فيما يبدأ الجميع بالتحضير للتنقل إلى شاطئ البحر أو القيام بجولة عبر المدن الساحلية خلال فصل الصيف لا يجد آخرون حتى بيتا يأويهم من حرارة الشمس الحارقة. في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى شواطئ البحر وأماكن الراحة والاستجمام إخترنا إختراق إمبراطورية الفقر والحرمان ودخول عالم كل شيء فيه مباح حتى عمل الأطفال طيلة اليوم تحت شمس الصيف الحارقة قبل أن يعودوا إلى البيت يناشدون راحة مفقودة تحت سقف بيت قصديري حقير في درجة حرارة تعدت 45 تحت الظل هو واقع عشناه طيلة يوم كامل وسط أحياء فقيرة يعرف سكانها معني "عطلة الصيف" إلا من رحم ربك فالبرك الملاذ الوحيد لبراعم يحلمون كغيرهم بقضاء يوم واحد على شاطئ البحر وهو ما يدفعهم إلى العمل طيلة أسبوع كامل للظفر بجزء من أحلامهم فيما يضطر إلى ادخار البقية لضمان عودتهم إلى مقاعد الدراسة فيما تسعى الأم من جهة أخرى إلى كسب قوت يومها على طريقتها الخاصة حيث تتجه إلى إعداد أطباق تقليدية لتعيد بيعها لزبائنها وتعمل الأخريات على قضاء يومهن في تنظيف مداخل العمارات وحتى البيوت هي الحياة اليومية لعائلات تخلت عن كل شيء من أجل ضمان حياة قد يقال عنها كريمة لأنهم يكسبون رزقهم بعرق جبينهم في ظروف قاسية جدا زادتها لا مبالاة المسؤولين قسوة فلا ماء ولا كهرباء وسط أحياء تفتقر لأدنى شروط الحياة رغم الشكاوى العديدة للمواطنين. أطفال يحلمون بشاطئ البحر في حقول الطماطم يضطر الجميع إلى هجر البيت خلال ساعات النهار بسبب الحرارة الشديدة التي تجتاح المكان بمجرد طلوع الشمس والتي قد تتعدى 45 درجة وهو ما وقفنا عليه بحي مرزوق عمار "القنطرة" التابع إداريا لبلدية سيدي عمار حيث بدا للوهلة الأولى وكأننا نجتاح منطقة بالصحراء الجزائرية بسبب الرمال التي تملأ المكان المليء بالأكواخ القصديرية المتناثرة هنا وهناك طرقنا البيت الأول لكن لا حياة لمن تنادي قبل أن يتقدم منا بعض الأطفال الذين كانوا يتجولون بالحي رغم الحرارة الشديدة تبعناهم لندخل أحد الأكواخ أين دخلنا منزل سيدة مطلقة كانت بصدد إطعام أبنائها الثلاثة قبل أن يعاودوا الخروج لإكمال عملهم بالحقول المجاورة في جمع الطماطم والدلاع فيما تعمل الأم على تنظيف مداخل العمارات صباحا وإعداد "أوراق" البوراك مساءا لتبيعها بالأسواق المجاورة تقول الأم بأنها لم تتحصل على سكن رغم أن القانون يعطيها الأولوية حيث اضطرت إلى إقامة كوخ تسكن فيه مع أبنائها بعد طلاقها لتعمل رفقتهم لكن حاجة السؤال أو الموت جوعا، قبل أن تسترسل قائلة يعز علي إلحاح أبنائي على التوجه إلى شاطئ البحر لكن الميزانية لا تكفي فهم يضطرون خفية عني إلى التوجه إلى البركة المجاورة رفقة أترابهم من سكان الحي فيما توجهوا مرة واحدة إلى الشاطئ عندما تطوع أحد الجيران الذي يملك "G9" إلى نقلهم في نزهة ليوم كامل قبل أن يعودوا إلى العمل في حقول الطماطم والدلاع لجمع أموال تمكنهم من العودة إلى مقاعد الدراسة. أفاعي وحشرات ضارة طيلة الصيف والبقية تأتي صادف وجودنا بأحد الأحياء النائية مطاردة أبناء الحي لأفعى