بدأ العد العكسي قبل أن تطفئ دورات كأس إفريقيا للأمم شمعتها التاسعة والعشرين، بانطلاق منافسات دورة جنوب إفريقيا المقررة من 19 جانفي إلى 10 من شهر فيفري المقبلين، والتي من المنتظر أن تحمل الكثير من المفاجآت باعتبارها ستشهد منافسة حادة بين القوى الكروية الكبرى التقليدية والقوى الكروية الجديدة، وكذا باعتبارها المسابقة التي تكتسي أهمية كبيرة وسط الجماهير المحبة للساحرة المستديرة عبر كامل قطر القارة السمراء، لذلك ارتأينا أن نسلط الضوء على كل الدورات منذ انطلاق المنافسة والتي كانت على الأراضي السودانية سنة 1957، حيث عرفت هذه الأخيرة تتويج المنتخب المصري بالطبعة الأولى لكن قبل ذلك سنتعرف على المسابقة ومن صاحب الفكرة وكيف جرى التنافس عليها. كأس قارية بمواصفات مونديالية لم تكد تشرق شمس الكرة الإفريقية مع نهاية القرن ال20 حتى اندهش الملاحظون لتطورها السريع والأشواط التي قطعتها في ظرف وجيز، إذ أصبحت تقف مع كل نهائيات كؤوس العالم ندا قويا وعنيدا أمام مثيلاتها في باقي القارات، بل إنها نجحت في التفوق عليها في أكثر من مناسبة، سواء تعلق الأمر بمنتخبات المغرب أو الجزائر أو الكاميرون أو نيجيريا، أو السينغال أو غانا، وهي كلها منتخبات إفريقية لقنت منتخبات عالمية دروسا لا تنسى في كرة القدم الحديثة، وباتت معظم بلدان العالم تتابع باهتمام بالغ مباريات كأس إفريقيا للأمم التي تقام كل سنتين، تحت إشراف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، إلى حد أنها تبدو وكأنها أكثر ارتباطا بالكرة الأوروبية، أي كأس إفريقية بملامح ومكونات أوروبية وربما حتى مونديالية. بطولة كأس الأمم الإفريقية تصنف في المركز الثالث عالميا كأس أمم إفريقيا لكرة القدم هي بطولة ينظمها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم كل عامين بين الدول الأفريقية المتأهلة من التصفيات لتحديد بطل القارة الأفريقية، وهي مصنفة على أنها البطولة الثالثة عبر العالم بعد كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية، لشدة منافساتها حيث تضم المنتخبات التي تتأهل إلى نهائيات البطولة نخبة من اللاعبين الأفارقة المحترفين في أفضل الأندية الأوروبية بالإضافة إلى أفضل اللاعبين داخل القارة الأفريقية، أنشأت هذه البطولة سنة 1957 وكانت أول دولة تستضيفها السودان. أربع دول إفريقية صاحبة فكرة العرس الإفريقي تعد بطولة كأس الأمم الأفريقية واحدة من كبريات البطولات القارية التي تنتظرها جماهير الكرة من انتهاء النسخة لبداية النسخة التي تليها، لما تمفله من إثارة ومتعة، و بداية فكرة تنظيم هذا العرس الإفريقي ترجع إلى أحد أيام شهر جانفي من عام 1956 حين شهدت مدينة «لشبونة» البرتغالية اجتماعات الاتحاد الدولي لكرة القدم، وحضر هذا المؤتمر أربع دول أفريقية هي مصر، والسودان، وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، حيث عرضت هذه الدول فكرة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في هذا التجمع، وذلك أثناء مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك. تقديم طلب العضوية عرف جرأة المصري عبدالله سالم عندما تقدمت الشخصيات الإفريقية لهيئة «الفيفا» بطلب إنشاء اتحاد إفريقي لكرة القدم، ناب عنها المهندس عبدالعزيز عبدالله سالم، وحيث عندما عرض الأمر على الاتحاد الدولي سخر منه المؤتمرون نظرا لقلة عدد الأعضاء الأفارقة في الاتحاد الذين كانوا يمارسون كرة القدم في تلك الحقبة، فلم تدرج كاتبة الاتحاد الدولي الطلب