الوقت غير البعيد لم يكن مشكل المياه يطرح على مستوى القرى والأرياف، وكانت المناطق الحضرية والتجمعات السكنية الجديدة هي التي تربط بشبكات الماء الشروب، لكن ظهور أزمة حادة في الماء واستمرار المعاناة في الحصول عليه دفعت بالسكان للضغط على السلطات المعنية لتزويدها بالماء كون الأزمة مستديمة وليست قضية وقت، ومع الواقع المفروض وسعيا منها للمضي قدما بقطاع الري بالولاية سطرت سلطات قطاع الري مشاريع قطاعية هامة، رصدت لها مبالغ مالية ضخمة، وذلك لتحقيق تغطية شاملة تضم القرى ال1400 التي تحصيها الولاية، هذه المشاريع تتمثل في إنجاز سدود للمياه وتسطير سياسة محكمة لاستغلال أمثل لموارد المياه التي تتوفر عليها الولاية، وأهم مشروع حققه وتدعم به القطاع هو بناء »سد تاقسبت« الذي يوفر حاليا ما نسبته 40 بالمائة من التغطية الإجمالية بالولاية. حيث زودت منه العديد من البلديات التابعة لتيزي وزو وبعض الولايات المجاورة لها، إلى جانب تدعيم القطاع بعدد من محطات التصفية، محطات الضخ، مصالح لمعالجة وتحلية مياه البحر، خزانات المياه لتسهيل عملية توزيع شبكات الماء الشروب للقرى المستفيدة. ولأن مياه الينابيع الطبيعية صحية ومعدنية، رفض سكان القرى الاستغناء عنها رغم تلوث الكثير منها بسب اختلاطها بالمياه القذرة وتدمير أغلبها ، إلا أن المواطنين لا زالوا يفضلونها للاستفادة من منفعتها الكبيرة التي لن تزول رغم عجز الينابيع عن سد حاجتهم، ولأن أزمة الماء الشروب لا تزال مستمرة عبر العديد من قرى إقليم الولاية في انتظار بلوغ التغطية الإجمالية في غضون 2013، عمدت مديرية الري بولاية تيزي وزو إلى إعادة تهيئة وترميم العديد من المنابع الطبيعية الكائنة بالقرى التي لا يزال العطش يلاحقها لحد الساعة وفي عز الشتاء، هذا الفصل الذي ترتفع فيه صعوبة جلبه، عملية الترميم مست 10 دوائر توزعت عبرها الينابيع ال 23 التي تمت تهيئتها، ومن بين هذه المناطق نجد بوغني، عزازقة، تيقزيرت ماكودة، معاتقة وبوزقان، هذه الينابيع أعيدت تهيئتها للاستفادة من مياهها التي كانت تضيع سدى وتصب في الأودية والحقول، بدل استعمالها خاصة للشرب، ولا تزال الينابيع لحد الساعة المصدر الرئيسي والأساسي لتموين السكان الذين لا زالوا يعانون من مشكل ندرة الماء الشروب خاصة على مستوى المناطق الجنوبية، هذه الأخيرة التي أكدت مديرية الري بولاية تيزي وزو أنها ستودع الأزمة مطلع السداسي الثاني من السنة الجارية بعد استلام مشروع تموينها من سد كوديات اسرذون بالبويرة، حيث بلغ عدد القرى التي ستمون انطلاقا من السد المذكور لما يقل عن 184 قرية موزعة عبر 14 بلدية بجنوب ولاية تيزي وزو.