السلبيات تطمس الإيجابيات وتُدخل المجتمع في لعبة الأوهام يعد (الفايس بوك) أهم موقع يستقطب اهتمام رواد شبكة الأنترنيت، إذ يشهد انضمام أكثر من مليون عضو شهرياً، ويمنح هذا الفضاء الذي تأسس عام 2004 مساحات للحوار وتبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا الوطنية منها والعالمية بحرية تامة دون وجود مقص للرقيب، إلاّ أن الظاهر يبين وجود أفراد استطاعوا أن يجعلوا من ذلك الموقع وسيلة لتمرير توجهات سلبية. حسيبة موزاوي يضم (الفايس بوك) مختلف شرائح المجتمع من بطالين إلى متقاعدين أو شخصيات سياسية وثقافية، رجال أعمال، طلبة وتلاميذ، مع العلم أن بعض المشتركين يستعملون أسماء وألقاب مستعارة، ولعل ما يميز هذا الموقع عن غيره هو إقبال العديد عليه بشكل ملحوظ، حيث وجدوا فيه ضالتهم خاصة فيما يتعلق بتسهيل عملية التواصل مع مختلف شرائح المجتمع باعتباره مصدرا هاما للمعلومات والقضايا التي هي محل بحث واهتمام بالنسبة لهم كفضاء للتواصل في حياتهم العملية، فيما ظهرت بعض المخاوف من الإفراط في الثقة في استخدامه، حيث يمكنه أن يتحول إلى مجال للتحريض والمساس بكرامة وخصوصيات الآخرين. نعمة أم نقمة؟ حاولت (أخبار اليوم) رصد بعض التطلعات في الشارع بعد أن مرت بضع سنوات على خوض الجزائريين لتجربة الاشتراك في هذا الموقع، وانتشار المخاوف حول معرفة انطباعات البعض بخصوصه ومدى تخوفهم من إمكانية سوء استخدامه في نشر صورهم وبعض البيانات الشخصية أو تسرب ما يدلون به من معلومات.. وفي هذا الصدد تقول السيدة (م.س) (أم لطفلة) إن الحديث عن (فايس بوك) عبر مختلف وسائل الإعلام دفعتني لأخوض تجربة التواصل عن طريق الاشتراك في هذا الموقع الجديد، وبناء عليه وضعت بعض البيانات الشخصية الخاصة بي على غرار الصورة ورقم الهاتف النقال.. امتلكتني السعادة في البداية كون هذا المولود الجديد سمح لي بالتواصل مع الأصدقاء القدامى، لكن سرعان ما أخذت المشاكل تشق طريقها نحوي بسبب رقم الهاتف الذي جعلني عرضة لسلسلة من المضايقات من طرف الأشخاص الذين كنت أتواصل معهم عن طريق هذه التقنية.. ولذلك سحبت الصورة وبعض البيانات الشخصية، ثم سرعان ما ألغيت الاشتراك في الفايس بوك نهائيا لا عتقادي بعدم جدواه. من وجهة نظر محمد وهو شخص منطلق، ويحب التعرف على كل جديد في الحياة، يعد (الفيس بوك) في المجمل وسيلة راقية جدًّا للمعرفة، فهو يرجع لنوع الهدف الذي يدخل من أجله الشخص إلى (الفيس بوك) فهناك دائمًا أهداف سامية وأخرى متدنية والباقي معروف. أما نورة فتقول إن هذا الموقع الاجتماعي عرضها إلى العديد من المضايقات والابتزازات بسبب نشر صورها وبعض البيانات الخاصة. من جهتها ترى الآنسة (ب.ت) خريجة معهد العلوم السياسية أن هذا الموقع يساعدها كثيرا في عملها، حيث مكنها من التواصل مع عدد كبير من المثقفين والاستفادة من أفكارهم وخبراتهم، إلا أنها تعرفت من ناحية أخرى على أشخاص من باب الصداقة، لكن هذه الأخيرة كثيرا ما يعتبرها المشتركون الذين يتواصلون معها افتراضية، في حين تأمل هي في ربط علاقات صداقة حقيقية ومتينة.. وتقول (بعض الناس يتعاملون مع الموقع على أنه فضاء حر للتصريح بما يريدونه للآخرين بعيدا عن الجدية في التعامل، مما يصيبني في كثير من الأحيان بخيبات الأمل.. ولحسن الحظ لست من الأشخاص الذين يؤيدون فكرة نشر تفاصيل الحياة الخاصة لأنه لا مجال للثقة في هذا الموقع). سلاح ذو حدين كشفت دراسة علمية حديثة أن المواقع الاجتماعية خاصة (الفيس بوك) تُعد وسيلة تسهم في شرح الأفكار والمبادئ، لذلك