فقيهٌ أهل الشام، عُرف بتطبيقه لعلمه الذي علمه وبجهاده باللسان، وبكونه شوكة في حلوق المبتدعة والمتطاولين على الصحابة وأهل السنة. هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي صاحب إحدى أهمّ مدارس التجديد في الفقه الإسلامي، عاش في القرن الثاني للهجرة، وكان أحد مجددي ذلك القرن. وُلد الإمام الأوزاعي في قرية (بعلَبك) عام 88 ه الموافق لعام 707م، ولقب ب (الأوزاعي) نسبة إلى قرية (الأوزاع) إحدى قرى عاصمة الدولة الأموية (دمشق). ويُعدّ الإمام الأَوزاعِي واحداً من الفُقَهاء الأعلام الذين أثَّروا في مسِيرة الفِقْهِ الإِسلامِي، حيث كانت له بصمات واضحة في هذا الشأن حتى أنه لقب ب (فقيه أهل الشام والأندلس)، بعد أن استطاع أن يضع مذهباً فقهياً متكاملاً في مؤلفات عدة أشهرها ثلاثة مؤلفات هي: كتاب السنة في الفقه، وكتاب المسائل الفقهية، ومسند الأوزاعي، وما زال الكتاب الأخير مخطوطاً بجامع القيروان في وسط العاصمة التونسية. واعتمد أهل الشام على مذهب الإمام الأوزاعي، وكانوا يأخذون به في مختلف شؤون حياتهم وعباداتهم، لدرجة أن قاضي الشام كان أوزاعياً، أي على مذهب الأوزاعي، وقد انتقل مذهبه إلى المغرب، ومنه إلى الأندلس إلى أن أصابه الضعف، وحل محله مذهب الإمام مالك، وبقي أهل دمشق وما حولها على مذهب الأوزاعي نحواً من مئتين وعشرين سنة، ثم ضعف مذهبه أمام مذهب الإمام الشافعي. وعُرف الإمام الأوزاعي بالشجاعة وقول الحق، فكان لا يخشى في الله لومة لائم، وذات مرة سأله عبد الله بن علي، عمّ الخليفة العباسي الذي أجلى بني أمية عن الشام: يا أوزاعي، ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد؟ أجهاداً ورباطاً هو؟ فقال الأوزاعي: أيها الأمير، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فغضب عبد الله بن علي، ثم قال: يا أوزاعي، ما تقول في دماء بني أمية؟ فقال الأوزاعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فاستشاط الأميرُ غيظًا، ثم قال: ما تقول في أموالهم؟ فقال الأوزاعي: إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرامٌ عليك أيضاً، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحلُّ لك إلا بطريق شرعي. فأمره الأمير بالانصراف، ثم أمر له بعطيَّة، فأخذها الأوزاعي ثم تصدّق بها. وتوفي الإمام الأوزاعي ببيروت في 28 من صفر سنة 157 ه الموافق 16 من يناير سنة 774 م، ودخل مذهبُه في عالم الإهمال والنسيان.