من الخرطوم إلى جنوب إفريقيا (الحلقة الأولى) إعداد: كريم مادي ولدت في لشبونة وانطلقت في السودان وترعرعت في الأدغال بعد ستة أيّام من الآن ستتّجه أنظار الملايين من عشّاق كرة القدم في جميع أنحاء العالم صوب القارّة الإفريقية، وبالضبط إلى دولة نيلسون مانديلا (جنوب إفريقيا) لمتابعة فعاليات واحدة من أهمّ بطولات كرة القدم وأكثرها جذبا للأنظار، حيث تستضيف أنغولا بطولة كأس الأمم الإفريقية التاسعة والعشرين خلال الفترة من 19 جانفي إلى العاشر من شهر فيفري 2013. على مدار أكثر من نصف قرن منذ انطلاق البطولة الأولى في السودان عام 1957 شهدت البطولة العديد من التغيّرات والتحوّلات المهمّة التي جعلتها بين بطولات الفئة الثانية مباشرة في عالم الساحرة المستديرة بعد بطولة كأس العالم، حيث تقترب في قوّتها من بطولتي كأس أمم أوروبا وكأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا). وتستحوذ البطولة في نسختها السابعة والعشرين على اهتمام كبير لأنها تأتي قبل عامين فقط من استضافة القارّة الإفريقية بطولة كأس العالم للرجال للمرّة الأولى في تاريخها. كما يسعى أصحاب الأرض إلى انتهاز فرصة إقامة البطولة وسط جماهيره لانتزاع أوّل لقب قارّي، من جهته يسعى المنتخب الغاني إلى الاقتراب من صاحب الرّقم القياسي المنتخب المصري لعدد مرّات الفوز بلقب البطولة (ستّ مرّات)، والذي ينفرد به بفارق لقبين أمام كلّ من نظيريه الغاني والكاميروني. وتأتي هذه البطولة بعد ستّة أشهر فقط من انطلاقة كأس العالم بجنوب إفريقيا. وتعدّ البطولة الإفريقية أحد أهمّ أسباب تأسيس الاتحاد الإفريقي للّعبة، حيث اجتمع عدد من كبار الشخصيات البارزة في عالم كرة القدم الإفريقية في العاصمة البرتغالية لشبونة يومي السابع والثامن من جانفي 1956 لتأسيس الاتحاد وتنظيم المسابقة بداية من 1957. وجرى الاتّفاق على أن تكون السودان التي حصلت على استقلالها في جانفي 1956 مقرّا لاستضافة البطولة الأولى. وبني استاد جديد بالخرطوم خصّيصا لهذا السبب وافتتح في 30 سبتمبر 1956. في نفس الوقت صيغت قوانين المسابقة، وكانت المشاركة متاحة أمام منتخبات جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، كما جرى الاتّفاق على أن تقام البطولة كلّ عامين تحت إشراف لجنة التنظيم والدولة المضيفة. وربما جاءت البداية هزيلة، حيث انطلقت فعاليات البطولة بمشاركة ثلاثة منتخبات فقط واستمرّ ذلك في البطولة الثانية، كما شهدت البطولات الأولى بعض الارتباك في الأعوام التي أقيمت فيها البطولة. لكن الموقف تغيّر سريعا لتقام البطولة بشكل منتظم كلّ عامين، كما تضاعفت قوة البطولة بمرور الوقت وازدادت المنافسة على الوصول إلى النّهائيات التي ارتفع عدد المنتخبات المشاركة فيها إلى 16 منتخبا في الوقت الحالي. يشتعل الصراع كلّ عامين على الوصول إلى نهائيات البطولة، حيث يشارك في التصفيات التي تقام على مدار نحو 18 شهرا 52 منتخبا تتنافس على بطاقات التأهّل الستّة عشر إلى النّهائيات. وتساعد هذه البطولة عشّاق (الساحرة المستديرة) في كلّ أنحاء إفريقيا على مشاهدة أبرز نجوم القارّة وهم يلعبون ضمن منتخبات بلادهم، بالإضافة إلى الاستمتاع بمهاراتهم الرّائعة التي صقلوها من خلال احتراف معظمهم في الأندية الأوروبية. ونجحت هذه البطولة في التغلّب على عوائق اللّغة والدين والمسافة للتقارب بين الشعوب الإفريقية، كما نجحت في