ترحل الفنانة وردة الجزائرية في موكب جنائزي مهيب وسط جماهير غفيرة من عشاقها ومحبيها الذين أبوا إلا أن يتوافدوا على قصر الثقافة ليلقوا عليها النظرة الأخيرة ويهدوا باقات الورود الصغيرة للوردة الكبيرة آخر عناقيد الطرب العربي ···· ترجلت أميرة الطرب عن عرشها بعد أن تربعت عليه سنين عدة جادت فيها وأبدعت وأخلصت لجماهيرها في جميع البلدان العربية ··· غنت فيها للوطن وللحب وللأمل وما سكنت روحها ولا إستكانت ولم تهدأ حنجرتها الصداحة بأخلد الروائع الغنائية وأمتعها حتى أسكته قضاء الله وقدره ... لهج لسانها بأعذب الكلمات وأرق النغمات وأطرب الألحان كانت أجملها لوطنها الذي ظل رغم غربتها وبعدها عنه ساكنا في قلبها إلى أن فارقتنا وودعتنا للأبد ···· وفجأة دون سابق إنذار أو كلمة وداع لأن أكبر ما كانت تخافه هو الوداع عندما غنت ذات يوم وقالت ··· (ما بقتشي بخاف في الدنيا دي غير من الوداع)····· نعم قدر الله وماشاء فعل وقضى أن تودعنا والجزائر تستعد لإستقبال عيدها الخمسين للإستقلال وتكون الغائب الحاضر فيه لأن الجمهور الجزائري وجميع العالم لايستطيع أن يحيي هذه الذكرى دون أن يتذكر -عيد الكرامة والفدا ياعيد-···· عادت وردة الجزائرية لبلدها إلى الأبد وفتحت لها الجزائر ذراعيها وأحضانها لتستقبلها مسجاتا على النعش وتنشق أرضها لتبتلع وتظم تربتها الزكية هذا الجسد الطاهر ولسان حاله يردد -عدنا إليك ياجزائرنا الحبيبة- وأشجارها وأزهارها وأطيارها وغاباتها وووديانها وسهو لها وهضابها وكل شيء فيها يصيح معها- من بعيد أدعوك يا أملي- نعم الكل يهتف ويسقي بذور الأمل التي ولدتها وزرعتها الوردة الكبرى في قلوب الصغار والكبار والشباب الذين يعرفونها والذين لا يعرفونها ···· أنظري أيتها الوردة المسجات إلى هؤلاء الآلاف الذين جاءوا جميعا من كل شبر من بقاع وأصقاع جزائرك الحبيبة رغم إختلاف الطبوع الغنائية فيها وتباين الألسنة واللهجات ورغم إختلاف ميولاتهم وأذواقهم الفنية، إلا أنهم يقرون ويعترفون لك بأنك قامة من قامات الفن العربي وهرما من أهراماتها يتهاوى تاركا فراغا كبيرا في ساحته لا يملؤه إلا إسم وردة-. الساعة تشير إلى السابعة والنصف من صباح يوم السبت الموافق ل19من شهر ماي الجاري -بدأت الجماهير تتوافد تباعا على قصر الثقافة بالجزائر العاصمة لإستقبال جثمان أميرة الطرب العربي وإلقاء النظرة الأخيرة عليه-، سيارات الأمن في غدو ورواح وإنزال مكثف لمختلف القنوات الفضائية الإعلامية الوطنية والعربية والحركة والنشاط دؤوبين داخل قصر الثقافة على غير عادته وكأنه على موعد مع حفلة عظيمة -إنها أميرة الطرب العربي قادمة لتغني اليوم هي أيضا على غير عادتها ستغني اليوم صامتة أغنية الوداع الأخير ملتحفة بالعلم الوطني الحزائري يتهافت الزوار لشراء باقات الورد ليهدونها إليها رغم بلوغ سعر الوردة الواحدة منها 100 دينار لكن كل شيء يهون أمامها ولو إستطاعوا فداءها بقلوبهم لفعلوا يصل الموكب في حدود الساعة التاسعة والنصف وتتعالى الزغاريد والتكبيرات في بهو قصر الثقافة شخصيات ثقافية وسياسية وأعضاء الأسلاك الدبلوماسية لمختلف الدول الشقيقة والصديقة يتوافدون تباعا لإلقاء النظرة االأخيرة على الجثمان والإمضاء على سجل التعازي وعلى رأسهم وزيرة التقافة السيدة خليدة تومي ووزير الخارجية الجزائري السيد مراد مدلسي والوزير السابق للثقافة والإتصال السيد حمراوي حبيب شوقي وكاتب الدولة السابق لدى وزارة الثقافة والإتصال السيد عز الدين ميهوبي، بالإضافة إلى الدكتور محيي الدين عميمور المستشار السابق للرئيس الراحل هواري بومدين ومدير تشريفاته دون أن ننسى الملحقين الدبلوماسيين لكل من جمهورية مصر العربية والمملكة السعودية والمملكة المغربية أين تلت السيدة وزيرة الثقافة الكلمة التأبينية ذكرت فيها العديد من خصال المرحومة وردة الجزائرية ومسيرتها الفنية والنضالية ضد الإستعمار الفرنسي، حيث كانت الراحلة تغني للثورة الجزائرية في مختلف البلدان حاملة رسالة الثورة للتعريف بها في مختلف البقاع والأصقاع متبرعة بعائدات حفلاتها لجيش التحرير آنذاك ومن بين أغانيها - كلنا جميلة- وعندما ضاقت بها فرنسا ذرعا وقررت إسكاتها غادرت وردة العاصمة الفرنسية باريس متوجهة إلى الرباط ثم بيروت، وعندما لبت نداء الوطن مرة أخرى خلال العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر وكسرت الحصار الفني المضروب عليها عادت وغنت -بلادي أحبك فوق الظنون من إلياذة -الشاعر الجزائري الكبير مفدي زكريا·· بعدها تناول الكلمة الملحق الدبلوماسي بسفارة جمهورية مصر العربية حيث أثنى كثيرا على الجانب الإنساني للفنانة وردة الجزائرية ووقوفها مع الشعب المصري في أحلك الظروف ومن ظمن ما قاله -إن الفنانة وردة تمثل قصة حب بين بلدين حبيبين شقيقين مصر والجزائر وليس الجزائريين وحدهم الذين يتألمون لفراقها وإنما يشاركهم هذا الألم والحزن والأسى إخوانهم المصريون أيضا -بعدها ينتقل الموكب الجنائزي بإتجاه المقبرة العالية أين وُوري جثمان وردة الجزائرية التراب بمربع الشهداء وسط هتافات وصيحات الله أكبر وتحيا الجزائر تدوي بها حناجر الجماهير الغفيرة·· وكان بإنتظار الموكب هناك كل من الوزير الأول أحمد أويحيى ووزير السكن محمد بن موسى ووزير الأشغال العمومية عمار غول ووزير النقل عمار تو والعديد من الشخصيات السياسية الوطنية والدولية، وكان من بين الصدف أن يكون قبرها بالقرب من إحدى النخلات هناك لأنها عاشت طوال حياتها نخلة مرفوعة الهامة طويلة القامة لم تخضع ولم تذل لأحد إلا لحب شعبها ووطنها، رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه (إنا للّه وإنا إليه راجعون) -والله أكبر وتحيا الجزائر-. وعاشت بلدي الجميلة عربية حرة أصيلة مثلما قالتها حنجرتها الدافئة ذات يوم·