الجزائر أمانة.. حافظوا عليها كانت الجزائر قبل 59 سنة من الآن على موعد مع اندلاع شرارة الثورة الجزائرية المجيدة في 1 نوفمبر 1954 لتحرير الوطن من بطش الاستعمار الغاشم الذي كان كالجرّار المدمّر وكالنّار العاتية تلتهم كلّ ما تجده أمامها، وكان فتيل الثورة بمثابة عنوان للأمل من أجل التخلّص من الجرثومة التي علقت بوطننا آنذاك، وكان ختامها مسك ونالت الجزائر الاستقلال في 5 جويلية 1962، أي بعد حرب دامية تزيد عن 7 سنوات كلفت الجزائر مليونا ونصف مليون شهيد. في الذكرى ال 59 لاندلاع ثورة التحرير استغلّ عدد من المجاهدين الفرصة وركّزوا في تصريحاتهم وكلامهم على توجيه رسالة للشباب النّاشئ، داعين إيّاه إلى ضرورة العمل بجدّ وإخلاص من أجل الحفاظ على مكانة وسمعة الجزائر التي تعدّ أمانة تتوارثها الأجيال بين الدول، ومن جانب آخر حثّهم على الاجتهاد في تشييد الوطن الذي اعتبره البعض من المجاهدين الجهاد الأكبر كونه أصعب من الجهاد الأصغر الذي هو الثورة التحريرية المجيدة التي افتداها الجزائريون بالنفس والنفيس. "الجزائر بخير.. علينا بالعمل ثمّ العمل فقط" أكّد المجاهد ورئيس جمعية قدماء الكشافة الإسلامية مسعود ثوابتي في لقاء له مع (أخبار اليوم) أن الجزائر حاليا بخير 100 بالمائة قائلا: (لا يمكننا إنكار كلّ ما نراه مجسّدا على أرض الواقع منذ الاستقلال إلى يومنا هذا)، مضيفا أن القنوات العربية والإعلام الخارجي ككل شوّه صورة الجزائر أمام العالم وأمام أبنائها قائلا: (الحمد للّه لدينا بلد جيّد ومتقدّم رغم كلّ ما قيل عنه)، موضّحا: (لمّا نقارن بيننا وبين الأوروبيين الذين لديهم قرون تحضير قبلنا ما بين 4 أو 5 قرون، ونحن في نصف قرن لا يمكننا الارتقاء إلى تطورهم إلاّ بالعمل). في هذا الشأن قال المجاهد مسعود ثوابتي إن الجزائر عندما أخذت استقلالها كانت منهكة من الحرب وخرجت بنسبة أمِّيّة تقارب 95 بالمائة، بمعنى أن أغلبية الشعب الجزائري لم يكن يعرف يكتب اسمه، وأبدى المجاهد تفاؤله من الوقت الرّاهن قائلا (إن الكثير من الأشياء تغيّرت إلى الأحسن منذ ذلك الوقت، خاصّة في العشر سنوات الأخيرة)، مستدلاّ بالسدود التي شيّدت والطرق التي أنجزت والمشاريع التنموية التي من شأنها أن ترفع راية الجزائر، سواء من قبل الدولة إو الخواص. وطالب ثوابتي الشباب بضرورة العمل والالتفات إلى وطنهم بدل الجري وراء الأحلام الزّائفة التي يوهمهم الغرب بها، مشدّدا على التمسّك بالعمل في شتى المجالات لازدهار الجزائر. وذكر المتحدّث ذاته أن دوره كمجاهد وككشفي يكمن في توعية الشباب بضرورة الاهتمام بالجزائر والتخلهص من سيناريو (الحرّافة) نهائيا، موضّحا أن شباب الجزائر لهم رغبة قوية في ترقية وطنهم ولا يرغبون في الرّكوض خلف البحار ليعملوا ذليلين عند الغرب، مردفا أن من يقوم ب (الحرفة) لديه إمّا مشاكل عائلية أو شيئا من هذا القبيل. وأكّد ثوابتي أن الشيء الذي لابد أن نعلمه هو أن الثورة في حدّ ذاتها كانت بالنّسبة للمجاهدين والشهداء الإبرار جهادا أصغر لكن الجهاد الأكبر هو تشييد الجزائر، مبرزا أن الجهاد الأصغر دفعت الجزائر ثمنه أرواح غالية لكن هذا الأمر لم يحبط من عزيمة الجزائريين، لذا من واجبنا أن نحترمهم ونوعي الشباب الذي هو مجاهد اليوم بوجوب التحلّي بالرّوح الوطنية. وفي ردّه على الرسالة التي يوجّهها المجاهد للنشء الصاعد ردّ ثوابتي بأن الرسالة التي تقدّم للشباب لا تقتصر على الكلام فقط، بل تستلزم العمل الميداني، وفي هذا الإطار توجّه المتحدّث إلى الشباب قائلا: (مستقبل الجزائر زاهر لابد من معرفة الطريقة الأنسب فقط لاستغلاله). وعن الطريقة المثلى التي يجب انتهاجها من قِبل المجاهدين لتبليغ الشباب عن المعاناة التي عاشها أباؤنا وأجدادنا قال المجاهد الكشفي مسعود ثوابتي: (لقد دامت طرقة التبليغ في الجزائر أكثر من 30 سنة تقتصر على كلمة ممنوع ممنوع فقط)، مفسّرا ذلك بأن أغلبية النّاس في هذه الفترة كان ممنوعا عليهم الانخراط أو الانضمام إلى الحياة الجمعوية التي من شأنها حسبه التبليغ والإعلام عمّا فات إبّان ثورة التحرير الوطنية، وتأسّف لأن هناك جمعيات