في حياتنا اليومية تَرِدُ إلينا العديد من الأخبار التي تتعلق بالآخرين، وبِغَضِّ النظر عن كونها صحيحة أو خاطئة، إلا أنها تؤثِّر في تكوين اتجاهاتنا نحوهم، خصوصًا لو كانت تتعلق بأشخاص لا نعرفهم معرفة جيدة. ولذلك، أحيانًا يتكون لدينا اتجاه سلبي نحو شخص معين، بسبب ما سمعناه عنه، وقد يحدث بعد أن نقترب من هذا الشخص، ونتعرف عليه جيدًا، نكتشف أن ما قيل فيه خاطئ، ويتحول اتجاهنا السلبي نحوه إلى إيجابي، ولكن ليس كل الاتجاهات التي تكونت لدينا يمكن أن تتغير بهذه البساطة، فذلك الاحتمال قد يحدث في أحسن الأحوال، وإلا فإن عملية تغيير الاتجاهات في كثير من الأحيان لا تتم بتلك السهولة. ولخطورة هذه المعلومات التي تصلنا عن الآخرين، وتأثيرها في تكوين الاتجاهات لدينا، نجد أن في شريعتنا الإسلامية العديدَ من النصوص التي تُوَجهنا لكيفية التعامل مع ما نسمعه عن الآخرين، ومن ذلك ما قاله الله - سبحانه وتعالى - في كتابه: _ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ _ [الحجرات: 6]، يقول في ذلك ابن جرير: (أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله)، ويقصد بذلك إذا سمعتم خبرًا، فتأكدوا منه قبل أن تتخذوا منه موقفًا. وأيضًا نجد أن ديننا الحنيف لم يحذرنا فقط من التسرع في الحكم على الآخرين، بل نهانا حتى من الإسهام في تناقل هذه المعلومات عنهم، والتحدث عنهم في غيبتهم، فقد حرم الله - عز وجل - الغيبة في كتابه، وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال - سبحانه وتعالى -: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات: 12]، وتفسير الغِيبة جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أتدرون ما الغيبة؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذِكْرُك أخاك بما يكره)، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بهتَّه). وأيضًا نجد أننا أُمِرْنا بتقديم حسن الظن دائمًا عندما نسمع عن الآخرين، فقد قال الله - عز وجل - في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات: 12]، يقول ابن جرير في ذلك: (لا تقربوا كثيرًا من الظن بالمؤمنين، وذلك أن تظنوا بهم سوءًا، فإن الظانَّ غير محق)، فيتضح لنا أن من الواجب علينا إحسانَ الظن بالآخرين عندما نسمع عنهم، ولا نجعل هذه الأقاويل تؤثِّر في اتجاهاتنا نحوهم قبل أن نتثبت ونتأكد من صحتها. ولنا فيما حصل في حادثة الإفك الكثيرُ من الدروس والعبر، فمن المعلوم أن فتنةً عظيمة كادت أن تحدث بسبب ما تناقله الناس عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - حيث استغل المنافقون تلك الحادثة، ونسجوا حولها الإشاعات الباطلة، التي اتهمت السيدة عائشة - رضي الله عنها - بعلاقة مع رجل غريب. ولنا خير مثالٍ رسولنا الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - وموقفه في تلك الحادثة، حيث إنه لم يتعجل ويتسرع في الحكم على السيدة عائشة - رضي الله عنها - بل صبر وتثبَّت، حتى أنزل الله الوحي موضحًا ومبرئًا لها. وقد بيَّن الله تعالى عِظَم الذنب الذي اقترفه الذين خاضوا في حديث الإفك بغير علم، والأمر لم يكن إلا خبرًا تناقلته أَلْسُن بعض الناس دون دليل ثابت، حيث قال - عز وجل - في كتابه: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15]، ثم قال تعالى: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [النور: 17]، ويقول في ذلك ابن كثير: (ينهاكم الله متوعدًا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدًا). وبذلك يتبين لنا أن في شريعتنا الإسلامية الكثيرَ من التوجيهات والوصايا تُنَبِّهنا بضرورة التثبُّت مما نسمعه عن الآخرين، وأيضًا هنالك تحذيرات ونهي صريح من الحديث عن الآخرين فيما يكرهونه، وكذلك نُهِينا عن تناقل ما نسمعه عنهم، وبالتالي عند تطبيقنا لهذه التوجيهات سيخفف ذلك من تأثير تلك المعلومات التي نتلقَّاها عن الآخرين في تكوين اتجاهاتنا نحوهم. * عن موقع ألوكة -بتصرف-