أصلا في جدول الأعمال، فما كان على عبد العزيز سالم إلا قلب الطاولة، بل هدد بالانسحاب من المؤتمر وقال: «إذا لم نكن نحن هنا على قدر المساواة مع أي بلد آخر يمارس كرة القدم، فلا داعي لوجودنا معكم»، وكان هذا الموقف الشجاع بمثابة قنبلة دوت وسط الجمع، ومما زاد موقف الاتحاد الدولي إحراجا قرار مندوب السودان محمد عبد الحليم الانسحاب هو الآخر تضامنا مع المندوب المصري ليتم في نهاية المطاف إدراج الطلب بإنشاء الاتحاد الإفريقي ضمن جدول الأعمال، لتتحول الكرة الإفريقية من محل سخرية إلى مثار إعجاب وتقدير، حيث أصبح اللاعبون الأفارقة يصولون ويجولون في الملاعب العالمية ويساهمون بصورة فعالة في صنع إنجازات وألقاب كبريات الأندية العالمية لاسيما الأوربية منها. عين كأول رئيس للاتحاد الإفريقي عقب انتهاء مؤتمر لشبونة عقدت الدول الأفريقية الأربعة العزم على الاجتماع مرة أخرى في الخرطوم في فيفري من العام الموالي، من أجل صياغة مشروع النظام الأساسي للاتحاد ومناقشة انطلاق أول بطولة لكأس الأمم الإفريقية، وفي غضون ذلك صوت بالفعل مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» المنعقد في مدينة «برن» بسويسرا للاعتراف بأفريقيا كاتحاد، مما أعطى قارة أفريقيا الحق في تعيين أول ممثل لها في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، وكان هذا العضو هو المهندس عبدالعزيز عبدالله سالم من جمهورية مصر العربية وهو أول رئيس للاتحاد الإفريقي الذي عين في ال10 فيفري من عام 1957. أربع شخصيات عربية كان لها الفضل في إنجاز هذا المحفل بعد انعقاد الجمعية التأسيسية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، تم التوقيع على القانون الدستوري له في مدينة الخرطوم في الثامن من شهر جوان 1957، كما تقررت إقامة أول بطولة لكأس الأمم الإفريقية وقد برهنت هذه البطولة على بداية انطلاق مغامرة مبهجة لا تزال مستمرة حتى اليوم، وذلك لأنها تحوي على عدد لا يحصى من اللحظات الرائعة التي لا تنسى، مما يساعد في تحديد الخصائص والسمات المرتبطة بكرة القدم الإفريقية، وفي هذا التجمع كان من بين الحضور المهندس عبدالعزيز عبدالله سالم أول رئيس للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ومحمد لطيف يوسف محمد من مصر، والدكتور عبد الحليم محمد وعبد الرحيم شداد بدوي محمد من السودان، ووليم فيل من جنوب أفريقيا، وأقترح الدكتور عبد الحليم محمد من السودان بأن تحتضن السودان البطولة الأولى بمناسبة حصولها على الاستقلال في جانفي من عام 1956 ووافق الحاضرون على الاقتراح وأسندت البطولة بالفعل للسودان. الدورة شهدت مشاركة أربع دول فقط تم الاتفاق على إطلاق اسم كأس الأمم الأفريقية على البطولة، كما تم الاتفاق على تقديم كأس تحمل اسم عبد العزيز عبدالله سالم أول رئيس للاتحاد المصري لكرة القدم والاتحاد الأفريقي، كما تقرر أن يكون نظام المشاركة في أول عرس إفريقي كنظام مفتوح لجميع دول إفريقيا، لكن لم يتجاوز في ذلك الوقت أربعة منتخبات هي مصر وجنوب إفريقيا والسودان وأثيوبيا، وهي البلدان الوحيدة التي أبدت استعدادها للمشاركة. ثلاثة أرباع دول إفريقيا كانت تعاني ويلات الاستعمار لم تلق النسخة الأولى من بطولة أمم إفريقيا الاهتمام المتوقع من معظم دول القارة السمراء، والسبب الوحيد في مقاطعة هذا المحفل القاري هو أن أفريقيا ظلت حتى منتصف القرن العشرين، مسرحا للتنافس الاستعماري لعدد من الدول الأوروبية، التي كانت على رأسها فرنسا بريطانيا، إسبانيا