أشرف جمال ولد عباس وزير الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات أوّل أمس الخميس على تنصيب المديرة العامّة للمركز الوطني لزرع الأعضاء، والذي يعدّ الأوّل من نوعه في الجزائر بعد سنّ قانون تنظيم عملية زرع الأعضاء البشرية والتبرّع بها، في حين تبقى مشكلة غياب ثقافة التبرّع بالأعضاء في المجتمع الجزائري تقف حجر عثرة أمام العمليات الجراحية التي تختصّ بالزراعة العضوية البشرية رغم الإجازة الشرعية لعمليات التبرّع، وهو ما سيحول دون تحقيق تقدّم في هذا المجال. قام وزير الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات أوّل أمس الخميس بتدشين المركز الوطني لزرع الأعضاء، حيث أشرف على تنصيب المديرة العامّة للمركز. ويعدّ هذا المركز الأوّل من نوعه بعد صدور قانون تنظيم عملية زرع الأعضاء البشرية والتبرّع بها، ويهدف هذا القانون إلى تعميم عمليات زرع الأعضاء باختلاف أنواعها وتوسيع دائرة المتبرّعين وتعميم أخذ الأعضاء من الجثث بعد موافقة الميّت قبل وفاته أو أخذ موافقة أهله. لكن على ما يبدو فإن هذا القانون سيبقى حبرا على ورق في ظلّ غياب ثقافة التبرّع في المجتمع الجزائري إلاّ في الحالات النّادرة التي تتمّ أغلبها بين الأقارب عندما يتعلّق الأمر بإنقاذ حياة فرد من العائلة، أمّا عن التبرّع بأعضاء الموتى فيكاد يكون منعدما نظرا لسيادة ثقافة قدسية الجسد والاعتقاد بعدم جواز أخذ الأعضاء من الجثث بالرغم من أن الفقهاء أجازوا التبرّع بالأعضاء على ألا يضرّ ذلك بصحّة المتبرّع، كما أجازوا التبرّع بأعضاء الموتى إذا أوصى الميّت بذلك في حياته. القانون صدر وسيدخل حيّز التنفيذ ابتداء من سبتمبر كشف جمال ولد عباس وزير الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات في تصريح صحفي لدى إشرافه على تنصيب المديرة العامّة للمركز الوطني لزرع الأعضاء أوّل أمس الخميس، أن القانون الجديد المتعلّق بعملية زرع الأعضاء البشرية سيدخل حيّز التنفيذ شهر سبتمبر المقبل، وأكّد خلال حديثه أن هذا القانون (سيساهم في تعميم عملية زرع مختلف الأعضاء من بينها الكلى والقرنية لفائدة المصابين 55454)، موضّحا أن أهمّ نقطة ركّز عليها القانون الجديد هي توسيع دائرة المتبرّعين التي بقيت محصورة دائما في إطار العائلة الصغيرة لتشمل العائلة الكبيرة أيضا. كما يهدف هذا القانون إلى توسيع دائرة المتبرّعين من خلال استغلال أعضاء الموتى بعد الحصول على موافقة الميّت قبل وفاته أو موافقة ذويه من الدرجة الأولى والثانية. وأضاف ولد عباس في ذات السياق أن قانون زرع الأعضاء البشرية الذي صدر مؤخّرا (يعطي الحقّ للشخص في التبرّع بأعضائه بعد وفاته بالتوقيع على سجِّل وطني يعطي الحقّ للجهات المعنية في التصرّف في أعضائه عند الحاجة، وفي حال موافقة أهله وأقاربه يصبح من الممكن نقل الأعضاء لإنقاذ حياة مواطنين آخرين). ومن جهة أخرى، أكّد وزير الصحّة في مداخلة أجراها لدى تنصيبه مديرة الوكالة الوطنية لزرع الأعضاء مليكة رحّال، أن الجزائر سعت واجتهدت منذ إصدار قانون الصحّة 05/85 لسنة 1985 في وضع أطر قانونية لعمليات نزع وزرع الأعضاء البشرية، وذكر بالمناسبة أن عمليات زرع الكلى تتمّ اليوم على مستوى 8 مؤسسات استشفائية جامعية، حيث تمّ زرع هذا العضو لأوّل مرّة في الجزائر سنة 1986، مشيرا إلى تسجيل 116 عملية زرع خلال سنة 2010 و137 عملية زرع أخرى في سنة 2011. وأشار الوزير في ذات السياق إلى أنه بالرغم من الجهود المبذولة في مجال زرع الأعضاء البشرية إلاّ أن أغلب هذه العمليات لم تعرف تطوّرا فيما يتعلّق بعدد العمليات التي تجرى سنويا، حيث لم تشهد عملية زرع الكبد التي تقوم