اسم من الأسماء البارزة في مسرح الباهية وهران، صاحب رائعة «شكون يسمع شكون»، استطاع أن يمزج بين الفن وهموم المجتمع، فنان متكامل حيث مَثّل العديد من المسرحيات وبعض المسلسلات التلفزيونية والأفلام، وأخرج وشارك في إخراج العديد من المسرحيات وحاضر في عدة ملتقيات كما أنه كاتب وباحث كذلك، إنه الفنان القدير بوذهب بشير ابن مدينة وهران الذي استطاع بإصراره وطموحه وتعلمه الذاتي العصامي أن يُغيّر مسار حياته من شخص لاقى حياة صعبة منذ نعومة أظافره، إلى فنان مسرحي خلّف تراثا فنيا عريقا وأثرى المكتبة المسرحية بأعمال لا يستهان بها. حياة بودينار «آخر ساعة» استمعت إلى الفنان بوذهب بشير، وهو يتحدث عن واقع المسرح في الجزائر وانشغالاته، ويستعيد معه ذكرياته. نبذة سريعة عن الفنان ولد بوذهب في 06 جانفي 1938 بوهران، تَشَرّب حب الخشبة منذ طفولته، حيث قدّم سكيتشات فكاهية وعروضا مرتجلة في الأعراس والحفلات مع أبناء جيرانه وهو في سن الرابعة عشر، درس البيداغوجيا في معهد باريس ولما عاد كوّن فرقة في تيارت غرب الجزائر وهو في العشرين من عمره بعد عام عاد إلى وهران سنة 1961 وكان يشارك في أعمال مسرحية بسيطة مع أخيه وابن خالته كهواة، في 1964 احترف الفن المسرحي. التحق بمعهد التمثيل المسرحي الذي أنشأه كاتب ياسين في العاصمة في فيفري 1966 حيث درس أصول التمثيل على يد جهابذة التمثيل المسرحي أمثال سعد أردش وكرم مطاوع لمدة 4 سنوات وتخرج منه سنة 1969 ثم في سنة 1971 رجع إلى المعهد كأستاذ ومكوّن هذه المرة، وفي نفس الوقت كان قد التحق بالمسرح الوطني كممثل حتى سنة 1974. ثم جاء قانون «اللامركزية» الذي أسفر عن تأسيس مسارح جهوية في كل من قسنطينة، عنابةووهران فرجع إلى هذه الأخيرة، تعامل مع فنانين جزائريين كبار أمثال المرحوم العربي زكال وسيد أحد الأقومي، في سنة 1973 شارك في لجنة خاصة بالإخراج بمسرح عبد القادر علولة بوهران، وفي سنة 1987 أخرج ومثّل المونولوج الشهير « شكون يسمع شكون؟»، وعام 1989 أخرج مسرحية «السيد بونتولا وخادمه ماتي» للكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت، وفي الفترة الممتدة بين سنتي 1995و 1997 عمل مع قسم الفنون الدرامية بجامعة وهران من خلال إشرافه على تخرج طلبة المعهد. شارك الفنان في عدة ملتقيات وطنية أهمها ملتقى المسرح الجزائري سنة 1977، وملتقى المسرح وجمهوره عام 1987، ملتقى النقد الفني عام 2006 وغيرها. أما عن أعماله التلفزيونية والسينمائية فقد شارك في الفيلم التلفزيوني «تسابيح الأرض» الذي أخرجه نور الدين بن عمر عام 1987، إضافة إلى دوره في فيلم «اليقظة» للمخرج محمد بن صالح، و»العاصفة» لمصطفى كاتب ، و «الرحبة» للمخرج زكرياء عام 2000، وآخر أفلامه كان «قضية شرف» الذي أخرجه محمد حويدق في ديسمبر 2014 . آخر ساعة : انطلاقا من هذه المسيرة الطويلة والمليئة بالإنجازات والابداع، كيف ترى واقع المسرح اليوم؟ بشير بوذهب:الركح الجزائري حاليا يشهد ركودا مقارنة بالسنوات الماضية بسبب غياب النصوص الجيدة، رغم وجود كُتّاب لابأس بهم أغلبهم من الهواة، فلا يستطيع أي شخص كتابة نص مسرحي أو امتلاك أسلوب صحيح في الكتابة خصوصا إذا كان لا يشاهد العروض ولا يقرأ، إضافة إلى ضُعف الإمكانات التي تقدم للمسرحيين والتي تكاد تكون معدومة. الثقافة بصفة عامة تعاني التهميش وخاصة الفن الرابع عدم تقديم التسهيلات للممثلين ولكتاب المسرحيات وللمخرجين بالعكس هناك نصوص مسرحية جيدة على قِلتها ومخرجين إلا أن هذه الأعمال لا ترى النور فنُناشد المسؤولين ابتداء من الموجودين في هرم السلطة حتى المتواجدين في إدارة المسارح الجهوية ودُور الثقافة الالتفات لهذه الفئة وتقديم التسهيلات لها للنهوض بالثقافة من جديد، إلا أنني أرى أن وضع الثقافة في الجزائر يتعرض لعملية تهميش مُمَنهجة لإبقاء الشعب في التخلف يركض خلف لقمة العيش لا يلتفت للثقافة والابداع لإبقائه دائمًا تحت السيطرة لأنك لا يمكنك أبدا أن تسيطر وتتحكم في شعب مثقف والمسرح دون أن ننسى إنه صوت الشعوب، الثقافة كلها بصفة عامة هي صوت الشعوب وخاصة المسرح لأنه يحتك بشكل مباشر مع شريحة المجتمع إنه صوته المكلوم والمهموم وتطلعاته ويساهم في رفع مستوى الوعي والثقافة فيه. رغم أنه يتخرج سنويا من معاهد فن الدراما المسرحي الآلاف من الدارسين لهذا الفن ولكن لا وجود لهم في الساحة نعود ونقول أن هذا راجع إلى سياسة التهميش والإهمال. – ما هو السبيل في نظرك للنهوض بهذا الفن العريق الذي يعتبر صوت الشعوب كما قلت؟ أهم شيء هو تقديم الدعم المادي والمعنوي لرجالاته ولمبدعيه كل في تخصصه، عدم تهميشه وإهماله ومراقبة المسؤولين ومطالبتهم بالقيام بواجبهم المنوط بهم. كيف ترى الجمهور، هل يهتم بالمسرح والأعمال المسرحية؟ أرى أنه في السبعينات والثمانينات كان هناك جمهور مهتم جدا بالمسرح ولديه شغف بزيارة المسارح والغوص في سحرها وطقوسها، وحتى الإبداع كان في أوجه هناك أعمال مسرحية كثيفة، التواجد المسرحي كثيف وكان مسرح الهواة ينافس المحترفين. حتى أواخر الثمانينات وبداية التسعينات كان هناك عبد القادر علولة وولد عبد الرحمن كاكي رحمهما الله قدما الكثير للمسرح وانتعش المسرح في عهدهما. في التسعينات بدأت حالة المسرح تتدهور لا من حيث تقديم الأعمال نقصت بشكل كبير ولا من حيث الاقبال من قِبل الجمهور، تدهورت حالة الفن المسرحي كثيرا. -على ذكر عبد القادر علولة، ماذا تقول لنا عن هذا العملاق؟ كان عبد القادر علولة رجلا مبدعا ومبتكرا لأسلوب جديد خاص به في المسرح يُمازج ويُزاوج بين المسرح الأرسطي الكلاسيكي وبين المسرح الشعبي ال»الحلقة» ولكن يد الغدر كانت أقرب إليه من أن يؤسس لهذا اللون الجديد في التمثيل المسرحي، فبذهاب علولة ذهب معه ابتكاره وموهبته لم يترك بعده قناديله تُكمل مسيرته، قامة شاهقة افتُقدت في الساحة المسرحية الوهرانية للأسف. -وماذا عن الممثلين الشباب اليوم؟ الشباب بحاجة إلى دعم إلى جهود لديها الرغبة في النهوض بهذا الفن العريق الضاربة جذوره في التاريخ تمهد لهم الطريق وتوجههم، أنا أؤمن أن الفن المسرحي ليس فقط موهبة وإنما دراسة كذلك، يجب أن تسير الدراسة والموهبة في طريق متواز، الموهبة والتعلم الذاتي، أؤمن بأنه على الممثل أن يُلِم بعدة معارف وعلوم ليقوم بدوره كما يجب علوم مثل العلوم الاجتماعية وعلم النفس وغيرهما حتى يكون ممثلا حقيقيا ومقتدرا، يجب أن يكون دَيدَنه هو البحث الدائم والمطالعة المستمرة. إيمانا مني بهذا أنا أُحضّر حاليا كتابا يتحدث عن تعليم وتكوين الفنانين المسرحيين وإعطاء الأهمية والأولوية للغة العربية، تكوين ممثلين يقدمون نصوصًا مسرحية باللغة الفصحى بطلاقة نظرًا لتدني مستوى هذه الأخيرة في الجزائر. -على ذكر لغة الضاد سمعنا أنك حضّرت مسرحية باللغة الفصحى بالفعل حضرت مسرحية أخذت مني عدة سنوات هي عبارة عن تكوين شعري عنوانها «هذا زمان شرُست خلائقه « تتضمن مقاطع شعرية لشعراء مختلفين ومن حقبات زمنية مختلفة وتخدم مواضيع متنوعة من بينها المواضيع السياسية، فقط لخدمة اللغة العربية وإدخالها الى الخشبة، لكن للأسف لم تر النور لحد الساعة، إلى جانب العديد من المسرحيات التي بقيت حبيسة الرفوف ولم تخرج إلى الجمهور لأنها كانت تنتقد السياسة التي كان ينتهجها النظام والفساد المتفشي. -تحدث لنا عن كتابك «المسرح، الممثل كلٌ متكامل» كتاب «le theatre le comédien un tout» الذي أصدر سنة 2006 كان عبارة عن مقالات منشورة في جرائد مختلفة ثم جمعت في كتاب يتحدث عن المسرح وأسلوب وقواعد الإخراج والتمثيل. وهناك مقالات أخرى عرضتها على جرائد مختلفة ولكن رفضت عدة جرائد نشرها نظرا لصعوبة لغتها وأنها موجهة للنخبة المثقفة. -هل تشجع بأن يتم إصدار مجلات خاصة بالمسرح على غرار مجلات كثيرة متواجدة في الوطن العربي؟ فعلا، هذا يساهم في انتعاش هذا الفن المُهمش وكذلك يجد النقاد والكُتاب المسرحيون والباحثون متنفّسا وفضاء خاصا بهم للتعبير ومناقشة مختلف القضايا الخاصة بأبي الفنون. -ماذا عن تجربتك في الإخراج؟ ولا مرة ظننت أنني سأكون يوما ما مخرجا، في خضم عملي كأستاذ لفن التمثيل اكتشفت قدراتي كمخرج، ليس هناك فرق بين أن تُدرس الطلبة التمثيل وأن تخرج فتعمقت فيه أكثر وبدأت أدرسه، يعني من خلال الدراسة والقراءة الكثيرة وجدت نفسي قادرا على الإخراج نفس الشيء بالنسبة للكتابة لم أكن اعتقد يوما أني سأكتب كتابا كنت اقرأ كثيرا لأني شخص مهووس بالقراءة لحد الساعة حتى وجدت نفسي أكتب. -حدثنا عن رائعتك «شكون يسمع شكون» باعتباري شخصيا معجبة بها أيما إعجاب تحدثت مع كاتب المسرحية الأستاذ عروش عبد القادر قلت له: اُكتب لي مسرحية أخرجها وأمثل فيها، وتمر الشخصية فيها بالمراحل العُمرية الثلاثة، مرحلة الشباب، مرحلة الكهولة والشيخوخة لأرى إن كنت قادرا على تحدي نفسي وتمثيلها أداء الأدوار فيها بأحسن ما يكون، وكان يقرأ لي كل مرة يكتب فيها مقطعا وكنا نتناقش فيها وكانت من أروع مسرحياته. أختم بها مشواري الفني مسرحية تكون باكورة أعمالي الفنية كلها، فكانت هذه المسرحية. -فعلا هي مسرحية رائعة بكل المقاييس، كأنك بلورت فيها وختمت بها مشوارا طويلا من العطاء والابداع، ومازال العطاء مستمرا من إخراج وكتابة وبحث متواصل، أشكرك جزيل الشكر أستاذ بوذهب بشير على وقتك الثمين الذي اختطفناك فيه من مكتبك ومن وسط كتبك وأوراقك، شكرا لك.