يتحمل المسلمون في فرنسا مشقة صيام يدوم 18 ساعة يوميا، لكن كعادته يخلق شهر رمضان الفضيل بهجة بمختلف المدن في بلاد تحتل الديانة الإسلامية فيها المرتبة الثانية بعد الديانة المسيحية. وتستحضر الجالية المسلمة التي يبلغ عددها خمسة ملايين نسمة (2.1 مليون منهم تتراوح أعمارهم بين 18 وخمسين سنة)، الأجواء الروحية لهذا الشهر من خلال ممارسة الشعائر الدينية والتضامن الاجتماعي. ويرتبط رمضان في فرنسا بأكثر الأحياء الشعبية في العاصمة باريس ذات الغالبية المغاربية، فأحياء (باربيس) و(بال فيل) و(منيل مونتو) تكتظ بالمتسوقين من المسلمين والسياح الذين تجلبهم رائحة التوابل والحلويات و(المشاوي)، فيما يتزايد عدد التجار التونسيين منذ سقوط نظام بن علي، وأغلبهم من حاملي بطاقة اللجوء الإنساني. وخلال رمضان تتنافس الجمعيات العربية والإسلامية على توزيع وجبات مجانية للفقراء والمهاجرين غير الشرعيين، ومن ذلك خيمة (شوربة للجميع) التي تعتمد على تبرعات المواطنين باختلاف دياناتهم لخلق جو من التعايش داخل المجتمع الواحد ويؤمها يوميا 700 شخص. ويرى المسلمون بفرنسا في رمضان فرصة للتصدي لظاهرة (العداء) ضدهم والتي تقودها التيارات المتطرفة التي -وإن قلت وتيرتها منذ وصول الاشتراكيين لسدة الحكم منذ سنة- ما زالت تسجل حالات كضرب امرأة متحجبة في جوان المنصرم، وما عرفته ضاحية ترايب من أحداث عنف إثر تعرض امرأة منقبة للتفتيش من قبل الشرطة مؤخرا. ويصف ممثلو الديانة الإسلامية مجمل الأحداث السابقة بالاستفزازية، فيما يؤكد إمام مسجد باريس جيلالي بوزيدي أن الجالية المسلمة واعية بضرورة صدها سلميا. وعن أجواء رمضان، يشير بوزيدي إلى تزايد أعداد الوافدين الشباب إلى المسجد لصلاة التراويح حتى وصلت إلى قرابة ألف مصل يوميا. وذكر أنه تم تخصيص (موائد الرحمن) للإفطار واستقبال الجميع باختلاف دياناتهم لتعريفهم بصورة الإسلام الحقيقية، معبرا عن سعادته لحضور وزير الداخلية الفرنسي حفل الإفطار في اليوم الثامن من رمضان. واعتمدت معظم شركات الاتصالات الفرنسية تقنيات عدة للإعلان عن مواعيد الإفطار والإمساك. فالقناة التلفزيونية (لا لوكال) تبث الأذان طيلة الشهر كسابقة في الدولة العلمانية. كما تقدم وسائل الإعلام الناطقة بالعربية برامجها لتتواءم مع حلول رمضان. وتقول المذيعة آمال بيروك إن إذاعة شمس التي تعمل بها تخص رمضان منذ تأسيسها عام 1981 ببرامج ثقافية ودينية، وتبث الموسيقى العربية. وأضافت أن المقاهي والفضاءات الثقافية الشرقية كمقهى بارباس وبابل الشهيرين بباريس تنظم سهرات لموسيقى القناوي والشعبي والجاز. وذكر أن المطاعم تضع على طاولاتها تزامنا مع دنو الغروب حبات من التمر واللبن لجلب الزبائن الصائمين إليها، إضافة إلى وجباتهم المفضلة كالشوربة والحلويات الشرقية. وبدورهم يستغل الموسيقيون المتجولون فرصة الإفطار وسهرات الشاي إلى غاية الفجر لتقديم أغان تراثية لاستثارة (نوستالجيا) بعض الزبائن لبلدانهم الأصلية فيغدقون عليهم ببعض الدريهمات.