مأساة جديدة ظهرت مؤخرًا لتضاف إلى مآسي المسلمين في العصر الحديث، ألا وهي مأساة المسلمين في إفريقيا الوسطى الذين يتعرضون للسحل والتعذيب والقتل وتقطيع الرؤوس بالمناجل وتقطيع الأعضاء والحرق، في جريمة يشاهدها العالم متفرجًا ولا يتدخل ليضع حلاً لها. وقد سجلت وسائل الإعلام العالمية وسفارات الدول المختلفة، في الأسابيع القليلة الماضية أعمال قتل مروعة وتشويها لجثث مسلمين نفذتها عناصر من مليشيات (أنتي بالاكا)، بل إن تقارير وسائل الإعلام العالمية أكدت قيام جنود من الجيش التابع للسلطة الجديدة بإعدامات في الشوارع. وقد تشكلت مليشيات (أنتي بلاكا) المسيحية بعد الانقلاب الذي نفذته حركة (سيليكا) المسلمة العام الماضي وأطاحت من خلاله بالرئيس السابق (فرانسوا بوزيزي) ونصبت بدلا منه (ميشيل جوتوديا) ليكون أول رئيس مسلم لإفريقيا الوسطى. وكعادة المسلمين في كل الصراعات الدولية، فإنهم يدفعون الثمن من أمنهم ودمائهم وأموالهم، ومنذ تفجّرت أعمال العنف بالبلاد في ديسمبر الماضي، قتل ما لا يقل عن ألف شخص، نسبة كبيرة منهم من المسلمين، وارتفع عدد النازحين من البلاد هربا من القتل إلى مليون شخص من مجموع السكان البالغ عددهم 4.6 ملايين شخص. أمام هذه الأجواء العدائية للوجود الإسلامي في إفريقيا الوسطى، لم يجد المسلمون مفرًا للهروب من القتل سوى الهروب إلى تشاد أو الكاميرون أو غيرهما من البلاد المجاورة، وتواصلت عملية إجلاء المسلمين الهاربين من مليشيات (آنتي بلاكا) المسيحية في العديد من مناطق إفريقيا الوسطى، وباشرت القوات الإفريقية والفرنسية حملة واسعة لإيقاف العشرات من أعضاء هذه المليشيات المتهمة بارتكاب أعمال تطهير ديني في حق المسلمين وجمع الأسلحة من المناطق المشبوهة. وقد تمكنت قوات حفظ السلام في إفريقيا الوسطى من إجلاء نحو 2000 مسلم فروا من البلاد إلى الكاميرون، هروبا من هجمات الميلشيات المسيحية، وقد هوجمت القوات الرواندية التي قامت بالإجلاء بالبنادق، والرماح، والسهام، والسيوف، والحجارة، والسواطير. وقبل فرار هذه الدفعة من المسلمين، فر عشرات الآلاف من المسلمين هروبا من العنف الطائفي، الأمر الذي يرفع عدد المسلمين الذين فروا إلى الكاميرون منذ بدء الأزمة منتصف العام الماضي إلى أكثر من 20 ألفا. الغريب أن المجرم قد ضبط متلبسًا بجريمته ومع ذلك لم تحرك الأممالمتحدة ولا مجلس الأمن ولا المنظمات الدولية ساكنًا، فقد ضبطت قوات حفظ السلام الفرنسية والإفريقية أسلحة لدى الميليشيات المسيحية في (بانغي) عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، وفتشت القوات المنازل منزلا منزلا في مناطق عديدة من العاصمة، يعتقد أنها تشكل قاعدة لشن هجمات ضد المسلمين، وصودرت أسلحة آلية وقنابل يدوية وسكاكين وذخيرة، ومع ذلك لم يتم توجيه الاتهام رسميًا إلى الطرف المعتدي. (الأنتي بالاكا) المسيحية أو (المناهضون للسواطير)، هي مجموعات ترتكب المجازر ضد المسلمين، وهي مجموعة متطرفة تحقد على المسلمين وهدفها المعلن إخراج المسلمين من دولتهم ومحاربتهم، حسب ما ينقل شهود عيان ومنظمات دولية تعمل هناك. ويتحدث الخبراء عن تداخل عدة عوامل تسببت في أزمة المسلمين في إفريقيا الوسطى، أهمها البعدين الاستعماري