في الجزائر غرضها جمع المال من وزارة الداخلية على حساب التاريخ الجزائري وجعله يذهب في مهبّ الرّيح. "الذاكرة الوطنية في خطر.. فاحموها" شدّد المجاهدون المشاركون في لقاء نُظّم أمس الأربعاء بوهران على ضرورة الإسراع في تدوين شهادات كله من شارك في ثورة التحرير الوطنية من أجل كتابة التاريخ بشكل سليم والمحافظة على الذاكرة الوطنية. وأشار هؤلاء المجاهدون خلال لقاء نظّمته جامعة وهران بمناسبة إحياء الذكرى ال 59 لاندلاع ثورة أوّل نوفمبر 1954 إلى أنه (يستوجب تفعيل جمع شهادات الفاعلين من مجاهدين ومسبّلين وغيرهم ممّن شاركوا من قريب أو من بعيد بأيّ شيء يمتّ بصلة إلى الثورة التحريرية من أجل تدوين شهاداتهم بغية حمايتها من التشويه). وفي هذا الصدد أوضع المجاهد طالب محمد الذي كافح في الولاية التاريخية الخامسة أن كتابة التاريخ (تعدّ ضرورة حتمية في الوقت الرّاهن، خاصّة في ظلّ رحيل العديد من الوجوه الثورية التي كان بإمكانها الإدلاء بشهادات حيّة عن وقائع ثورة التحرير). وقال هذا المجاهد (إن تدوين شهادات المجاهدين من مصدرها يمنع الوقوع في بعض التحريفات أو المغالطات)، مشيرا إلى أن (ما يتمّ حاليا من جمع الشهادات غير كاف كون المسؤولين عنه لم يصلوا إلى المجاهدين الذين يعيشون في صمت في الجبال والمداشر وهم حتما لديهم الكثير مما يقولونه حول هذه المرحلة الهامة من تاريخ الوطن). من جانبه، شدّد المجاهد بوزياني محمد المدعو (بلعرج) على أهمّية (تدوين) أحداث ثورة أوّل نوفمبر 1954 حتى يبقى ذلك (نبراسا يضيء الطريق للأجيال القادمة لمواصلة حمل رسالة الشهداء)، مشيرا إلى أن كتابة وقائع وأحداث الثورة (لابد أن يتمّ من قِبل المختصّين وهم المؤرّخون دون غيرهم بعد أن تقدّم لهم الوثائق والشهادات الحية)، وذكر أيضا أن تدوين الشهادات يسمح بأن يكون في متناول الجزائر خزّان معتبر من المعلومات والحقائق، داعيا إلى تحويل الشهادات الشفوية إلى (كتابات تاريخية قبل رحيل المجاهدين)، قائلا (إن عددا كبيرا من صنّاع مجد الجزائر غادرونا حاملين معهم كنوزا وأسرارا كان يمكن توظيفها لإثراء كتابة تاريخ ثورتنا المجيدة). وقد تمّ في هذا اللّقاء تكريم المتدخّلين بالإضافة إلى مجاهدين آخرين. "لقد أوقعوا شبابنا في فخّ القطيعة مع الماضي" في إطار تقييمه لمسار الجزائر بعد الاستقلال أكّد الدكتور في التاريخ وعضو المجلس الدستوري سابقا عامر رخيلة في اتّصال هاتفي له مع (أخبار اليوم) أن مسار الجزائر بعد الاستقلال هو كمسار أيّ دولة كانت فاقدة لوجودها واسترجعت سيادتها، قائلا: (صحيح عشنا حالة ضياع بين الوفاء للقيم ومبادئ أدبيات بيان أوّل نوفمبر وبين النوازع النفسية للمسؤولين، ومن بينها القطيعة مع مرحلة ما قبل 54 لأن المسؤولين الذين وجدوا بعد 1962 لم يكونوا قبل فترة اندلاع الثورة)، مردفا أنهم أرادوا أن يقنعوا النّاس بأن تاريخ الجزائر بدأ من الفاتح نوفمبر 1954، ومن هذه النقطة يقول رخيلة أوقعوا شبابنا في فخّ القطيعة مع الماضي الذي أدّى بهم إلى الكثير من الانزلاقات فيما يخص التاريخ وشوهوا فترة ما بين 1954 و1962. وأضاف الدكتور رخيلة خلال تصريحه لنا أن المحافظة على قيم ومبادئ أوّل نوفمبر ليس من مسؤولية السلطة، لكن تقع على عاتق الفعاليات الثقافية والسياسية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني والحزبي لأن النظام قد يكون (برغماتيا) يودّي به إلى انزلا قات وتوظيف التاريخ لممارسة السلطة، على حد تعبيره. وعن مسألة اعتذار فرنسا للجزائر قال المجاهد رخيلة إنه يطالب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن يرجع إلى المؤسسات الدستورية الفرنسية ويعرض الأمر عليها مثل ما وقّع القانون 23 فيفري 2005 الذي عرض على الجمعية الوطنية الفرنسية ثمّ مجلس الشيوخ الفرنسي قبل أن يكون قانون. وعن الرسالة التي يمكن أن يوجّهها المتحدّث إلى الأجيال القادمة أكّد عامر رخيلة أن النواة الأساسية هي الاعتماد على دراسة أكاديمية من طرف مختصّين من المؤرّخين، وذلك من خلال بناء لبنة المدرسة الجزائرية للتاريخ لتكون مرجعية أساسية وصحيحة لشباب الجزائر.