تشير العديد من المعطيات إلى أن ساعة التدخّل العسكري في دولة مالي صارت وشيكة جدّا، مع ما سيشكّله هذا التدخّل من خطر كبير على دول الجوار، وفي مقدّمتها الجزائر التي يبدو أن (نضالها الدبلوماسي) من أجل ترجيح خيار الحلّ السلمي لم يعد مجدّيا في ظلّ تهوّر جماعات مسلّحة في مالي وإعطائها مبرّرا إضافيا لمجلس الأمن، بما يتيح للطامعين في ضربها تنفيذ مخططهم. دعا مجلس الأمن الدولي نهاية الأسبوع إلى التسريع في نشر القوة العسكرية الدولية على الأراضي المالية بهدف مواجهة التدهور الخطير الذي تعرفه المنطقة أمام التقدّم المتزايد للجماعات المسلّحة على حساب الجيش المالي. ومن جانب آخر، أفادت مصادر إعلامية بأن قوات فرنسية خاصّة وصلت ليلة الخميس إلى مدينة سفاري التي تبعد 30 كيلومترا عن مدينة كونا التي احتضنت مؤخّرا معارك عنيفة بين الجيش المالي وجماعة أنصار الدين، وهي أوّل خطوة لبدء العمليات العسكرية على الأراضي المالية التي حذّر العديد من الخبراء من تبعاتها، لا سيّما على دول الجوار. المساعي السلمية تتلاشى طلب مجلس الأمن الدولي ليلة أوّل أمس الخميس تسريع نشر القوة العسكرية الدولية على الأراضي المالية من أجل مواجهة خطر تقدّم الجماعات المسلّحة على حساب الجيش المالي، داعيا الدول الأعضاء إلى (مساعدة القوى الأمنية المالية للحدّ من التهديد الذي تمثّله المجموعات الإرهابية) التي تسيطر على شمال البلاد، حسب ما ورد في البيان الذي انبثق عن اجتماع طارئ للمجلس دعت إليه فرنسا. أكّد مارتن نيسيركي المتحدّث باسم هيئة الأمم المتّحدة أن المنظمة تشعر بالقلق من الوضع الأمني الذي يزداد تدهورا في مالي بعد تجدّد المواجهات بين الجيش المالي والجماعات المسلّحة في وسط مالي، مضيفا أن الأمم المتّحدة تجدّد دعوة أطراف النّزاع إلى الحوار، غير أنه وعلى ما يبدو فإن مجلس الأمن أغلق الباب أمام كافّة المبادرات السلمية التي تسعى دول الجوار إلى تكريسها، لا سيّما الجزائر التي أعربت في عدّة مناسبات عن رفضها لأيّ تدخّل أجنبي على مالي مشدّدة على ضرورة تبنّي الحلول السلمية. وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد مساء الخميس جلسة طارئة بطلب من فرنسا لبحث الوضع في مالي، وعقب الاجتماع دعا مجلس الأمن إلى ضرورة التسريع في نشر القوة العسكرية الدولية التي أقرّتها الأمم المتّحدة بتاريخ 20 ديسمبر الفارط، غير أن نشر هذه القوة كان مقرّرا على مراحل ودون جدول زمني محدّد، ومن المتوقّع أن تزيد هذه الخطوة من مجلس الأمن من تأزّم الأوضاع في مالي، لا سيّما مع كثرة التوجّهات واختلاف الرؤى وتضارب أهداف الجماعات المسلّحة التي تسيطر على شمال البلاد. وكان عدد من الخبراء والمختصّين قد حذّروا من خطورة التدخّل العسكري على الأراضي المالية نظرا للظروف التي تميّز البلد منذ الانقلاب على الرئيس أمادو توري ونبّه امحند برقوق في هذا الإطار في تصريح سابق ل (أخبار اليوم) إلى خطورة نشر قوة عسكرية أجنبية في مالي، لا سيّما مع غياب سلطة سياسية متجانسة بإمكانها أن تتحدّث بشرعية باسم