وهران: استكمال المرحلة الأخيرة من إنشاء الرصيف الاصطناعي بخليج بوسفر    إحباط إدخال 9 قناطير من الكيف المعالج قادمة من المغرب    عقب جلسة التصويت على مشروع قانون المالية لسنة ،2025،فايد:    على مجلس الأمن"العمل بحزم"لفرض وقف إطلاق النار    التصريحات المنسوبة لرئيس الجمهورية لا أساس لها من الصحة    بعيدا عن هموم مهنة المتاعب..!؟    الدعوة إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تعترف بحق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال    اهتمام إفريقي كبير بالقطاع الطاقوي الجزائري    طاقة ومناجم: عرقاب يبحث مع نظيره الايفواري فرص تعزيز التعاون الثنائي    بحث تطورات جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين ولبنان    السيد مراد يشرف على تنصيب والي تيارت الجديد    محمد مازوني في ذمة الله    مثقفون ألمان يطالبون حكومة بلادهم بوقف دعم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية على غزة    حكم إيفواري يدير لقاء الجزائر    بداري يهنئ بطلة إفريقيا نريمان حلفاوي    مجلس الأمة يناقش مشروع قانون المالية    لجنة تنظيم البورصة : منح الضوء الأخضر لإصدار قرض سندي لشركة المغاربية للإيجار المالي الجزائر    كأس افريقيا-2025 لأقل من 17 سنة /مصر- الجزائر : ''الخضر'' مطالبون بالتدارك أمام "الفراعنة"    بغلاف مالي قيمته 2.56 مليار دج: سوناطراك تموّل مشروع إعادة تأهيل الطريق الوطني رقم 3 بورقلة    النائب ليلى اليازيدي : الجزائر وضعت تشريعات وسياسات فعالة لحماية المسنين    إبرام اتفاق شراكة بين الهلال الأحمر الجزائري وجمعية الفجر لمساعدة المصابين بداء السرطان    اجتماع الحكومة: الوقوف على التقدم الحاصل في مجال تحسين وعصرنة الخدمات والمرافق العمومية    إعلان قيام دولة فلسطين بالجزائر شكل مرحلة مفصلية حاسمة في تاريخ القضية الفلسطينية    ميلة: استهداف زراعة أزيد من 7000 هكتار من البقول الجافة خلال الموسم الفلاحي 2024-2025    صالون الكتاب: مشاركة المجلس الوطني لحقوق الانسان تهدف الى المساهمة في تعزيز نشر ثقافة حقوق الانسان    مشاركون في ندوة "الصوفية إرث وحضارة" : الزوايا قاومت الإستعمار.. وإرثها التراثي والحضاري لا يمكن تجاهله    حماية التراث الثقافي اللامادي : الجزائر شاركت بشكل فعال في صياغة اتفاقية اليونسكو    يعد الشخصيات البارزة في المجال الإنساني والصوفي..الأمير عبد القادر نظّر لقيم المحبة فكريا وشرعيا وأصّل لها    لجنة مشتركة لمتابعة تهيئة شبكة السكة الحديدية    حملة وطنية للتبرع بالدم    إعادة إدماج مئات المشرّدين في عائلاتهم    الحرب الصهيونية على الأونروا أم على حق العودة للاجئين؟    الخضر يطيرون إلى غينيا الاستوائية    الجزائر تحتضن الطبعة الأولى للألعاب الإفريقية    الغرب يروّج ل خطر وهمي ويسعى إلى السيطرة    إطلاق أول برمجان وطني مخصص للابتكار التكنولوجي    الجهاد في سبيل الله    رياضة: اللجنة الأولمبية الرياضية الجزائرية تنظم مهرجان الرياضات الأولمبية الجديدة    بن جامع يترأس اجتماعاً أممياً    مراقبة طبية لتلاميذ الأطوار التعليمية الثلاثة    نجاح دورة وهران فخر للجزائر وسنستمر في التطوير والتكوين    شهادات حية عن قهر السجّان وإقرار بتجدّد المقاومة    مشكلة جديدة بين إدارة الأهلي المصري وقندوسي    هناك أوجه مختلفة للعلاج من الإدمان    هروين بزجاج النيون و"التشوشنة" بعظام الموتى وطقوس السحر الإفريقي    تجربة طنغور تجاوز للمعيش وهروب من العباءة الكولونيالية    مصالح الأمن بالمرصاد لعصابات الإجرام    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    تشبّت بالأرض عنوانه الصمود    الجغرافيا في حياة الفلسطيني مؤقتة    إنتاج أدوية السرطان أولوية    سكري الاطفال: يوم تكوين متواصل حول الوقاية من الحمض الكيتوني السكري    رقم أعمال مجمع صيدال سيرتفع الى نحو 23 مليار دج بنهاية 2024    وزير الصحة يتفقد مركز طب الأورام للأطفال بمستشفى لمين دباغين بالعاصمة    دعوة لتطوير الممارسة الصيدلانية في الجزائر    إلا أن يتغمدنا الله برحمته    من فضائل الدعاء وآدابه    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفكير المستقيم
نشر في أخبار اليوم يوم 13 - 08 - 2013

التفكير نعمة ربانية وهبها الله للإنسان، ومن شُكر النعمة أن نتحدث بها، قال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ) [أحمد والترمذي]، وقال في شأن قصر الصلاة - ثم صارت مقولته قاعدة مستمرة -: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ) [أحمد ومسلم وأبو داود]. والدليل على أن التفكير نعمة أننا قد أُمرنا به في حياتنا كلها وفي القرآن {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]، فربط بين الالتزام بالأوامر والنواهي في العقيدة والشريعة والأخلاق، وبين التفكر الذي هو الأساس في الفهم.