والبرتغال، والتي سيطرت عليها واستغلت مواردها المختلفة، حتى شهد بداية عقد الستينات استقلال خمس عشرة دولة، ثم ازداد هذا العدد إلى أن استقلت معظم دول أفريقيا. جنوب إفريقيا تحدث المفاجأة وتعلن انسحابها بعد أن تأكد أن أربعة منتخبات فقط ستشارك في أول نسخة لكأس أمم إفريقيا، نظم القائمون على شؤون تلك الدورة قرعة مباشرة للدور نصف النهائي والتي أوقعت مصر في مواجهة البلد المنظم السودان، ومنتخب جنوب إفريقيا أمام إثيوبيا، لكن عند البداية انسحبت جنوب إفريقيا لتكون المشاركة بثلاثة منتخبات فقط وكانت هذه أول حالة انسحاب، وهو الأمر الذي أهل منتخب إثيوبيا مباشرة إلى النهائي. التمييز العنصري سبب انسحاب منتخب ال «بافانا بافنا» لقد كان لانسحاب بلد رأس الرجاء الصالح «جنوب إفريقيا» حكاية تعود إلى إجراء قرعة البطولة من قبل اللجنة المنظمة التي ترأسها المصري عبد العزيز عبدالله سالم، وقد طلب ممثلو منتخب جنوب إفريقيا مخاطبة المسؤولين في بلادهم لتحديد لون اللاعبين الذين سيلعبون باسم البلاد، بحيث يكون إما من البيض أو السود، وهو الكلام الذي أغضب اللجنة المنظمة الرافضة للتمييز العنصري، حيث تفاقمت الأمور وكادت أن تلغى الدورة لكن إصرار المصريين والسودانيين على إنجاح الدورة كان الغالب وينسحب ال»بافانا بافا»من الدورة بدون أي ضرر. رأفت عطية أول لاعب سجل في العرس الإفريقي بعد تأهل منتخب أثيوبيا دون عناء لأول نهائي للكأس الإفريقية، لعبت بذلك أول مباراة في تاريخ البطولة بين مصر والسودان في العاشر من شهر فيفري عام 1957، وسجل رأفت عطية مهاجم الزمالك والمنتخب المصري وقتها اسمه بأحرف من ذهب في سجلات كرة القدم الأفريقية بتسجيله أول هدف في تاريخ البطولة الذي جاء عن طريق ركلة جزاء وأحرز هدف الفوز محمد دياب العطار الملقب ب»الديبة»، وانتهت المباراة بفوز مصر بهدفين مقابل هدف. مصر تسحق إثيوبيا في المباراة النهائية و«الديبة» هداف البطولة تأهلت مصر إلى المباراة النهاية لملاقاة منتخب إثيوبيا، في المواجهة التي شهدها الملعب البلدي للمدينة الخرطوم السودانية، وحقق الفراعنة فيها انتصارا كاسحا بنتيجة أربعة أهداف دون رد، سجلت جميعا من طرف المهاجم محمد دياب العطار، ليهدي بلاده أول كأس افريقية أقيمت على أراضي عربية، «الديبة» كما لقبه المصريون سجل اسمه من خلال هذه الدورة كأول هداف في البطولة التي حصل من خلالها على لقب الهداف برصيد خمسة أهداف، ليكتب اسمه في التاريخ كأول هداف إفريقي لهذه البطولة. مراد فهمي أول مدرب يحرز اللقب سجل المدرب المصري لمنتخب الفراعنة مراد فهمي الذي قاد منتخب بلاده لإحراز أول لقب للبلد الملقب «بأم الدنيا»، اسمه كأول مدرب عربي وإفريقي يحقق التاج الإفريقي في تاريخ البطولة رغم أن الدورة أقيمت من خلال مقابلتين، لكن إفريقيا كلها شهدت له بهذا الإنجاز. محمد يوسف أول حكم يدير اللقاء النهائي شهد نهائي كأس الأمم الإفريقية التي أقيمت في السودان عام 1957 نيل الصافرة العربية شرف إدارة نهائي أول نسخة في هذه البطولة، حيث أدار الحكم السوداني محمد يوسف مباراة منتخبي مصر وإثيوبيا، ليكتب اسمه كأول حكم عربي إفريقي يدير أول نهائي للعرس الإفريقي في طبعته الأولى. … فهكذا كانت نقطة البداية لأجمل قصة اسمها العرس الإفريقي الذي يجمع كل دول القارة السمراء في منافسة تطورت مع تطور الكرة على المستوى العالمي، والتي سنوافي قراءنا الكرام في كل حلقة من خلال أعدادنا القادمة كل كبيرة وصغيرة عن مختلف الدورات ال27 المتبقية لكأس أمم إفريقيا.