إذا كان الزواج وسيلة لجمع قلبين وروحين معا لتكوين أسرة يسودها التفاهم والمودة والرحمة، فهو من جهة أخرى رابطة اجتماعية مهمة، على اعتبار أنها فرصة لتقريب العائلات وتعزيز العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية ما بين أفراد المجتمع الواحد، فعلاقات النسب والمصاهرة من شأنها أن ترفع نسبة التعارف والتقارب ما بين العائلات الكثيرة، مع ذلك فإننا نشهد في أحيان عديدة خلافات ومشاحنات خفيفة أحيانا وحادة أحيانا أخرى، خصوصا قبل إعلان الزواج، وإقامة الأفراح، أو حتى خلال إقامة هذه الأفراح نفسها، إذ كثيرا ما تنشب شجارات ومصادمات ما بين أهل العروسين لأسباب تكاد تكون أحيانا تافهة جدا، ما قد يهدد بنسف هذه العلاقة حتى قبل أن تبدأ، أو يكرس لقاعدة عميقة من الكراهية والحقد بين العائلتين قد لا يدفع ثمنها أحيانا إلا الزوجين اللذين قد يستسلمان وينجرف كل منهما إلى عائلته، وقد يترفعان عن كل ذلك، وينظران إلى مستقبلهما معا، دون إلقاء بال إلى الخلافات الناشئة بين أفراد أسرتيهما، لأنهما يدركان جيدا أنها مجرد حساسيات يريد من خلالها كل طرف إثبات تفوقه على الطرف الآخر. حوادث كثيرة، تقع هنا وهناك، بعضها قبل العرس وبعضها أثناء العرس نفسه، بعضها قد يتطور ليصل إلى مشاحنات وملاسنات كلامية، وقد تمتد إلى مشادات بالأيدي، مع ما يتبعها من عبارات السب والشتم وغيرها، وبعضها قد يتوقف عند حدود اللمز والهمز والغمر، وتعداد عيوب الآخر، وفضحه أمام الناس، وكشف حقيقته _ حسب اعتقاده _ للآخرين، واثبات أنه أرفع منه نسبا وأكرم خلقا، وأن فكرة مصاهرته كانت أكبر خطأ ارتكب. تقول إحدى السيدات إنه وبعرس إحدى جاراتها التي زوجت ابنها، وفي اليوم الموالي للعرس، أو ما يعرف في الجزائر ب»فطور العروسة«، وهي عادة جزائرية يقوم خلالها أهل العريس بإعداد وجبة غذاء فخمة لأهل العروس، كما يقوم هؤلاء أيضا بجلب بعض الحلويات وكذا بعض أنواع المأكولات لأهل العريس كعربون محبة وفرحة بعلاقة النسب الجديدة، وحسب محدثتنا فإن أهل العروس أتوا في اليوم الموالي فارغي الأيادي، حيث لم يحملوا معهم شيئا، وهو ما فسره والد العروس الذي كان رجلا غنيا بأنه طمع فيه، وأن مصاهرتهم لها كان حبا في ممتلكاته وأراضيه الفلاحية ليس إلا، إلا أن زوجته حاولت تهدئته بالقول إن أهل العروس أبلغوها أنه ليس من عاداتهم جلب أي شيء في اليوم الموالي للعرس، وعليه أجابها هو أيضا بأن ليس من عاداته إعداد وجبة الغذاء لأهل العروس، وحلف يمينا قاطعا أنه لن يقتني شيئا للغذاء مهما كلفه الأمر، وما كان من الزوجة لإنقاذ نفسها من هذا الموقف المحرج إلا الاستعانة بما بقي من أكل في وجبة العشاء وإعادة تسخينه مع إضافة بعض التعديلات والتحسينات لأهل العروس. وفي حادثة أخرى، قالت إحدى السيدات من العاصمة أيضا، إن الزواج ألغي من أساسه بالنسبة لإحدى العائلات التي تعرفها، لأن أهل العريس عندما قاموا بجلب الكبش للعروس لم يحملوا معهم الخضروات والزيت وغيرها واكتفوا بالكبش فقط، وهو ما اعتبره أهل العروس انتقاصا من قيمتهم، وعوض الاحتكام إلى العقل وعدم تضخيم الأمور، قامت شقيقة العروس بمهاتفة والدة العريس التي أبلغتها أنه ليس من عاداتهم أخذ الخضروات مع الكبش، وهي طبعا العادات التي خالفت العادات التي تعتقد بها أسرة العروس، وتحول العتاب إلى تجريح وسب وشتم بين الطرفين انتهى بفسخ الزواج نهائيا قبل يومين فقط من إتمامه. وفي نفس الإطار تقريبا، تقول سيدة أخرى إن خلافا حادا نشب بين أهل العروس والعريس في إحدى العائلات فقط لأن السيارة التي تم جلبها لأجل زف العروس إلى بيت زوجها لم تكن مزينة بما يكفي من الورود، الأمر الذي امتعضت له عائلة العروس كثيرا، إلا أن بعض العقلاء من العائلتين تدخلوا لتهدئة الأمور ووعدوا بملء قاعة الحفلات بالورود قبل وصول العروس إليها فقط كي لا تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. هي حوادث كثيرة، أسبابها مثلما رأينا تافهة جدا، ولكن بعض الأشخاص للأسف يفضلون التضحية بمستقبل أبنائهم وبناتهم وكأنهم لا يدركون أن الرابطة الزوجية أكبر وأسمى بكثير من كل المظاهر المادية مهما كانت.