طغى حب الشعر ونظمه وإنشاده على قلوب الكثير في عصر ما قبل الإسلام، واستمر حتى بعد الإسلام، وإلى يومنا هذا، فقد كان الناس يستشهدون بالشعر في حالهم وترحالهم وسمرهم، والمواقف التي تمر بهم حتى قيل·· الشعر ديوان العرب، والشعر في خدمة المجتمع الإنساني وإبراز الفضائل، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن من البيان لسحرًا)، (وإن من الشعر لحكمة)· فحسن الشعر في نظره صلى الله عليه وسلم كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام، كالفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، ولذلك قبل عليه الصلاة والسلام أن يمدح بالشعر ويثيب عليه·· وصدر في دمشق مؤخرًا كتاب تحت عنوان: شاعرات حول الرسول صلى الله عليه وسلم، للكاتب محمد عبد الرحيم، على غرار كتاب خالد محمد خالد، رجال حول الرسول· تناول الكاتب في مقدمة الكتاب قضية الشعر والإسلام، متسائلا: هل حرم الإسلام الشعر حقًا؟! وهل وزع الشعر إلى أنواع؟·· وما المسموح به من الشعر؟·· ويرى الكاتب أنه قد أفردت دراسات كثيرة عن الإسلام والشعر، ومنها دراسات أكاديمية، ولكنها لم تصل إلى نتيجة، لأن كل دراسة انطلق صاحبها فيها من مسلماته ورؤيته الفكرية، إلا أنها جميعها تخلص إلى نتائج محددة، هي: أن القرآن القادم إلى الحياة عند المسلمين لم يبق لهم وقتًا لتداول سواه، كما أنه كانت هناك رغبة في مفارقة كل أنواع الأدب للتفرغ للقرآن وخدمته وحفظه، أيضا حمل القرآن توجيهات أخلاقية تتنافى حتمًا مع بعض الأغراض الشعرية، كالهجاء والتشبيب وأحيانًا المدح· أيضا أجبرت الأفكار الإسلامية المسلمين الأوائل على التخلي عن الجموح الشعري ودخلت في أشعارهم، وهذا ما قيل عنه رقة الشعر·· الرسول صلى الله عليه وسلم والشعر مشهور ذلك الموقف عندما هجا عبد الله بن الزبعري شاعر المشركين آنذاك الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما هجاه أبو سفيان وكان على شركه، فسأل يومها الرسول أصحابه، من يدافع عنه، فتقدم علي رضي الله عنه، وتقدم كعب بن مالك وسواهما، وبقي الرسول صامتًا حتى جاء حسان بن ثابت وأخرج لسانه، فسأله الرسول كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال له: أسُلك منهم كما تسلُّ الشعرة من العجين، فقال له: اذهب وروح القدس تؤيدك، والزم أبا بكر فإنه نسابة العرب، أي أعلم الناس بالأنساب، ويمكن أن يرشده إلى الصلات والأرحام· وأمام الرسول صلى الله عليه وسلم قال النابغة الجعدي: بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا فسأله الرسول: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة·· فأجابه: لا فُض فوك·· ويومها قال لبيد بن ربيعة شاعر المعلقة وقد أسن، وهو من المؤلفة قلوبهم: أبدلني الله البقرة وآل عمران بالشعر·· فذهب الكاتب إلى أن الشعر لم يكن محرمًا في الإسلام، والرسول لم يقف منه موقفًا سلبيًا·· والشاعر الإسلامي- حسان خاصة- كان وزير إعلام الرسول والدين الإسلامي، ونجح في ذلك أي نجاح في الدفاع عن الدعوة الإسلامية وصاحبها· أما ما يقال عن هذا الموضوع فهو خلاف حول مضامين الشعر الأخلاقية وما سواها··حيث روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسن بن ثابت فشفى واشتفى· وأما نقد الرسول الكريم للشعر، فينبغي أن نلاحظ أن الرسول الكريم قد جاء بدين قويم يدعو إلى الفضائل، وينهى عن الرذائل، ويدعو - قبل ذلك وبعده - إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وأن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له - هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس تتصل بالمعاني التي يجب أن يدور حولها