في صيف عام 1969 (21 أوت) أشعل أحد الصهاينة حريقاً في الجناح الشرقي للمسجد الأقصى، الأمر الذي أدى إلى التهام محتوياته التي كان من بينها منبر تاريخي معروف باسم منبر صلاح الدين، وقتذاك غضب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وخرجت تظاهراتهم في مختلف العواصم، وتداعى زعماء الدول الإسلامية إلى اجتماع طارئ لبحث الأمر، أسفر عن تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي الآن)، بناءً على اقتراح من الملك فيصل بن عبد العزيز، - رحمه الله -. ومنذ ذلك الحين اعتبرت تلك المنظمة من أصداء غضبة المسلمين وصدمتهم لما أصاب المسجد الأقصى التي استنفرت قادتهم لمحاولتهم التصدي للمساس بالمسجد الأقصى، الذي يعد أحد مقدسات المسلمين ورموز وحدتهم. وهو الموصوف في الأثر بأنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين. بعد 44 عاماً عرض نائب وزير الأديان الإسرائيلي على الكنيست مشروع قانون يقضي بتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، على غرار ما حدث مع الحرم الإبراهيمي في الخليل، بحيث يسمح القانون بتحديد مواقع وأزمنة معينة لأداء الصلوات اليهودية، فردية وجماعية في الحرم القدسي، وهو ما أثار غضب النواب العرب في الكنيست، فانسحبوا من الاجتماع، إلا أن النواب الإسرائيليين اختلفوا بشأن الموضوع، لأن ثمة فتوى إسرائيلية لا تجيز هذه الصلاة، وإزاء ذلك فإنهم أجلوا البت في المشروع لحين استطلاع رأي الحاخامية العليا، وما إذا كانت تقبل بذلك أم لا. الأسوأ من الجرأة والاستعلاء اللذين عبر عنهما الموقف الإسرائيلي، هو الذهول المدهش الذي ران على العواصم العربية، بحيث لم نجد للخبر صدى يذكر في تلك العواصم ومصر بوجه أخص، لا الساسة تكلموا وقالوا كلمة تحفظ ماء الوجه، حتى من قبيل عبارات الشجب والاستنكار المكررة، ولا الإعلام أولى الأمر ما يستحقه من اهتمام، أغلب الظن بسبب انكفائه واستغراقه في الشؤون الداخلية لكل قطر. أستثني لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب التي أصدرت بيانا فضحت فيه المخطط الإسرائيلي، وسلطت الأضواء على أوجه الخطر في القانون الجديد الذي يراد من الكنيست تمريره. تضمن البيان مقارنة بين الوضع الحالي للمسجد الأقصى والوضع الجديد الذي يراد فرضه من خلال مشروع القانون الذي قدمه نائب وزير الأديان، في هذه المقارنة تبين ما يلي: - في الوقت الراهن يعرف المسجد الأقصى بأنه كل ما دار حوله السور. في حين أن المشروع الجديد يذكر أن (جبل الهيكل) هو كل المساحة المسورة في خارطة جرى رسمها، ويشمل كل المباني فوق وتحت الأرض. - حالياً تعد إدارة المسجد الأقصى تابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، وفي المشروع المستجد فثمة (مفوض) يدير شؤون جبل الهيكل، ويحدد كل من يحق له دخول جبل الهيكل ويعينه وزير الأديان الصهيوني. - في الوقت الراهن يعد الأقصى كله مقدساً إسلامياً وملكية إسلامية وكله مسجداً طهوراً، وبمقتضى المشروع الجديد فإن (جبل الهيكل) يضم أربعة أقسام، منطقة مقدسة يهودية وتشمل كل صحن قبة الصخرة، ومنطقة لعبادة اليهود وتشمل خمس مساحة جبل الهيكل في القسم الشرقي منه، ومنطقة خاصة بالمسلمين تشمل أربعة دونمات فقط وهي المصلى القبلي، وباقي المساحات هي مشتركة بين الديانتين! - حالياً الأقصى مفتوح للمسلمين في أي وقت وخلال كل الأيام ولا يحق لأحد أن يغير هذا الواقع أو يعبث فيه، وطبقاً للمشروع فإن الأقصى مفتوح لليهود في كل وقت وحين ومن جميع أبوابه، ويحق للمفوض أن يسمح لمن يشاء ويمنع من يشاء من دخوله. - في حين أن (الأقصى خلا من اللوحات العبرية وفيه فقط لوحات إسلامية وشعارات إسلامية، فإن المشروع الجديد يوزع في أنحاء الأقصى تعليمات الهيكل المزعوم، وتنتشر فيه اللوحات الإرشادية لكل من يريد أن يحج إلى جبل الهيكل! ولا يحق لأحد أن يقوم بأي من أعمال الصيانة أو التنظيف أو الترتيب داخل الأقصى إلا بموافقة المفوض، وتمنع أي أعمال ترميم أو صيانة تقوم بها الأوقاف، وطبقاً للمشروع أيضاً فإن كل من يخالف هذه البنود الجديدة يحكم عليه بالسجن 6 أشهر أو غرامة 50 ألف شيكل. قرأت أن السيدة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وقت وقوع حريق عام 1969 قالت إنها لم تنم يومذاك، لأنها ظلت طوال الليل تتخيل رد الفعل العربي إزاء الجريمة، وكيف أن العرب الغاضبين سوف يزحفون على إسرائيل من كل حدب وصوب)، إلا أنه عندما طلع الصبح ولم يحدث شيء أدركت أنه بمقدورنا أن نفعل ما نشاء دون أن نقلق كثيراً من رد الفعل العربي، لأننا بإزاء أمة نائمة. تتساقط الكلمات في حلقي ولا أجد تعليقا على تلك العبارة، لكنني أتساءل إذا اعتبرنا يومذاك (في عام 1969) أمة نائمة، فما هو الوصف المناسب لنا الآن؟!