بها المؤسسة الاستشفائية لمكافحة السرطان (بيار وماري كوري) تقدّما مقارنة بالعمليات الخاصّة بزرع القرنية والكلى، إذ انتقلت من 3 عمليات سنة 2008 إلى 5 عمليات في سنة 2010، أمّا عن عمليات زرع النّخاع العظمي التي يجريها المركز الوطني لمكافحة السرطان (بيار وماري كوري) فقد انتقلت من 176 عملية في سنة 2010 إلى 253 في سنة 2011. غياب ثقافة التبرّع قد يبقي القانون حبرا على ورق هذا، ومن المتوقّع أن يبقى القانون الجديد المتعلّق بزرع الأعضاء البشرية حبرا على ورق في ظلّ غياب ثقافة التبرّع لدى الجزائريين، وتعتبر هذه المشكلة أوّل عقبة قد تصادف تطبيق هذا القانون ودخوله حيّز التنفيذ ابتداء من شهر سبتمبر المقبل. حيث أصبح من المتعارف عليه لدى العائلات الجزائرية أن التبرّع بالأعضاء لا يكون إلاّ للضرورة القصوى حين يتعلّق الأمر بإنقاذ حياة فرد من العائلة، أمّا التبرّع بأعضاء الموتى فهو نادر جدّا، بل قد يكون منعدما نظرا لسيادة ثقافة قدسية الجسد وحرمة المساس بمكوّناته بنزع أحد أعضائه وإن كان الهدف نبيلا يتمثّل في إنقاذ شخص آخر. لكن غياب ثقافة التبرّع وإن كان سببها في الغالب نابعا من أمور روحية تتعلّق أحيانا بخلط في الأحكام الشرعية إلاّ أن هناك أسبابا أخرى تجعل المواطن يعزف عن تقديم الإعانة لأخيه، وهي الصورة السوداوية التي كوّنها الشارع الجزائري عن الطواقم الطبّية والمستشفيات الجزائرية وقلّة تجربتها وكفاءتها في هذا المجال، إلى جانب انعدام الثقة في الإدارة في ظلّ رواج المتاجرة بالأعضاء البشرية، هذا زيادة عن قلّة الحملات التحسيسية التي من شأنها تعميم ثقافة التبرّع بالأعضاء والتحسيس بأهمّية هذه الخطوة بالنّسبة للكثير من المرضى الذين يرزحون تحت وطأة المرض في ظلّ غياب المتبرّعين، حيث نجد هذه الحملات تكاد تكون منعدمة إذا ما قورنت بالحملات التحسيسية للتبرّع بالدم. فمن منّا لم يصادف يوما عبارة (حياة الجريح مرهونة بقليل من دمكم) على جدران المؤسسات الاستشفائية وعلى الجدران في الشوارع أحيانا؟ فلماذا تغيب مثل هذه الحملات في مجال التبرّع بالأعضاء البشرية؟ وهذا مجرّد مثال ولا نقصد به تحميل المسؤولية لجهة دون الأخرى إذ أن مشكلة غياب ثقافة التبرّع في المجتمع الجزائري تشترك فيها عدّة أطراف كوزارة الصحّة ووزارة الشؤون الدينية ومختلف الجمعيات الخيرية دون أن نستثني بذلك دور الإعلام وأهمّيته. وقد دعا محمد لوني رئيس جمعية التبرّع بالأعضاء ببومرداس في هذا السياق إلى ضرورة القيام بحملة تحسيسية واسعة وسط المجتمع من أجل خلق الثقة في الطواقم الطبّية والمستشفيات الجزائرية المهزوزة لدى الكثير من النّاس. أرقام مخيفة للمرضى والفقهاء يجيزون التبرّع بالأعضاء كشفت آخر الإحصائيات ارتفاعا خطيرا للمصابين بالعجز الكلوي الحادّ في الجزائر، حيث تشير التقديرات إلى وجود 1.5 مليون جزائري مصاب بهذا المرض، حيث يتمّ تسجيل حوالي 4000 حالة سنويا. وأشارت التقديرات إلى وجود حوالي 7000 حالة تنتظر زرع كلية، وهو عدد مرشّح للارتفاع من سنة إلى أخرى وذلك بسبب العدد المحدود لعمليات زرع الكلى سنويا نظرا لقلّة المتبرّعين إلاّ في حالات نادرة وذلك بالرغم من أن الفقهاء أجازوا عمليات التبرّع بالأعضاء، مشدّدين على ضرورة إتمامها وفق الضوابط الشرعية التي تحرّم المتاجرة بالأعضاء، كما تشدّد على ضرورة ألا تحدث عملية التبرّع ضررا للمتبرّع، أمّا في حال الوفاة فيتمّ اشتراط قبول الميّت التبرّع في حياته. وللإشارة، فقد أعطت كلّ من وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى موافقتهما على القانون الجديد الذي يهدف إلى تعميم عملية الزرع وتوسيع دائرة المتبرّعين.