الكشف عن العديد من المواهب والمهارات من كلّ أنحاء القارّة السمراء. وبالنّظر إلى تاريخ وإحصائيات البطولة عبر تاريخها الممتدّ لأكثر من نصف قرن نستنتج أنها لم تتوقّف عن حدّ وإنما كانت وما تزال نموذجاً رائعاً للتطوّر في عالم كرة القدم، كما تمثّل معرضاً لأبرز النّجوم والمنتخبات الذين تركوا أثرا واضحاً في تاريخ البطولة. هذه هي كأس أمم إفريقيا قبل الإجابة عن العشرات من الأسئلة، بل مئات من الأسئلة عبر سلسلتنا هذه، نبدأ بالسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين منّا وهو: ماذا تمثّل كأس أمم إفريقيا؟ كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم هي بطولة ينظمها الاتحاد الإفريقى لكرة القدم كلّ عامين بين الدول الإفريقية المتأهّلة من التصفيات لتحديد بطل القارّة الإفريقية، وهي مصنّفة البطولة الثالثة على العالم بعد كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية لشدّة منافساتها، حيث تضمّ المنتخبات التي تتأهّل إلى نهائيات البطولة نخبة من اللاّعبين الأفارقة المحترفون فى أفضل الأندية الأوروبية، بالإضافة إلى أفضل اللاّعبين داخل القارّة الإفريقية. تعتبر كأس أمم إفريقيا بالنّسبة لسماسرة اللاّعبين فرصة ذهبية لاقتناص العصافير النّادرة التي تبحث عن مكان في الأراضي الباردة ونعني بها القارّة الأوروبية، فكم لاعب إفريقي شقّ طريقة إلى عالم النّجومية من الكأس الإفريقية. وقد يطول بنا الحديث عن أسماء هؤلاء اللاّعبين، لكن هناك أسماء تستحقّ الذكر، ففي الماضي البعيد تألّق المالي ساليف كايتا، وبعدها الغاني عبد الرزاق وابيدي بيلي، ولا ننسى ماجر والكاميرونيين أبيغا وروجي ميلا والحارس نكونو وأنطوان بال، إضافة إلى النيجري رشيدي أكيني والزّامبي بواليا كالوتشا. في البرتغال ولدت كأس أمم إفريقيا لعلّ الكثير يتفاجأ بأن ميلاد الكأس الإفريقية كانت خارج القارّة الإفريقية، وبالضبط في القارّة الأوروبية في البرتغال، البلد الذي كان يسيطر على الكثير من البلدان الإفريقية وفي مقدّمة هذه البلدان البلد الذي سيكون له شرف استضافة العرض الإفريقي المقبل بأنغولا. بعد البطولة العالمية وكأس أمريكا اللاّتينية التي تعرف باسم (كوبا أمريكا)، وبعد تأسيس الكأس الأممية الأوروبية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان لزاما تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، فرغم أن جلّ البلدان الإفريقية تحت رحمة كبار المستعمرين الأوروبين إلاّ أن هذا لم يمنع من ميلاد الكأس الإفريقية. استغلّ عدد من كبار الشخصيات البارزة في عالم كرة القدم الإفريقية في العاصمة البرتغالية لشبونة يومي السابع والثامن من جوان خلال الاجتماع العادي للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في العاصمة البرتغالية لشبونة. فعلى هامش هذا الاجتماع الذي تمّ بفندق (أفينيدا) في البرتغال طرح كلّ من المصريين عبدا لعزيز سالم ومحمد لطيف والسودانيين عبد الحليم شداد وبدوي محمد وعبد الحليم محمد والجنوب إفريقي فرد ويل ليناقشوا فكرة تأسيس الاتحاد الإفريقي وإطلاق مسابقة بين المنتخبات القارّة الإفريقية. الاتّفاق التاريخي لميلاد كأس أمم إفريقيا جرى الاتّفاق على أن تكون السودان التي حصلت على استقلالها في مطلع شهر جانفي 1956 مقرّا لاستضافة البطولة الأولى. وبني ملعب جديد بالخرطوم خصّيصا لهذا السبب وافتتح في 