عرفت الجزائر خلال سنة 2012 عدّة تطوّرات على الصعيد الأمني، خاصّة فيما يتعلّق بمكافحة الجماعات الإرهابية، غير أنها لم تشفع لها أمام الارتفاع الكبير في معدل الجريمة، فقد كانت سنة مليئة بالجرائم التي هزّت الرّأي العام وجعلته يطالب بالمزيد من الأمن والاستقرار، خاصّة وأن ختامها لم يفح بالمسك بل فاح برائحة دم البريئتين (شيماء) و(سندس) اللتين دفعتا حياتهما ثمن تدنّي الأخلاق وتراجع الوازع الديني. تعدّ سنة 2012 أخطر سنة في تاريخ الجزائر بسبب ارتفاع معدل الجريمة، حيث كشفت تقارير صادرة عن مصالح الدرك الوطني والأمن الوطني أنه تمّ إحصاء أزيد من 190 ألف جريمة، أي بزيادة تراوحت بين 05 و42 بالمائة عبر مختلف ولايات الوطن مقارنة بسنة 2011، احتلّت فيها قضايا المخدّرات الصدارة بتسجيلها لارتفاع قدّر ب 42 بالمئة، تليها قضايا الاعتداء على الممتلكات والأشخاص بزيادة قدّرت ب 28 بالمائة، في حين ارتفع إجمالي القضايا المسجّلة بمعدل 12 بالمائة بين سنتي 2011 و2012. ومع التصاعد المقلق للإجرام في الولايات الكبيرة، على غرار العاصمة وهران وعنابة، لم تقف الأجهزة الأمنية مكتوفة الأيدي، بل كثّفت من نشاطاتها لمحاربة الإجرام، حيث شنّت حملات دهم مكثّفة لبؤر الإجرام في المدن الكبرى من خلال الدوريات ونقاط التفتيش والسدود الثابتة والمتحرّكة أسفرت عن توقيف 81 ألف و655 شخص وإيداعهم رهن الحبس. بلغة الأرقام نجحت الأجهزة الأمنية في الجزائر خلال سنة 2012 في وضع حدّ لنشاط تجّار المخدّرات، حيث حجزت أكبر كمّية منذ استقلالها قدّرت ب 53.5 طنّا من المخدّرات على اختلاف أنواعها وأشكالها وخاصّة القنّب الهندي تمّ حجزها من طرف مصالح الدرك والشرطة منذ شهر جانفي وإلى غاية شهر نوفمبر من السنة الجارية. كما أكّدت مصالح الأمن تسجيل حالات جديدة من تهريب المخدّرات في الجزائر بعد دخول بعض الأنواع النّادرة والغالية جدّا السوق الجزائرية، حيث تمّ حجز 686 غرام من الهيرويين و8 كلغ من الكوكايين و653 ألف قرص مهلوس في نفس الفترة التي تمّ فيها حجز 53 طنّا من المخدّرات آخرها كانت نهاية الأسبوع الماضي عندما تمكّنت مصالح أمن ولاية سطيف من حجز 400 ألف قرص مؤثّر في الوقت الذي تمّ في سنة 2011 حجز 1.5 طنّ من القنّب الهندي، فيما تمّ حجز 2.1 كلغ من الهيرويين و8.3 كلغ من الكوكايين زائد 160 ألف قرص مهلوس، فيما تضاعفت هذه الأرقام بشكل خطير في سنة 2012، وهذا ما يستدعي اتّخاذ إجراءات ردعية لتضييق الخناق على مافيا المخدّرات في الجزائر. الأمن يفشل في فكّ شفرات اختطاف الأطفال بالرغم من هذه الإنجازات، لم يشفع المواطنون فشل الأجهزة الأمنية في محاربة ظاهرة اختطاف الأطفال التي أصبحت حديث العام والخاص، خاصّة بعد اختطاف الطفلتين (شيماء) و(سندس) وقتلهما، حيث ستبقى سنة 2012 سنة ذكرى أليمة جدّا للعديد من العائلات