تلقي قضية محمد مرّاح، الفرنسي ذو الأصل الجزائري الذي يقال إنه قتل في مارس الماضي ثلاثةَ أطفال يهود ومعلّمَهم وجنودا فرنسيين في مدينة تولوز، بظلالها على الرئاسيات الفرنسية التي يجري دورها الأوّل اليوم، حيث ما تزال هذه القضية تصنع الجدل في (دولة ساركوزي) بعد أن حوّلت حملة الانتخابات الرئاسية في فرنسا إلى جدل متواصل عن (ظاهرة اللاّ أمن) وما باتت إحدى لوازمها الثابتة مسألة (الإسلام) و(طريقة إدماجه في الجمهورية)· جاءت هذه القضية لتذكّر الغافلين بأن المسلمين في فرنسا مجموعة شديدة الخصوصية تتأثّر صورتُها بأيّ تصرّف من تصرّفات أعضائها المفترضين، من الصلاة على الأرصفة إلى قتل الأبرياء، ويضعُها السياسيون والإعلاميون في دائرة الضوء كلّما أرادوا استغلالَ مخاوف مواطنيهم من (الآخر) الغريب، العاجزِ عن الاندماج، النّاقمِ على الغرب وحضارته، الحالم دوما بصحرائه الأصلية· من المستبعد أن السياسيين والصحفيين الفرنسيين كانوا سيلحّون كلّ هذا الإلحاح على الانتماء (الديني) ل (قاتل تولوز) لو كان مسيحيا أو يهوديا أو هندوسيا، كما أن وجود جنود (من أصول مغاربية) في قائمة ضحاياه لم يمنعهم من الإشارة إلى أصوله الجزائرية، (لماذا لا يشيرون إلى (الأصول الجزائرية) لنجمي الكرة زين الدين زيدان وكريم بن زيمة ونجمة السينما إيزابيل أدجاني وغيرهم؟)· وبلغ هذا التركيز ذروتَه عند حديثهم عن احتمال دفنه في الجزائر التي لم يعش فيها يوما لا هو ولا إخوتُه، وكأن مآل جثامين القتلة الطبيعي هو البلادُ الإسلامية لا أرضُ فرنسا النقية الطاهرة· وقد سهّلت قضية مرّاح، (خصوصا نهايتها الدامية) على نيكولا ساركوزي تسويقَ خطابه عن ضرورة بناء (فرنسا قوية) يقودها (رجل قويّ) هو بطبيعة الحال ومنحته فرصةَ استغلال وظيفته الرّسمية كرئيس للجمهورية لتعزيز موقعه كمرشّح للرئاسة، والظهورِ بمظهر حامي الحمى من خطر (العدو الداخلي) المتربّص ب (نمط الحياة الفرنسي)· لقد كان نيكولا ساركوزي في حاجة ماسّة إلى حدث مثير ينسي الفرنسيين همومَهم الاقتصادية والاجتماعية (التي تسبّب هو في قسم وفير منها) ويقنعُهم بأن اللاّ أمن سيفٌ مصلت على رقابهم، وأنْ لا مفرّ لهم من انتخابه مجدّدا لأنه عكس منافسيه (فرنسوا هولاند من الحزب الاشتراكي، وجان لوك ميلونشون من جبهة اليسار، ومارين لوبان من الجبهة الوطنية) ذو خبرة بوليسية لا يستهان بها، خبرة اكتسبها على رأس وزارة الداخلية في مكافحة (خطر الضواحي) وخطر الهجرة (السرّية منها وغير السرّية)· وقد نجح مستشاروه في تحويل جرائم محمد مرّاح إلى (11 سبتمبر محلّي) يرصّ صفوف الفرنسيين حول مطلب واحد، الأمن· أي بعبارة أوضح تحجيم الهجرة والتضييق على المسلمين، سواء كانوا مهاجرين أو فرنسيين كاملي الحقوق بحكم القانون، ك (قاتل تولوز)·