والفكر: ترتيب أمور معلومة يتوصل الإنسان بها إلى مجهول. والأمور المعلومة تكون في صورة جملة مفيدة، يضم الفكر جملة مع جملة ويربط بينها ويخرج بنتيجة منهما، وكل جملة مفيدة قد تخبر عن واقع وقد تعبر عن طلب، والتفكير المستقيم يبدأ من البحث في الجملة التي تخبر عن واقع ويأخذ في التأكد من صحتها وإلا اتجه الفكر إلى الخرافة فلا يكون مستقيمًا. وكل جملة مفيدة لها مجال، وكل مجال له طريقة في اثباته، ودليل يبرهن على صحته ومعيار للقبول والرد بشأنه.
فهناك أمور تعود إلى الحس والتجريب مثل جملة: النار محرقة، الشمس مشرقة، ودليل هذه الأمور يكون بإدراك الحس أو بالخبر المتواتر الموثوق به، وهناك أمور أخرى تعود إلى العقل مثل حقائق الرياضيات، وهناك أمور تعود إلى النقل مثل أحكام اللغة وأحكام الشريعة، وكل ذلك يحتاج إلى منهج من التجربة والملاحظة والاستنتاج وتكرار ذلك مرات حتى تستقر في الذهن حقيقتها وتكون صالحة للاستعمال، ويسمي المناطِقة الجملة المفيدة: (النسبة التامة) وتُعَرَِف بأنها: (اثبات أمر لأمر أو نفيه عنه) فإذا كانت الجملة عادية حسية أضافوا عبارة (بناء على التكرار) وإذا كانت نقلية قالوا: (بناء على وضع الواضع) وإذا كانت عقلية قالوا: (غير معتمدة على تكرار ولا وضع واضع.)
ومن صور الانحراف عن التفكير المستقيم أن نبحث عن دليل لمسألة عقلية في النقل، أو عن مسألة حسية في العقل، أو عن مسألة نقلية في الحس، والذي يضبط كل ذلك هو العلم، والعلم في التعريف العربي لا يقتصر على المعنى المترجم لكلمة Science الذي قصر العلم على التجريب فقط؛ وإنما يعني القدر التعييني من المعرفة، وبذلك فهو يفرق بين القطعي والظني ويعلم حدود كل واحد منهما. والخلط بين القطعي والظني من مظاهر التفكير المعوج، والخلط بين مجال الحس والعقل والنقل وعدم التمييز بينها من مظاهر التفكير المعوج، والسير خبط عشواء من غير اتضاح كيفية الاستفادة من كل المجالات؛ لأنها تمثل الواقع المعيش - من مظاهر التفكير المعوج، واحتقار مجال على حساب مجال آخر من مظاهر التفكير المعوج.