الجزائرية التي فقدت فلذات أكبادها بعد تعرّضهم للاختطاف والاغتصاب والقتل بأبشع الطرق دون أيّ ذنب. قائمة الأطفال المختطفين طويلة كانت آخرها (سندس) و(شيماء)، فرغم أنه بخصوص الأولى تمكّنت مصالح الأمن من تحديد هوية الجاني والتحقيق معه إلاّ أن قاتل (شيماء) ما يزال حرّا طليقا، كما تبقى أسباب مقتلهما غامضة إلى حدّ الساعة. وإن عرف مصير البريئتين فلا تزال عائلة (ياسر) الطفل المختطف ذو الثلاث سنوات من منطقة درفانة، منذ عدّة أشهر تبحث عنه لعلّها تجد من يطفئ لوعة فراقه، وهو نفس المصير الذي تعرّض له كلّ من (صهيب) والطفلة (ريان) اللذين ما يزال الغموض يكتنف ظروف اختفائهما. وبلغة الأرقام أيضا تشير التقارير التي كشفتها مختلف الأجهزة الأمنية الجزائرية إلى أن عدد الأطفال الذين اختطفوا في سنة 2012 يقدّر ب 276 طفل، في حين أن عدد الملفات التي طرحت سنة 2011 والمتعلّقة بالاعتداء واختطاف الأطفال القصّر بلغ 609 ملف. وأكّدت نفس التقارير الأمنية أن الجزائر شهدت في هذه السنة 32 ألف حالة عنف ضد الأطفال، أمّا حالات الاختطاف فقد تمّ إحصاء 15 حالة اختطاف شهريا لأطفال تتراوح أعمارهم من سنتين إلى 10 أعوام، بينما تمّ تسجيل أكثر من 500 طفل مختطف بين 2010 و2012، أغلبهم يتعرّضون للاعتداء الجنسي أو القتل بهدف السّحر والشعودة أو لسرقة أعضائهم وبيعها. ويرى بعض المتتبّعين لقضايا الإجرام المتصاعد أن السلوك الجديد الذي طغى على حياة الجزائريين في السنوات الأخيرة يعود بالأساس إلى شبكات الدعارة والسرقة والمخدّرات التي تحاول توسيع نشاطها وتحويل المدن الكبرى إلى قواعد خلفية مستفيدة من المنتجعات السياحية والشعور المتزايد بالإحباط لدى شباب الأحياء الشعبية الفقيرة. مصالح الأمن تحكم قبضتها على الجماعات الإرهابية من أهمّ ما ميّز سنة 2012 هو إحكام مصالح الأمن قبضتها على نشاط الجماعات الإرهابية، فلم تشهد الجزائر خلال هذه السنة أيّ هجمات إرهابية عنيفة، بل على العكس فقد تمكّنت فرق مكافحة الإرهاب من وضع حدّ لنشاط العديد من شبكات الدّعم والإسناد وشبكات اختطاف السيّاح النّاشطة بالصحراء الجزائرية، وتمكّنت من إحباط مخطط تفجير عدد من المناطق السياحية بمنطقة تيميمون التي تستقطب السياح الأجانب للاحتنفال بعيد الميلاد. إن تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية النّاشطة في محور الموت (تيزي وزو-بومرداس-العاصمة) من خلال عمليات تمشيط الجبال والمناطق الغابية أخلط أوراق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي قرّر تحويل مخططاته إلى مدن الجنوب، خاصّة بعد تأزّم الوضع على الحدود الجزائرية المالية والجزائرية الليبية، ما سمح له بتكثيف نشاطه في هذه المنطقة، غير أن مصالح الأمن تمكّنت من إحباط عدّة عمليات لتهريب السلاح وحجز كمّية معتبرة من الأسلحة الحربية والذخيرة.