في الذكرى ال20 لاغتياله روح الطاهر جاووت "تحلق" فوق أزفون عادت هذا الأسبوع روح الراحل (الطاهر جاووت) الصحفي والكاتب الذي أنهت حياته أيادي الغدر يوم 26 ماي 1993 برصاصات كانت السبيل الوحيد لقناصي المفكرين لإيقاف تدفق حبر هذا الرجل، عادت إلى أزفون التي جادت به على الساحة الفكرية وأنجبت رجلا لم يكن لرحيله ليقضي على أعماله أو تأثيره في مجاله حينها واستمراره بعد المرحلة التي كانت سببا في اغتياله، صاحب مقولة سار على دربها وأبقاها بعده حين قال (إذا تكلمت تموت، وإن صمت تموت فتكلم ومت) لم تكن الظروف الأمنية المضطربة خلال عشرية الدمار والخراب الذي ساد الجزائر وجعل رائحة الموت تخيم على سمائها وتستهدف مفكريها بالدرجة الأولى، الظروف التي جعلت ابن ازفون يشحن بطريات فكره ويستل قلمه دفاعا عن وطن لم تكتمل فرحة شعبه باستقلال انتزع من مستعمر استعبده واستبده لقرابة قرن ونصف لتعصف به أزمة أمنية داخلية، أعادته سنوات للوراء مخلفة دمار وهلاك كبيرين، أزمة لم يكن الكثير ليصمدوا أمامها، وظروف جعلت (الطاهر جاووت) يكون عبدا للروح الوطنية ويرضخ لها بكل أمانة مقدما روحه فداء للوطن، خدمة له بالقلم الذي كان يحمله في يده وجها لوجه مع آلات الدمار التي أدخلت الجزائر في عزلة ودوامة كانت حينها بحاجة لرجال فكر وعلم أكثر من غيرهم. وولد هذا الرجل الفذ الذي لم يكن يختلف بنضاله الفكري عن نضال الشهداء والمجاهدين ضد المستعمر الفرنسي، بتاريخ 11 جانفي 1954 بقرية ابحريان بازفون، تلقى تعليمه في المنطقة قبل أن يتنقل للعاصمة لمواصلة الدراسة الجامعية أين حصل على شهادة ليسانس في الرياضيات، ورغم بعد اختصاصه عن مجال الأدب والكتابة، إلا أن ولعه بالشعر وضعفه اأمام القلم، جعلاه يتوجه للتخصص في الصحافة، فخلقت منه موهبته التي رافقته من الصغر والروح الوطنية التي أسرته خلال العشرية السوداء، قلما تطلبت الكلمات التي يخطها العمل على تصفيته نهائيا بعدما أصبح يمثل خطرا حقيقيا على زارعي الظلم والسواد، لم يكن تنوير الرأي العام وكشف الحقائق التي كان يتجرأ (الطاهر جاووت) على كشفها تروق لهؤلاء. قبل رحيله أثرى المكتبة الوطنية بعدد من الروايات والدواوين، وفي عام 1993 أصدر مجلة (القطيعة) التي كانت ردا مباشرا من الإعلاميين الجزائريين على آلة الدمار التي كانت تمارس التعتيم والتقتيل، وكانت الكتابات الجريئة والمدوية التي تنشر في هذه المجلة، ممهدة لطريق الموت ناحيته، لتحصده أيادي الغدر بتاريخ 03 جوان 1993 بعد أسبوع قضاه في الإنعاش بعدما استقرت رصاصتين في رأسه المتمرد على الظلم والقهر والذي قاده للمجد رغم كونه السبب المباشر في تصفيته، لتكون بذلك أزفون قد أضافت لسجلها الزاخر بتاريخ أبنائها البواسل اسما لامعا لرجل من ذهب، لم يكن الموت ليمنع روائعه ومسيرته الحافلة عن الاستمرار بمر الزمن.