والتفكير المعوج يؤدي بنا إلى الغُثائية، ويؤدي بنا إلى عقلية الخرافة، وإلى منهج الكذب باعتباره هو مخالفة الواقع أو هو مخالفة الواقع والاعتقاد، ولذلك أُطلق الكذب في لغة قريش على الخطأ، كما قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم في يوم فتح مكة: (كذب سعد) عندما قال سعد بن عبادة: اليوم يوم الملحمة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (بل اليوم يوم المرحمة) وكذب هنا بمعنى أخطأ فيما قال، فعزله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القيادة، وعين ابنه قيسًا مكانه. إن التفكير المعوج يجعل الناس تعيش في أوهام، وإذا شاع هذا التفكير اختلت الأمور وكان ذلك أكبر عائق أمام التنمية البشرية وأمام الإبداع الإنساني وأمام التقدم والأخذ بزمام الأمور، وأمام العلم وأمام تحصيل القوة، وإذا كان كذلك فشلت كل محاولات الإصلاح وشاعت الغوغائية والعشوائية.
وإذا ما قارنا حالنا مع الفكر المستقيم والفكر المعوج - مع حال أسلافنا؛ حيث بنيت الحضارة ونفعت الإنسان في كل مكان؛ لوجدنا أنهم قد تبنوا الفكر المستقيم وحاربوا بكل قوة الفكر المعوج، وإذا ما قارنا حالنا في ذلك مع حال الحضارة الغربية وجدناهم أيضا قد حاربوا الفكر المعوج ورفضوه، ومن مظاهر رفضه قضية التخصص والمرجعية، فقد آمنوا بالتخصص وآمنوا بالمرجعية ولم تعد شخصية (أبو العُرِّيف) التي شاعت في الثقافة الشعبية شخصية محببة أو طريفة، بل هي شخصية غاية في التخلف والانحطاط، ويمثل الكذب عندهم سواء عند السلف أو عند الغرب قيمة سلبية يُحاسب عليها من يرتكبها على جميع المستويات ويكون الكذب جريمة إذا ما صدر من مسئول أو متصدر لخدمة الناس.
وتحت فكرة احترام المرجعية تم التفريق بين الحقائق والآراء، فليس هناك وجهات نظر في الأمور التي تحتاج إلى تجربة وحس، وجهات النظر تكون في معالجة رعاية شؤون الأمة، وتكون في مجال يحتمل الآراء، سواء من أهل التخصص أو كان من عموم الناظرين والكاتبين، ولابد أن يؤسس الرأي حتى يكون محترمًا - على الفكر المستقيم، ولابد أن يتغيا أيضا النفع والصالح العام، فإذا خرج عن الفكر المستقيم أو تغيا الشر والفساد، فهو مردود على صاحبه مهجور يجب اجتنابه.
يبدو أن هذه الحقائق البسيطة المتفق عليها يصعب على كثير من الناس اتباعها، ولا يستطيعون إلا أن يسيروا في نزقهم الفكري وتكبرهم المهني بصورة بشعة تفقد مصداقية الكلمة وينهار معها أسلوب الخطاب.
إن الإصرار على اتباع التفكير المعوج الغثائي والتدخل في التخصصات المختلفة بصورة تجمع بين الجهل وبين الكبر، يجب أن تحارب بصورة منتظمة ابتداء من مناهج التعليم وانتهاء بالإعلام؛ حتى نعود إلى الأمل في تغيير حالنا {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، ويجب أن نعلم جميعا أن الفقه الإسلامي علم من العلوم عرّفه العلماء بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية)، وهو علم له مسائله وله مناهجه وله أدواته وله مساقاته الدراسية، وله مدارسه الفكرية، وله علومه المساعدة، وله فوائده ونتائجه، وأنه ليس سبيلا يرده كل من أراد أو فكر دون اعتماد على ذلك العلم، هو علم لا يعرف العنصرية ولا يريدها، فكل ذكر أو أنثى وكل أبيض أو أسود له أن يخوض طريق ذلك العلم، ولكن لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يتعدى حدوده وأن يقول فيه ما ليس له أن يقول، ليس من الليبرالية أن تعترض على علم الكيمياء فيما توصَّل إليه بمناهجه وأدواته، وليس من الليبرالية أن تتدخل في الطب وتعرض آراء الناس فيه، بل هذا من عقلية الرُّكة والخرافة التي تجر العلم إلى الانطباعات والرغبات والشهوات ووجهات النظر، وليس هذا بحاله، والفقه علم من العلوم من تعامل معه بهذه الطريقة استجلب للعارف بالحقيقة الضحك الممتزج بالبكاء فإن شر البلية ما يضحك.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، وهذه الأخيرة من المهمات العظام {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}واشتد تحذير الله لنا من هذا الطريق المهلك حيث يقول: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [يونس:17].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.