كافّة الشعب المالي، إضافة إلى وجود الجيش المالي في حالة انهيار تامّ وعدم جاهزيته من ناحية الأداء، هذا إلى جانب عدم جاهزية القوة العسكرية الإفريقية التي يرتقب إرسالها إلى الشمال المالي لخوض معارك في المنطقة. فالقوة العسكرية المقدّرة ب 3300 جندي التي تنوي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا نشرها على الأراضي المالية غير مؤهّلة لمكافحة الإرهاب ولا خبرة لها في هذا المجال، كما أنها تجهل جغرافية المنطقة أيضا واحتمالات مشاركة قوى أجنبية غير إفريقية في التدخّل العسكري على مالي سيزيد من تعقيد الأمور، وسيؤدّي إلى حالة من عدم الاستقرار طويلة المدى. ومن جهة أخرى، من المنتظر أن يزور رئيس الوزراء المالي ديانغو سيسيكو يومي الأحد والاثنين الجزائر لإجراء محادثات تتناول خصوصا الوضع في شمال مالي، وأشار بيان صادر عن أوساط رئيس الوزراء إلى أن هذه الزيارة ستسمح للبلدين بتبادل معمّق لوجهات النّظر بشأن شمال مالي والجهود المبذولة لحلّ الأزمة المتعدّدة الأوجه التي تصيب البلاد. المواجهات تتجدّد وفرنسا أوّل الملتحقين من جانب آخر، أفادت مصادر إعلامية أمس بأن قوات فرنسية خاصّة وصلت ليلة الخميس الماضي إلى مدينة سفاري التي تبعد 30 كيلومترا عن مدينة كونا التي جرت فيها معارك عنيفة بين الجيش المالي وجماعة أنصار الدين. وأضافت وسائل إعلامية أن القوات الخاصّة الفرنسية وصلت على متن أربع طائرات عسكرية فرنسية قادمة من تشاد، حيث يأتي وصولها في وقت عرف فيه الجيش المالي خسائر كبيرة، حيث أسفرت المواجهات بين المسلّحين والجيش المالي عن سيطرة الجماعات المسلحة على المدينة. وأوضح مصدر دبلوماسي في هذا الإطار أن الجماعات المسلّحة التي تسيطر على شمال البلاد أصبحت على بعد 20 كيلومترا من مدينة موبتي وسط مالي (640 كيلومتر شمالي العاصمة باماكو)، وهو ما دفع مجلس الأمن إلى التعجيل بالبدء في تنفيذ العمليات العسكرية التي أقرّها شهر ديسمبر المنصرم. وأضاف ذات المصدر أن قافلة المسلّحين المكوّنة من نحو 1200 مقاتل مجهّزين بسيّارات رباعية الدفع يمكن أن تقرّر الالتفاف على موبتي للتوغّل جنوبا باتجاه باماكو. ومن جانبها، أعلنت حركة أنصار الدين أن المعارك التي خاضتها ضد الجيش المالي أوّل أمس الخميس بمدينة كونا قد أسفرت عن سقوط أكثر من 20 قتيلاً في صفوف الجيش وأسر 10 آخرين، بالإضافة إلى الاستيلاء على 5 دبابات و11 سيّارة تابعة للجيش، مؤكّدة أنها ستواصل الزّحف باتجاه مدينة سيفاري بعد السيطرة التامّة على مدينة موبتي التي يتمركّز فيها الجيش المالي، والتي تضمّ المطار الوحيد في وسط مالي، فيما أكّد مصدر عسكري مالي أن الجيش تمكّن من إبعاد المسلّحين من منطقة كونا، مؤكّدا سقوط عدد من القتلى في صفوف الجماعات المسلّحة والاستيلاء على سيّارات تابعة لهم. للإشارة، فقد اندلعت الاشتباكات بين الجيش المالي وحركة أنصار الدين مساء الاثنين الماضي في مدينة موبتي، قبل أن تتجدّد مساء الأربعاء، وذلك في ظلّ تضارب في الأنباء حول الحصيلة التي أسفرت عنها هذه الاشتباكات.