30 سبتمبر 1956. انعقدت الجمعية التأسيسية بعد ثمانية أشهر في فندق (غران اوتيل) في الخرطوم قبل يومين من المباراة الافتتاحية للدورة الأولى، وفي نفس الوقت صيغت قوانين المسابقة وكانت المشاركة متاحة أمام منتخبات جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، كما جرى الاتّفاق على أن تقام البطولة كلّ عامين تحت إشراف لجنة التنظيم والدولة المضيفة. الدورة الأولى (السودان 1957): مصر تنتزع أوّل لقب إفريقي في العاشر من فيفري 1957 كانت ضربة البداية، حيث افتتح رئيس وزراء السودان سيد إسماعيل الأزهري أوّل بطولة إفريقية للمنتخبات بحضور أكثر من 30 ألف متفرّج بالملعب الأولمبي بمدينة أم درمان بالعاصمة السودانية الخرطوم. أدار المباراة الافتتاحية بين مصر والسودان الحكم الإثيوبي جيبيهو دوبي في البطولة التي شاركت فيها منتخبات مصر وإثيويبا والسودان وفازت فيها مصر على السودان (2-1). وسجّل هدفي المنتخب المصري رأفت عطية ومحمد دياب العطار، في حين سجّل صديق منزول هدف السودان الوحيد. أقيمت المباراة النّهائية في 15 من نفس الشهر وأدارها الحكم السوداني يوسف محمد وفازت فيها مصر على إثيوبيا بأربعة أهداف سجّلها الديبة، وسلّم المصري عبد العزيز عبد اللّه سالم الكأس التي حملت اسمه لقائد المنتخب المصري رأفت عطية ليتوّج المنتخب المصري بلقب البطولة الأولى. شارك في الدورة الأولى ثلاثة منتخبات، وهي منتخب مصر، منتخب السودان ومنتخب إثيوبيا، فيما منع في آخر لحظة منتخب جنوب إفريقيا من المشاركة في البطولة بسبب الميز العنصري الذي كان ينتهجه نظام هذا البلد ضد السود. انتزع لقب هدّاف البطولة المصري الديبة بخمسة أهداف، وقد شهدت البطولة تسجيل عشرة أهداف، سجّل منها المنتخب المصري سبعة أهداف كاملة. الدورة الثانية (مصر 1959): مصر تحتفظ بلقبها القارّي أقيمت بطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم في الفترة الممتدّة ما بين 22 و29 ماي 1959 بملعب النّادي الأهلي في القاهرة عام في مصر، وقد أقيمت البطولة بنظام المجموعة الواحدة. وقد شارك في هذه البطولة كلّ من منتخب مصر لكرة القدم ومنتخب السودان لكرة القدم ومنتخب إثيوبيا لكرة القدم، وهي نفس المنتخبات التي شاركت في الدورة الأولى في السودان، وكان تنظيم البطولة الثانية من نصيب مصر مقرّ الاتحاد الإفريقي. افتتح المنتخب المصري رحلة الدفاع عن لقبه بفوز ساحق على إثيوبيا بأربعة أهداف على المنتخب الإثيوبي، سجّل منها محمود الجوهري ثلاثة أهداف ثمّ ميمي الشربيني الهدف الرّابع، في حين فازت مصر في النّهائي على السودان بهدفين سجّلهما عصام بهيج مقابل هدف لصديق منزول أيضا، ليتوّج المنتخب المصري باللّقب الثاني له. انتزع لقب هدّاف البطولة المصري محمود الجوهري بثلاثة أهداف، فيما سجّل عصام بهيج هدفين، وسجّل كلّ من ميمي الشربيني وأدريسا مانزول هدفا. الدورة الثالثة (إثيوبيا 1962) إثيوبيا لأوّل مرّة ومصر تخسر تاجها نظرا للاتّفاق الذي تمّ إبرامه في أوّل اجتماع لأعضاء الاتحاد الإفريقي المؤسسين لكأس أمم إفريقيا، على أن تقام الدورات الثلاث الأولى بالتناوب بين البلدان الثلاثة المؤسسة لكأس أمم إفريقيا، فبعد أن احتضنت السودان الدورة الأولى عام 1957 ومصر الدورة الموالية عام 1986 جاء الدور لإثيوبيا التي نظمت البطولة الثالثة. كان لنجاح أوّل نسختين من كأس الأمم الفضل في جذب انتباه الدول