يهتم الكثير من المواطنين الشغوفين بحب المطالعة وكسب المعارف بقراءة الكتب التي تعتبر المصدر الأول والجليس الأفضل في أوقات الفراغ لملء العقول بما ينفع الإنسان في حياته اليومية، إذ يهتم الكثير منهم بالبحث عن الكتب القديمة ذات القيمة العلمية الكبيرة التي تنتشر بمختلف مشاربها المعرفية. ومن خلال خرجتنا الميدانية التي قادتنا إلى أحد شوارع العاصمة أين يتم عرض مختلف الكتب القديمة حيث تباع بأبخس الأثمان كونها قديمة ومستعملة، لكنها في أغلبها كتب قيمة وفي حالة جيدة. هذه الكتب مصدرها بعض المثقفين والطلبة وهواة القراءة والمعرفة تخلصوا منها تحت وطأة الحاجة، فكانت زادا معرفيا للعديد من القراء من محدودي الدخل الذين التفوا حول هذه الطاولات المنصوبة بمختلف شوارع العاصمة منها تلك التي عرضت بالقرب من ساحة البريد المركزي، وبما أن هذه الظاهرة لقيت استحبابا وإقبالا من طرف المواطنين الشغوفين لمثل هذا النوع من الكتب ارتأينا أن نقترب من الباعة والمتصفحين لتلك الكتب في نفس الوقت لأن ظاهرة بيع الكتب تلك جديرة بالوقوف أمامها ومناقشتها، لأنها تعتبر مصدر معرفة للكثير من القراء من محدودي الدخل، لاسيما مع غلاء الكتب الجديدة وفي ظل حالة معيشية في غاية الصعوبة ينوء بثقلها السواد الأعظم في مجتمعنا. هذه الكتب التي تتكدس فوق أرصفة الشوارع تضم مراجع هامة في العديد من فروع المعرفة، بل ومعظمها كتب نادرة لو كان أصحابها يدركون قيمتها المعرفية لما أقدموا على بيعها بأبخس الأثمان لأي سبب مهما كان وجيها. اقتربنا من أحد الباعة (رضوان) الذي كان منشغلا بترتيب تلك الكتب بساحة البريد المركزي، حيث أفادنا بقوله (إنني أعمل في هذه المهنة منذ عشر سنوات حيث أقوم بشرائها من بائعي هذه الكتب الذين يعرضونها علينا أنا وزملائي بأسعار زهيدة ويقبلون بأي مبلغ نعرضه عليهم، ليأتي دورنا نحن حيث نبيعها بعد ذلك بأرباح معقولة، فهي تجارة رائجة تحظى بإقبال العديد من القراء نظرا لغزارة المادة المعرفية فيها ولأسعارها البسيطة). وفي نفس السياق التقينا ببائع آخر كان متواجدا بالمكان الذي أفادنا هو الآخر أن معظم الذين يقبلون على شرائها يفضلون الكتب التي تتحدث عن التنمية البشرية والجنس والشعوذة, وقليلا منهم من يطلب الكتب التي تتحدث عن الدين أو الأدب أو الثقافة الهادفة. وكما هو معروف فلا تخلو أية مهنة من المتاعب، ونحن متواجدون بالمكان هناك من اغتنم الفرصة للبوح بجملة من المشاكل تجسدت في شكاوي معظم الباعة العاملين في هذه المهنة حيث تبلورت مشاكلهم في مطاردة البلدية لهم، مطالبين المسئولين في البلدية بالكف عن مطاردتهم ومصادرة كتبهم, كون هذه المهنة هي مصدر رزقهم ورزق أسرهم وأولادهم, وكونها زادا معرفيا للعديد من محدودي الدخل الذين لم يستطيعوا الحصول على مثل تلك الكتب من المكتبات العامة نظرا لغلائها الكبير، فثمن كتاب قديم ومستعمل في حالة جيدة لا يتجاوز في معظم الأحيان خمس ثمنه في المكتبات الأخرى، معتبرين ظاهرة بيع الكتب القديمة والمستعملة ليست بظاهرة سلبية، كما أنها ليست ظاهرة إيجابية خالصة، وكل ما تحتاج إليه هو تنظيم بيع تلك الكتب والإشراف عليها من الجهات المختصة بمنع الكتب التي تمس العقيدة، والتي تروج لثقافات منبوذة مثل: الشعوذة، التطرف، الجنس الخليع، والكتب ذات الثقافة التي تروج للكراهية والطائفية. ليكون آخر ما يتمناه هؤلاء الباعة هو حصولهم على مكان منظم لبيع كتبهم في ظروف طبيعية بعيدا عن التوتر، آملين من السلطات الوصية أن تأخذ طلبهم هذا بعين الاعتبار حتى تكون هناك أماكن تقيهم من حر الشمس صيفا وبرودة الطقس والأمطار في فصل الشتاء حتى يتمكن هؤلاء من مزاولة نشاطهم بكل راحة وأمان.