الفرنسي، والديني النصراني، وخلفية الأحداث التي تشهدها إفريقيا الوسطى بدأت بعد الثورة الشعبية ضد الرئيس النصراني (بوزيزيه) الذي تدهورت حالة البلاد في عهده. وبعد أن تم خلع الحاكم النصراني عُقد مؤتمر حوار وطني ثم انتخب على إثره (ميشيل جوتوديا) كأول رئيس مسلم لجمهورية إفريقيا الوسطى، علمًا بأن مسلمي إفريقيا الوسطى ناجحون ومؤثرون تجاريًا وسياسيًا ولذا جاء انتخاب (جوتوديا)، وتولى المسلمون 14 حقيبة وزارية وانحصر بذلك نفوذ القوى النصرانية التي كانت تستخدم أجهزة وثروات الجمهورية في بناء الكنائس والمعاهد اللاهوتية. القوى النصرانية أججت الاضطرابات لإسقاط الرئيس (جوتوديا) واستخدمت البعد العقدي لإثارة الشارع النصراني ضده، وقامت دول وسط إفريقيا وبضغط فرنسي بعقد مؤتمر خاص بأزمة إفريقيا الوسطى لترغم (جوتوديا) على التنحي مقابل تعيين النصرانية (كاثرين) كرئيسة للبلاد. وقد تدخلت القوات الفرنسية في الأزمة، إلا أن تدخلها كان لصالح النصارى، كما فعلت قوات الأممالمتحدة في البوسنة، فقامت القوات الفرنسية بسحب سلاح حركة (سيليكا) المسلمة وتركت سلاح الميليشيا النصرانية فانكشف المسلمون وأصبحوا بلا قوة تحميهم. ومهد إسقاط الرئيس (جوتوديا) وسحب سلاح حركة (سيليكا) الطريق أمام مشروع تهجير المسلمين من إفريقيا الوسطى كما يحدث لمسلمي بورما، لأن الثورة التي جاءت بأول رئيس مسلم منتخب شكلت خطرًا على مصالح فرنسا التي رأت في الثورة الطائفية المضادة فرصة للهيمنة على ثروات إفريقيا الوسطى. ولشناعة هذه الأعمال، لم تملك منظمة العفو الدولية إلا أن تستنكرها وتدعو لوقفها، والأممالمتحدة، ومن خلال تقريرها المتعلق بالمذابح التي يتعرض لها المسلمون بجمهورية إفريقيا الوسطى، اتهمت القوة الفرنسية بدعم الميلشيات النصرانية المسلحة ضد المسلمين العُزَّل، وذلك بعد تجريد بعضهم من السلاح المستخدم للدفاع عن النفس، مما أتاح لميلشيات النصارى وحلفائهم، الانقضاض على الأُسَر المسلمة بالأسلحة وقتلهم والتنكيل بهم. التصريح المهم الذي يجب أن نتوقف أمامه هو ما أعلنه مدير الطوارئ في منظمة هيومان رايتس ووتش بيتر بوكارت من أنه مع اتساع نطاق نزوح المسلمين فإنها مسألة أيام وسيغادر جميع المسلمين أفريقيا الوسطى فرارًا من العنف، فتوجد أحياء كاملة ذهب سكانها من المسلمين بالكامل، ويتم هدم منازلهم بصورة ممنهجة، حيث يتم نزع الأبواب والنوافذ والأسقف، وتوجد أدلة على محو وجودهم بالكامل. وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقوله إن (الوحشية الطائفية تغير التركيبة السكانية في البلاد، ويجب علينا بذل المزيد من الجهد لمنع ارتكاب المزيد من الفظائع ولحماية المدنيين واستعادة النظام والقانون وتقديم المساعدات الإنسانية والحفاظ على تماسك البلاد). لكنه لم يكن شجاعًا ليضيف كلمة (المسيحية) إلى الوحشية الطائفية، وليحدد المسئولية ويسمي الأشياء بمسمياتها. المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة نافي بيلاي كانت أكثر تحديدًا من بان كي مون، حيث قالت: (إن أعدادا كبيرة من المدنيين المسلمين يُجبرون على الفرار وترك بيوتهم ومناطقهم للحفاظ على حياتهم، وأن معظمهم يتوجه إلى الحدود مع تشاد). * عن موقع الإسلام اليوم