صرّح المؤرّخ المتخصّص في موضوع الاستعمار في الجزائر جيل مانسيرون أوّل أمس الجمعة خلال ندوة نشّطها بالعاصمة الفرنسية باريس، بأن استعمال لفظ (النّدم) من طرف المسؤولين الفرنسيين وفي مقدّمتهم رئيس الدولة نيكولا ساركوزي في غير وقته ليس مجرّد صدفة وإنما هي عبارة صار المسؤولون الفرنسيون يتداولونها ويضعونها حاجزا أمام كلّ من يطالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية، وكأنهم بذلك بإيحاء من (كبيرهم) ساركوزي يتحايلون على الجزائريين الذين يصرّون على ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر والاعتذار عنها· وأكّد مانسيرون خلال تنشيطه للنّدوة التي عقدت بباريس تحت عنوان (السير نحو الاستقلال: التعايشات الصّعبة في الجزائر وفي فرنسا 1954 - 1962) أن المسؤولين الفرنسيين صاروا يستعملون مؤخّرا تعبير (النّدم) حسب رغباتهم من أجل وضع حاجز أمام المطالبين باعتراف فرنسا رسميا بجرائمها في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية. وأضاف المؤرّخ أن اختيار عبارة النّدم في الخطاب الرئاسي يهدف إلى قدح أولئك الذين يطالبون بالاعتراف بالوقائع وإعادة دراسة نقدية لهذه الصفحة التاريخية على حدّ تعبيره، حيث اعتبر تلك العبارة التي لم يطالب أحد من أوساط المؤرّخين بتحديد مفهومها حسب تصريحه بمثابة حاجز وضعه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمام المطالبين بالاعتراف الرّسمي لدولته بجرائمها في الجزائر خلال فترة الاستعمار. حيث لجأ ساركوزي إلى استعمال عبارة النّدم في رسالة وجّهها إلى المرحّلين من الجزائر قرأها باسمه وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغي بمناسبة تدشين مركز التوثيق الخاص بفرنسيي الجزائر بباربينيون، وأكّد نيكولا ساركوزي في شهر جانفي الفارط أن سنة 2012 لن تكون سنة ندم معربا عن رفضه القطعي للتعبير عن ندم فرنسا، حيث جاء في نص رسالته قوله: (أؤكّد لكم أن سنة 2012 التي تصادف الذّكرى الخمسين لنهاية حرب الجزائر ستكون سنة ذكرى وترحّم وأكيد لن تكون سنة ندم). وأضاف مانسيرون أنه ومع مرور خمسين سنة من استقلال الجزائر يبقى هناك عائق يعرقل بناء علاقات هادئة وطبيعية بين الشعبين الجزائري والفرنسي وبين الأمّتين والدولتين، وحدّد المؤرّخ المناهض للاستعمار هذا العائق برفض فرنسا وهيئاتها الاعتراف بوقائع الاستعمار، كما أشار إلى التناقض البارز بين (مبدأ الاستعمار ومبادئ غير شرعية الحروب الاستكشافية وضرورة العيش بالنّسبة للأمّة)، مضيفا أن حقّ الجنسيات كان معترفا به منذ القرن 19، وأوضح إلى جانب ذلك أن الخطاب الإيديولوجي السائد يعدّ مبرّرا لصالح نمط معيّن من الاستعمار الذي يقف أمام تجاوز المنازعات التاريخية على حدّ قوله، مذكّرا بقانون 23 فيفري 2005 الذي مجّد ما يسمّى بالأثار الإيجابية للاستعمار. وأضاف ضيف (منتدى فرنساالجزائر) أن ذلك الخطاب كلّل بخسارة كبيرة والدليل على ذلك حسب ما صرّح به مانسيرون هي تلك الفرحة الكبيرة التي عبّر عنها الجزائريون يوم نيلهم الاستقلال في 5 جويلية 1962· ومن الملاحظ أن السلطة الفرنسية صارت تميل في خطاباتها إلى تلك النّزعة الاستعمارية القديمة في الآونة الأخيرة، لتبقى الجزائر عاجزة إلى الآن عن الردّ على ما يصلها من استفزازات فرنسية بخطوات جدّية من شأنها ردع مثل هذه الخرجات التي يطلّ علينا بها ساركوزي بين الفينة والأخرى·