يتعدى طولها المتر والنصف ذهلنا للمنظر قبل أن نعلم بأن الظاهرة عادية جدا فالمشهد يتكرر يوميا في ظل غياب السلطات التي تقع على عاتقها مسؤولية رش الأدوية والمبيدات للقضاء على الزواحف والحشرات الضارة التي وجدت ضالتها بالأحياء القصديرية بسبب تراكم الأوساخ وكذا المياه القذرة دون أن يحرك أحد ساكنا ليضطر السكان في الأخير إلى تنظيم حملات تنظيف داخل الحي. وحسب سكان تلك الأحياء فإنهم يقضون فصل الصيف في مطاردة القوارض والأفاعي التي تشكل خطرا خاصة على الأطفال الذين يهربون من الحرارة داخل المنازل إلى الأماكن الرطبة المجاورة للبرك وكذا صهاريج المياه التي يتزودون منها أين تلجأ الحيوانات الزاحفة للبحث عن المياه بسبب الحرارة الشديدة حيث سبق وأن أصيب طفل لا يتعدى العامين بتسمم كان أن يفارق على إثره الحياة بسبب لسعة أفعى عندما كان رفقة أخيه بالقرب من البركة التي يمارسان فيها هواية السباحة غير بعيد عن الحي الذي يسكنان فيه فيما توفيت سيدة ورضيعين بعد تعرضهم للسعة عقرب وكلهم من سكان الأكواخ القصديرية. عائلات تقضي عطلتها بين مطرقة الحرارة وسندان الفقر منعتهم الظروف القاسية من دخول عالم الراحة والاستجمام أو حتى قضاء يومهم بين جدران بيت يحميهم حرارة الصيف الحارقة فأغلب سكان الأكواخ ينتظرون تجسيد السلطات لوعودها والتي طال أمدها أين يعانون في صمت فلا حيلة لهم ولا قوة إلا دعاء الله كي يفرج عنهم كربتهم فهم يقضون نهارهم في الجري وراء العمل وليلهم في محاربة القوارض ومطاردة الزواحف وكذا الحشرات الضارة في انتظار أن يأتي الفرج يوما ويفي المنتخبون بوعودهم التي أمطروا بها المواطنين خلال الحملات الانتخابية والتي سرعان ما تتبخر بمجرد الفوز بمنصب رئيس بلدية أو حتى منتخب بالمجلس الشعبي البلدي. يقول شيخ طاعن في السن يقطن بكوخ حقير بأنه قضي عمره كاملا ينتظر الفرج ليدخل مع عائلته بيتا آمنا بعيدا عن الخوف الذي يعيشونه وحالة اللاأمن كون الأكواخ لا تقيهم حرارة الصيف ولا برد الشتاء وأوضاعهم المزرية لا تسمح لهم بشراء منزل لائق كبقية العائلات فهم يقضون فصل الصيف وهم في حالة استنفار قسوى تحسبا لأي طارئ خاصة الحرائق التي قد تندلع لأبسط الأسباب. الليل ملاذ الفقراء الوحيد في الصيف يجد سكان تلك الأحياء التي تعيش خارج مجال التغطية ضالتهم ليلا حيث يخرج الأغلبية للسمر وسط الحي نساء ورجالا يجتمعون لينسى كل واحد منهم حرارة النهار القاتلة وشقاء يوم متعب قضاه كل شخص منهم بطريقته الخاصة لكسب قوت يومه فهذا عامل نظافة والآخر تاجر غير شرعي والأطفال يلهثون وراء الزبائن لبيع كيس واحد من البلاستيك أو العمل في جمع الطماطم ومختلف المحاصيل الموسمية وتنقلب الطاولة ليلا للعب الخربقة والاجتماع حول طاولة صغيرة للشاي أو غيرها لنسيان هموم يوم كامل هو حال طبقة كادت أن تمحى من الذاكرة فلا أحد كما يقال كان يتصور خاصة من الذين يتمتعون بعطلة على شاطئ البحر أو حتى السفر والتنقل إلى أماكن الراحة والاستجمام أن يجد عائلات لا تجد حتى مكان تسكن فيه لتحتمي من حرارة الصيف. بوسعادة فتيحة