الاعتكاف، عبادة وسنة للمساعدة في الإقلاع عن العادات الضارة وتنمية فضيلة الإخلاص، وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم، لأنه يبعد المسلم عن قسوة القلب الناتجة عن حب الدنيا ويحقق له الاطمئنان النفسي· والأصل أن يكون الاعتكاف في أي مسجد تقام فيه الجماعة وهو حبس النفس على طاعة الله وذكره، وقطعها عن كل شاغل، والمقصود به لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله، وعرّفه البخاري بأنه الإقامة في المسجد بنية التعبد وذهب الفقهاء إلى أن الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويجوز الاعتكاف في أي وقت، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في شوال في بعض السنوات· ومقصود الاعتكاف عكوف القلب على الله تعالى، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده، وهو مشروعٌ ومستحب باتفاق أهل العلم، قال الإمام أحمد فيما رواه عنه أبو داود: لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون· ويقول الإمام ابن رجب الحنبلي إن الخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف خصوصا في شهر رمضان، وفي العشر الأواخر منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله· وقال ابن حجر واتفقوا على أنه لا حدّ لأكثره واختلفوا في أقله فمن اشترط فيه الصيام قال أقله يوم· وقد ورد ذكره في القرآن الكريم، وهو من العبادات، يدل على ذلك قوله تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) وقال تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) الحج 25· وقال سبحانه: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)· لقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه العبادة تاركا لمن ينتهجون نهجه درسا عظيما في أهمية الانقطاع إلى الله تعالى والتحرر من الشواغل والمسؤوليات وأمور الدنيا· وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجُه من بعده) رواه البخاري ومسلم· وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوما) رواه البخاري· والاعتكاف سنة للرجال بالإجماع، ولا يجب إلا بالنذر، ويباح للنساء دون استحباب ويجب أن يكون في مسجد فلا يصح في أي مكان غيره، ويصح ولو لمدة ساعة أو لحظة من نهار أو ليل في قول جماهير أهل العلم، ويبطل الاعتكاف عند الخروج من المسجد لغير عذر بشرط ألا يكون ناسياً، ويشترط أن يخرج بجسمه كله· ومن ثمرات الاعتكاف تربية النفس على الإخلاص وتعويدها على المحاسبة وعلى الصبر وتحمُّل الطاعات والتدريب على اغتنام الوقت واستثماره واستدراك كل نقص، وتعويض كل تقصير يحصل للمرء في علاقته بالله وزيادة الصلة الإيمانية بالله، وفتح المزيد من الأبواب التعبدية التي تزكي النفس· والاعتكاف فرصة عظيمة لطلبة العلم وموسم عظيم للدعاة والمربين والارتباط بالله تعالى، وتحقيق معنى العبودية، ويبعد المسلم عن قسوة القلب الناتجة عن حب الدنيا والشهوات والملذات كما يحقق الاطمئنان النفسي والإقلاع عن العادات الضارة· ويستحب للمعتكف أن يُكثر من نوافل العبادات ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء ونحو ذلك من الطاعات التي تقرِّب العبد من ربه· ومن فوائد الاعتكاف الرباط في سبيل الله، وهو بانتظار الصلاة بعد الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاَّه ما لم يُحدِث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في مصلاه ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة) رواه البخاري· ويقول ابن القيم إن مقصود الاعتكاف الأعظم في صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى وإقباله بالكلية عليه، وترك فضول الطعام والشراب ومخالطة الأنام مما يشتته في كل واد ويقطعه عن سيره إلى الله أو يضعفه أو يعوقه أو يوقفه فاقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرَّع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه· * من ثمرات الاعتكاف تربية النفس على الإخلاص وتعويدها على المحاسبة وعلى الصبر وتحمُّل الطاعات والتدريب على اغتنام الوقت واستثماره واستدراك كل نقص، وتعويض كل تقصير يحصل للمرء في علاقته بالله وزيادة الصلة الإيمانية بالله، وفتح المزيد من الأبواب التعبدية التي تزكي النفس·