الإفريقية المنضمّة حديثا إلى الاتحاد الإفريقي، فتمّ إجراء مرحلة تصفيات للمرّة الأولى للبطولة قبل إقامة النّهائيات في إثيوبيا التي جاء الدور عليها لاستضافة البطولة الثالثة بمشاركة أربعة منتخبات للمرّة الأولى أيضا، وذلك بانضمام تونس إلى الدول الثلاث المؤسسة للمسابقة. وشاركت دول عديدة في التصفيات التي أقيمت بنظام خروج المغلوب، وهي الطريقة الوحيدة المعروفة في ذلك الوقت، فخرجت نيجيريا وغانا والمغرب وكينيا والسودان من التصفيات ووصلت تونس وأوغندا إلى النّهائيات، بالإضافة إلى إثيوبيا البلد المنظم ومصر حامل اللّقب. تمّت إقامة البطولة بنظام خروج المغلوب فلعبت إثيوبيا مع تونس في الدور قبل النّهائي وتغلّبت عليها بنتيجة (4-2)، أمّا مصر فقد فازت على أوغندا بنتيجة (2-1)، وسجّل الهدفين صالح سليم وبدوي عبد الفتاح. فشلت مصر في الحفاظ على لقبها بعد التعادل مع إثيوبيا (2-2) خلال الوقت الأصلي للمباراة بهدفين لبدوي عبد الفتاح أيضا، لكن في الوقت الإضافي استطاع أصحاب الأرض تسجيل هدفين ليفوزوا باللّقاء بنتيجة (4-2)، وتغادر الكأس الإفريقية الأراضي المصرية للمرّة الأولى لتستقرّ جنوبا في بلاد الحبشة. واكتفت مصر بلقب هدّاف البطولة الذي ناله بدوي عبد الفتاح بالاشتراك مع الإثيوبي مانغستو. الدورة الرّابعة (غانا 1963) غانا تبكي مصر وتدوّن اسمها في السجِّل الإفريقي أقيمت الدورة الرّابعة ولأوّل مرّة خارج الدول الثلاث المؤسسة لكأس أمم إفريقيا، حيث أسندت إقامة البطولة إلى غانا. ولأوّل مرّة يترفّع عدد المنتخبات المشاركة في البطولة إلى ستّة منتخبات، ويتعلّق الأمر بكلّ من البلد المنظم غانا، وحاملة اللّقب إثيوبيا ومصر وتونس والسودان ونيجيريا. شهدت الأدوار التصفوية تأهّل تونس على حساب المغرب ونيجيريا على حساب غانا، فيما تأهّلت مصر على حساب أوغندا بعد انسحاب هذا الأخير، بينما تأهّل المنتخب السوداني على حساب المنتخب الكيني بعد انسحاب هذا الأخير كذلك. قسمت المنتخبات المشاركة إلى فوجين، حيث ضمّ الفوج الأوّل كلّ من غانا وتونس وإثيوبيا، فيما ضمّ الفوج الثاني كلاّ من نيجيريا والسودان ومصر. تصدّر المجموعة الأولى منظم البطولة المنتخب الغاني بأربع نقاط بتعادله في اللّقاء الأوّل أمام تونس هدف لمثله، فوز في اللّقاء الثاني على إثيوبيا بهدفين لصفر، فيما انتزع هذا الأخير المركز الثاني بفوزه على تونس (4/2) ليتأهّل إلى اللّقاء النّهائي المنتخب الغاني. أما المجموعة الثانية فقد تصدّرها المنتخب السوداني بفوزه على نيجيريا (4/0) وبتعادل من مصر (2/2)، ممّا مكّن هذا الأخير من بلوغ المباراة النّهائية بالرغم من الفوز الساحق الذي كان قد حقّقه المنتخب المصري في لقائه الأوّل على نيجيريا (6/3). قبل إقامة اللّقاء النّهائي لعبت المباراة الترتيبة بين مصر وإثيوبيا وانتهت بفوز منتخب الفراعنة (3/0). وفي النّهائي الذي أقيم في أكرا تغلّبت غانا بقيادة مدرّبها الأسطوري جيامفي على إثيوبيا (3-0) وفازت بالكأس للمرّة الأولى. وفاز المصري حسن الشاذلي بلقب هدّاف البطولة برصيد ستّة أهداف. تطالعون في الحلقة المقبلة: أين أقيمت البطولة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة؟ من توّج بها؟ منتخبات تحضر لأوّل مرّة وأخرى تقاطع... تلكم من بين الكثير والكثير من الحقائق التي ستعرفونها في الحلقة المقبلة من القصّة الكاملة لكأس أمم إفريقيا.