عادت أجواء الفتنة النتنة لتخيّم من جديد على منطقة ميزاب الغالية بعد فترة هدوء مؤقّت، حيث استأنف (الخلاّطون) مهمّة تعكير أجواء غرداية وسط عملية (تجييش) و(تحريش) تقوم بها أوساط مشبوهة تسعى لاستغلال الوضع بما يضرب استقرار الجزائر كلّها، وتبدو السلطات المحلّية والسلطات العليا في البلاد مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى بالتعامل بحزم أكبر مع المتجرّئين على ترويع الآمنين والاعتداء على ممتلكاتهم. يبدو أن حالة الهدوء التي عاشتها غرداية مؤخّرا لم تنل إعجاب جماعات وعصابات مشبوهة عادت إلى ممارسة هواياتها المفضّلة.. التخريب وتهجير عائلات بأكملها و(التخلاط)، حيث (استأنف) صنّاع الفتنة عبثهم في ساعة متنأخّرة من أمسية الثلاثاء وواصلوا إجرامهم أمس الأربعاء في منحى تصاعدي ينذر بسيناريوهات خطيرة. وأكّدت مصادر مطّلعة سقوط ضحّية أخرى في الأحداث التي تجدّدت شراراتها أمس الأربعاء بغرداية، وتحديدا في منطقة بابا والجمة بعدما تلقّى الضحّية ضربات قاتلة على مستوى الرّأس، ولم يتمّ تحديد هويته إلى حد الآن، ويرجّح أن عمره لا يتجاوز ال 20 سنة. كما تحدّثت مصادر محلّية عن تخريب لمقبرة بابا والجمة ومصلّى الجنائز بها، وقال شاهد عيان مِن عَيْن المكان في حدود الساعة ال 13 من يوم أمس الأربعاء: (المشاغبون يقومون بتخريب مقبرة الشيخ بابا والجمة بقصر غرداية ويحرقون مُصَلَّى الجنائز المُجاوِر لها). وقد نقلت مصادر محلّية من منطقة عين لوبو بغرداية وقائع قيام ملثّمين مشبوهين ظهيرة الثلاثاء بغلق الطريق الرئيسي الرّابط بين بلديتي غرداية والضاية والهجوم على أحد سائقي السيّارات الذي انهالوا عليه بالضرب، فيما قام آخرون بحرق سيّارته أمام مرأى الجميع. على إثر الأحداث تلك اضطرّت معظم المحلاّت التجارية في وسط المدينة إلى غلق أبوابها. وحسب المصادر نفسها فقد قامت قوات مكافحة الشغب بملاحقة الأشخاص المشاغبين الذين اضطرّوا إلى الفرار إلى هضبة بابا السعد المجاورة لموقع غلق الطريق وأمطرتهم بوابل من القنابل المسيلة للدموع، بينما لم يتمّ إلقاء القبض على أيّ شخص منهم. ولم يتردّد بعض الأشخاص المشبوهين في الاعتداء على حي بابا والجمة المجاور لحي مرماد ومحاولة إحراق منشأة ((معهد عمي سعيد) و(مدرسة تعليم السياقة) لأحد الخواص ودار (عشيرة آت أخفيان بقصر غرداية)، إلاّ أن سكان الحي قاموا بالتصدّي لهم، ممّا أسفر عن وقوع مناوشات حادّةّ أصيب فيها العشرات، وأشارت المصادر نفسها إلى اضطرار أهالي حي بابا والجمة إلى ترحيل العائلات من الحي وسط استمرار التراشق بالحجارة بين المشاغبين. وفي الساعة الثانية من صباح أمس الأربعاء حاول بعض المشاغبين اقتحام مقبرة الشيخ باعيسى أعلوان، إلاّ أن قوات الشرطة التي حضرت سريعا استطاعت إيقاف المعتدين. وبقي جو الاحتقان على حاله في صبيحة اليوم الموالي أمس الأربعاء، حيث تكرّرت المناوشات قبل منتصف النّهار بقليل وشوهد تصاعد أعمدة من الدخان من داخل الحي، ممّا يؤكّد وقوع عمليات حرق للمساكن والمحلاّت التجارية والسيّارات، حيث بقي الحي شبه فارغ منذ ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء. ونتيجة لهذه الأحداث المؤسفة تعطّلت الدراسة في أغلب المؤسسات التربوية، سواء منها العمومية أو الحرّة بغرداية. وفي سياق ذي صلة، لم تتوقّف الاعتداءات والمناوشات بين الأشخاص طيلة الأيّام الأخيرة، والتي تسبّبت في كسر زجاج حافلات النقل الحضري وسيّارات للخواص، وكذا إزعاج السكان برمي الزجاجات الحارقة في حدائق المنازل ومداخلها في جنح اللّيل. كما لم تتوقّف هي الأخرى مصالح الأمن والدرك عن استقبال شكاوى المواطنين، وهي المناوشات والتصرّفات التي باتت تهدّد الاستقرار والهدوء النّسبي الذي عرفته المدن التي شهدت أحداث شغب وتخريب في الأسابيع الماضية، ما لم يتمّ التعامل معها بحزم وجدّية من المصالح الأمنية. للإشارة، فقد شارك ما يزيد عن ألف شخص أغلبهم من الشباب في مسيرة نظّمت يوم الثلاثاء بغرداية، والتي انتهت باعتصام أمام مقرّ الولاية ومجلس القضاء للمطالبة (بالعدالة والأمن في مختلف أحياء المنطقة وتوقيف المسؤولين عن أحداث غرداية)، كما لوحظ. وأحدث هذا التجمهر السلمي اضطرابا في حركة المرور والرّاجلين بالمحور الرئيسي لمدينة غرداية لبضع ساعات وكان محاطا بطوق من عناصر مكافحة الشغب. وحمل المحتجّون لافتات يندّدون فيها بما وصفوه ب (الظلم والحفرة) وطالبوا بإطلاق سراح الشباب المشتبه في تورّطهم (ظلما) حسبهم في أحداث غرداية و(توقيف الفاعلين الحقيقيين)، داعين أيضا إلى الوحدة الوطنية. ومثّل هؤلاء المحتجّون أحياء ثنية المخزن والحاج مسعود والمجاهدين وبن سمارة ومرماد والعين. وحسب بعض المشاركين فإن هذا الاحتجاج يهدف إلى إثبات (أننا مع السلم والوحدة الوطنية وتطبيق قوانين الجمهورية عبر مجموع أحياء مدينة غرداية)، وأضافوا: (نريد أن تتواجد مصالح الأمن في مختلف قصور غرداية لتفادي التجاوزات والمواجهات ومكافحة كلّ أشكال العنف والانحرافات الأخرى).