وظفتها التيّارات لترويج أفكارها ومشروعاتها، وكذلك بث الرسائل التي تعبر عن رغباتها وأمنياتها وطموحاتها، موضحة أنه وسيلة إيجابية ممتازة في تطوير الشفافية والمطالبة بالحقوق العاجلة، وتلك من الإيجابية التي تشجع عليها كل المؤسسات، إلاّ أن هناك وسائل سلبية تثير الخلافات وهذه وسائل سلبية لا تُثري فكر ولا تُقدم المجتمع. وأوضحت نفس الدراسة أن الوعي بالتقنية ومحتوياتها -مع الأسف- يُبنى ذاتياً وتدريجياً، ولم تعد هناك قدرة أسرية أو تربوية على حقن أفكار مضادة لما يبث عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفايس بوك)، لأن هناك سيلا من الرسائل يتلقاها المشترك لم يعد هناك قدرة على الحد منها، مبينة أن السؤال الذي لابد أن يتم التفكير به عن كيفية وإمكانية بناء شخصية تستطيع أن تفكك هذه المحتويات اليومية وأن تنتقي الصالح منها وأن لا تؤثر على غيرها من خلالها، وموضحة أن تأثير هذه الرسائل يختلف حسب وعي المُتلقي، ولكن بشكل عام هناك تأثير وإن كان مخفيا. أساتذة الإعلام: الفايسبوك أكبر محفز لإثارة الرأي العام وفي نفس السياق أكد مصطفى سايج أستاذ الإعلام السياسي، على أن هذا الموقع للتواصل الاجتماعي هو أكبر (مُحفز) لإثارة الرأي العام، بل ولإثارة الكثير من القضايا، مضيفاً أن هناك مساحة من الشخصنة والأدلجة موجودة هناك، يريد أصحابها إيصال رسائل معينة، أو محاولة التقليل والنيل من أشخاص معينين من أجل تحقيق أهداف ضيقة لا تخدم أفراد المجتمع، بل ولا تصب في الوحدة الوطنية، خاصةً في هذا الوقت، وموضحاً أن هذه المسألة خطيرة جداًّ، ويجب أن ننتبه لها، لأن الإعلام التقليدي قد يكون إعلاما رصينا وعليه رقابة من شخصيات مسؤولة، أما قنوات التواصل الاجتماعي فتحتاج إلى نوع من الرقابة التي تقدر المصالح والمفاسد، لافتاً إلى أن هذه الجهات ليست بمفردها مسؤولة، بل إن المواطن مسؤول سواء كان فرداً من عامة الناس، أو من المثقفين الذين لهم نشاط على المواقع. وأوضح سايج أنه لا يمكن الجزم أن لا جوانب إيجابية في عالم (فيس بوك)، لكن الإشكالية تكمن في أن الجوانب السلبية يتم التركيز عليها ويتم تجاهل الجوانب الإيجابية، وذلك ثقافة موجودة في المجتمع. أطباء علم النفس الاجتماعي: هو حالة وهمية من التفاعل المؤقت ومن جهتها، تحدثت أمينة بلفارس أخصائية في علم النفس الاجتماعي، عن موقع (الفايس بوك) كوسيلة للتعارف وتبادل المعلومات والأفكار، وكل ما هو إيجابي حسبما تروج له الشركات العالمية، إلا أن هناك من يسيء استخدام هذه التقنية ويسخرها لأغراض دنيئة. كما أشارت أمينة بلفارس إلى النمط العام للمبالغة في استخدام الفيس بوك ما يعطي احتمالية الإدمان عليه، لأنَّ الشخص في البداية يكون منبهرًا بما يقوم به في كل شيء أي حاجة الشخص إلى نيل الإعجاب والتقدير والإحساس المبالغ فيه بالأهمية لبناء المئات من العلاقات السطحية والفارغة، والأهم من ذلك مكنّت هذه الشبكة بشكل عام المستخدم من التحكم بالطريقة التي يرغب في أن يقدم نفسه فيها وفي رد فعل نظرائه والمستخدمين الآخرين لهذه الشبكة للمعلومات التي يرغب بمشاركتها معهم، موضحة أن التفاعل عبر صفحات الفايس بوك تسبب فيما بعد الكثير من الكآبة ولكنه سرعان ما سيكتشف أنَّ هذا عالم وهمي، زاد من شعور الاستغناء لديه، وسرعان ما سيعرف أنَّ ما يمر به هو حالة وهمية من التفاعل. وترى الأخصائية أن على الشبان استغلال تقنية الفايس بوك وكل التقنيات الحديثة من أجل تنمية الأفكار وتبادل الآراء، وكل ما يساعدهم على خوض غمار الحياة وليس العكس.