الشعر· وإذا كان الرسول الكريم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياسا وأساسا ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه - فإنه صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من القرآن الكريم - أيضا - أسلوبا ولفظا ونظما أساسا له ومنهاجا، لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو· ولا نعجب إذ رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم - على اختلاف فنونه وأغراضه - يتمثلونه معنى وموضوعا، وأسلوبا ونظما، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم على أسس من المبادئ الإسلامية، والقيم الأخلاقية الرفيعة التي استحدثها الدين الإسلامي، في هذا المجتمع الجديد، وعلى دعامة من الفضائل العربية التي أقرها الإسلام، كما كانوا يتخذون من بلاغة القرآن وسحر بيانه أساسا لنظمهم ودعامة لبيانهم· شاعرات حول الرسول·· والتصنيف جمع الكاتب في هذا الكتاب سبعًا وأربعين شاعرة من الشاعرات اللاتي أضفى عليهن صفة (حول الرسول)، وقام بترتيب الكتاب ترتيبًا معجميًا، مما سهل الوصول إلى الشاعرة وشعرها، وهن: أروى بنت الحارث، وأروى بنت عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس، وأم البراء، وأم ذرّ، وأم رعلة القشيرية، وأم سلمة، ولبابة بنت الحارث، وأم نبيط، وأم الهيثم النخعية، وأمامة الزبذية، وأميمة بنت رفيقة، وبركة بنت ثعلبة، وبكارة الهلالية، والبيضاء بنت عبد المطلب، والخنساء، وحفصة بنت عمر، وخولة بنت الأزور، وخولة بنت ثابت، ودرة بنت أبي لهب، ورقيقة بنت أبي صيفي، ورقية بنت عبد المطلب، وزينب بنت علي، وزينب بنت العوام، وسعدى بنت كريز، وسودة بنت عمارة، والشيماء بنت الحارث، وصفية بنت عبد المطلب، وضباعة بنت عامر، وضبيعة بنت خزيمة، وعائشة بنت أبي بكر، وعاتكة بنت زيد، وعاتكة بنت عبد المطلب، وعمرة بنت دريد، وعمرة بنت رواحة، وفاطمة بنت محمد، وقتيلة بنت النضر، وكبشة بنت رافع، ولبابة بنت الحارث، وميمونة بنت عبد الله، ونعم بنت حسان، وهند بنت أنانة، وهند بنت الحارث، وهند بنت سهيل، وهند بنت عتبة· قدم الكتاب في مصنفه هذا مجموعة نادرة من الأشعار الموزعة في بطون الكتب، التي يصعب الوصول إليها بطريقة مباشرة عادة، وهذا الجمع يستحق الثناء عليه، أما صفة (حول الرسول) تعني أشعارًا قيلت في الإسلام والدعوة، والباحث يقوم بدراستها الدراسة الكافية، لكن الأشعار لم تكن كذلك· كما ضم الكتاب أسماء كبيرة ولامعة مثل الخنساء، وضم المؤلف ديوان الخنساء إلى كتابه دون إشارة إلى الديوان وطبعاته وجامعيه ابتداء من لويس شيخو وصولا إلى طبعة القراءة للجميع في القاهرة وما بينهما، كما لم يشر إلى جهود عبد البديع صقر عن شاعرات العرب، والدكتورة رغداء مارديني ودراستها الأكاديمية عن شاعرات الجاهلية، أيضا الكثير من الشعر المجموع جاهلي لا علاقة له بالإسلام، كما أن الكتاب جمع وليس تأليفًا، وإن كان هذا أو ذاك، فمن المفترض أن يكون له من المصادر والمراجع الكثير، فكيف يبدأ الكتاب وينهيه دون أن يضع مسردًا للمصادر والمراجع وخاصة المجاميع الشعرية والدواوين؟ علمًا بأن الكاتب وضع أسماء مصادره ومراجعه عندما أراد، وفي مواضع متعددة في الهوامش، وما عليه إلا أن يجمعها في فهرس في نهاية الدراسة الجمعية· أيضا خلت الأشعار من شروح كانت لازمة وضرورية لها، ففي ديوان الخنساء يظن الكاتب أن القارئ على إلمام بما يقدمه، لذلك لم يشرح أي كلمة، وحتى مقدمات القصائد التي لا تتجاوز سطرًا مأخوذة من الديوان الذي استعان به ونقله إلى كتابه·· وليس ثمة شك في أن الكتاب جهد يشكر عليه الكاتب وإن كان قد شابه بعض القصور، فالكمال لله وحده··