وسط الاهتمام المتعاظم والمتزايد بالحدائق العامة في المواقع الاستراتيجية واتجاه الأبصار كلها إلى منطقة الكورنيش والجسور بولاية قسنطينة، تناست العيون الحدائق الصغيرة في قلب مدينة الصخر العتيق فعادت مهملة تعج بالنفايات، كما أصبحت وكرا للمجرمين والمنحرفين والمجانين. حديقة الباي التي تقع تحت جسر باب القنطرة تعيش اليوم واقعا محزنا وصمتا مطبقا وألعاب محطمة بفعل الإهمال أو العبث أو النسيان والغفلة، الاتهام يطال قلة الوعي بين الرواد الذين أحالوا تلك الحدائق إلى مرمى للنفايات لتعاني ما تعاني أيضا مع قلة الصيانة أو غيابها، ناهيك عن غزوها من طرف المنحرفين لممارسة شتى أنواع الرذيلة. ففي ظل توفر المناخ المناسب كون المكان قد غطته الأوساخ التي تراكمت به حتى بات أشبه بمفرغة لقارورات الخمر والمخلفات التي يتركها وراءهم رواد المكان، الذين حرموا أبناء المدينة وزائريها من التمتع بجمال الحديقة التي كانت في زمن غابر مكانا للبنايات والملوك قبل أن يعبث فيها الإهمال الإداري وسوء التسيير فسادا، للتذكير فإن حديقة الباي التي تعود للفترة الاستعمارية الأولى وتحديدا لمرحلة البايات حيث شيدت في منحدرات الصخر العتيق في شكل حدائق دائرية معلقة حتى أطلق عليها اسم حديقة الساعة وبعد الاستقلال مباشرة أعيدت تهيئتها وأدخلت عليها إضافات لتكون من بين أهم الحدائق التي تتغنى بها عاصمة الشرق الجزائري المسماة قديما مدينة الهوى والهواء لجمال حدائقها وطيب جوها، لكن وللأسف تعيش هذه الحديقة حاليا أسوأ أيامها بعدما عاث فيها المفسدون وجعلوها فضاء للسكر العلني في ظل الغياب التام للرقابة من قبل الجهات المعنية وإهمال السلطات المحلية لمثل هذه الأماكن التاريخية التي تحولت مؤخرا إلى أماكن مشبوهة غير آمنة وأوكار للرذيلة والفساد، في وقت تفتقر فيه المدينة لأدنى فرص الاستجمام ، وهي الصورة التي تشوه عاصمة الشرق الجزائري التي كانت في وقت سابق يطلق الشعراء عليها اسم مدينة «الهوى والهواء» وهذا نظرا لانتشار البساتين والأشجار في كل أرجائها وبذلك تتوفر المدينة على عدة حدائق عمومية تعمل على تلطيف الجو داخلها، ولعل أهم هذه الحدائق والتي ما تزال تحافظ على رونقها وجمالها، حديقة بن ناصر أو كما يطلق عليها «جنان الأغنياء» وتتوسط شارع باب الواد، وبحي سيدي مبروك توجد حديقتان إحداهما تقع بالمنطقة العليا والأخرى تقع بالمنطقة السفلى، كما توجد حديقة بحي المنظر الجميل تحمل اسم «فرفي عبد الحميد» وتجدر الإشارة إلى أن قصر «أحمد باي» يتوفر على حديقة رائعة الجمال، تذكر بعض الروايات أن الباي نفسه كان يشرف عليها، ومن بين حدائق قسنطينة التي كتب عنها بعض المؤرخين والرحالة» حديقة، قسوم محمد التي تدعى «سكورا قامبيطة«، الكائنة خلف شارع بلوزداد، التي ما فتئت تستقطب الكثير من الناس لجمالها وكثافة أشجارها ويوجد بها تمثال للنحات «لوست« ، وتحت جسر باب القنطرة توجد حديقة الباي الرائعة الجمال، لكن اليوم أكل عليها الدهر وشرب.