تعكف جمعية الحسن الحسني الثقافية بسدارتة بولاية سوق أهراس على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع عمل مسرحي ملحمي كبير، بعنوان ّغنائية الجزائرالبيضاء»... وهذا العمل يحتوي على عديد الأغاني الوطنية والثورية التي تحاكي تاريخ الجزائر وبطولات رجالها ونسائها على غرار البطل الشهيد باجي مختار والمجاهدة جميلة بوحيرد التي خصصت لها بعض المقاطع ضمن هذا العمل الملحمي مثل «بوحيرد أنت رمز النضال».وسيتغنى بهذه المقاطع أصوات شابة ومبدعة وستتضمن هذه الغنائية لوحات تعبيرية ومشاهد ثورية تحاكي ما عايشه الآباء والأجداد من آلام و محن وتظهر الأصالة والهوية الجزائرية من خلال «البرنوس» و»المحرمة» و»القصعة» و»البندقية» وكل الإكسسوارات التي تعطي لهذه الغنائية «نكهة الأصالة»،وسيقدم هذا المشروع الفني قريبا إلى إدارة المسرح الجهوي لسوق أهراس لضمان التكفل بإنتاجه مضيفا أنه يتم من خلال هذا العمل الفني ،السعي لإعطاء الأولوية للطاقات الشابة والمبدعة من ولاية سوق أهراس وذلك لفسح المجال لهم لاكتساب تجربة أوسع.وقد اعتمد ذات المخرج على إدراج أغاني وطنية وثورية في شكل حيوي يمزج بين الخطاب والغناء ومشاهد التمثيل المسرحي مما يضفي تنوعا وفرجة ومتعة لدى المشاهد. رشيد بوجدرة: «الإسلاميون يحاربوننا بأمواسهم ونحن نحاربهم بأقلامنا» صالون «الملتقى الأدبي» بمعرض أبوظبي للكتاب في دورته الثالثة والعشرين، يفتح مجالاتٍ واسعة أمام الزوار من المهتمين بالكتاب والباحثين في مجالات الفكر والإبداع للاطلاع على قضايا الثقافة والفن وما يعزّز منها القيم الإنسانية ويكرّس مبادئ الحوار والتواصل التفاعلي بين الأفراد والثقافات والشعوب. وفي هذا الإطار تتنزّل دعوة الروائي الجزائري رشيد بوجدرة الذي أجاب عن كثير من أسئلة الحاضرين وقدّم لهم سيرته الذاتية والإبداعية في اتصالها بوطنه الجزائر. الروائي رشيد بوجدرة واحد من الكتاب الجزائريين الذين عاشوا محنة التهديد بالقتل خلال ما صار يسمى «حرب الإسلاميين» بالجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، وهو أمر اضطرّه إلى التصريح بقوله: «سأرفع السلاح ضد الإسلاميين إذا حكموا في الجزائر».لكل روائي مدينةالكاتب والروائي الجزائري رشيد بوجدرة قدّم لجمهور الحاضرين خلاصة تجربة أدبية تناول فيها علاقة الإنسان بالزمان والمكان على مر العصور، حتى أنّه تفرّد بوجهات نظر خاصة به حيث قال منذ البداية: «أنا فقط أعطي رأيي كمواطن عربي».عندما استحضر كاتبنا بعضاً من رواياته راصداً ارتباطها بالأوساط المحيطة بأحداثها وشخصياتها، تنبّه إلى أنّ كل كاتب أو روائي أو شاعر يستنبط أفكاره من مدينته: «أنا آخذ أفكاري من الجزائر، من بلدي، من وطني، كل روائي لديه مدينته الخاصة به والتي تحتضن كل عناصر هوية الفردية والجمعية». لم يكن اللقاء برشيد بوجدرة الذي اشتهر بكونه رائد الحركة التجريبية الخيالية الجديدة، مقتصراً على الحديث عن أدبه ورواياته، فالكتابة بالنسبة إليه، وكما ظهر لنا من خلال دقائق قليلة التقيناه فيها، تتعلق بأسلوب ونمط حياة يتدخل في أحداثها وشخصياتها كل من الفلسفة والتاريخ العالميين. ففي ظل حاضر اليوم في مجتمعاتنا العربية لابد من أن يتخذ كاتب مثله موقفاً من كثيرٍ من الظواهر والأحداث، الشيء الذي أطلعنا عليه خلال الملتقى، بكل صراحة وجرأة ودون أي شعور بالحرج أو حتى بالتردد. يقول بوجدرة: «الفلسفة تعطي عمقاً للأشياء في الأدب، ومن دونها قد تبقى بعض التفاصيل بسيطة وغير عميقة» أي لا تستحق أن تكون أدباً بغض النظر عن نوعه الكتابة ونمطها.من خلال حديثه عن رواياته المتعلقة بموضوعاتها بالجزائر والمواطن العربي وعلاقته بالحالة الاجتماعية للمجتمع الذي يعيش فيه، انطلق نحو منطق «الفتوحات الإسلامية» التي عرفناها في تاريخنا مجسّدة للعدل والسّلم، لكن وبالمنطق أيضاً طرح بوجدرة سؤالاً: هل من حرب سلميّة؟ القتل هو القتل أينما كان وكيفما كان وبغض النظر عن أطرافه المتنازعة وعن الأسباب والآليات.ويضيف: «نحن العرب لم نكن مسالمين أبداً في فتوحاتنا، فتح الأندلس كان مجزرة رهيبة، لا توجد حرب مسالمة، نحن استعمرنا واستُعمرنا، لماذا علينا أن ننكر التاريخ؟ مثلاً في مجال العبودية نحن أول من جاء بالأفارقة من القرن الأفريقي واستعبدناهم». ويستحضر قول ابن خلدون: «ولم يكن ينزل فتحاً مبيناً كما يقولون» ليشير إلى أنّ الحرب لدى العرب والمسلمين في ذلك الوقت كانت مبنية على العلم كأساس ومنهج وإستراتيجية. الحنين إلى الجذور يفتخر بوجدرة بأصوله العربيّة، ففي روايته «ألف عام وعام من الحنين» والتي نصح جمهور الملتقى بقراءتها وركّز عليها، شيء ما يدفعه إلى التشبث بالماضي والاعتزاز به، فمن دونه لا وجود للحاضر ولا المستقبل حسب تعبير أديبنا. ويقول: «ألف عام وعام من الحنين» فيها الحنين متمثلاً في العودة إلى جذورنا القديمة وإلى علمائنا وإلى الفترة التي كنا فيها نعيش حالة مثالية من الازدهار والحضارة، أنا أعترف بأنني أعيش هذا النوع من الحنين». تساؤلات كثيرة واجهها بوجدرة هنا وهناك في الصحافة العربية والعالمية، تدور جميعها حول انتقاله في مرحلة من المراحل من الكتابة الروائية باللغة العربية إلى الكتابة باللغة الإنجليزية، وفي بعض الأحيان كانت هناك تساؤلات حول إذا ما كان يحاول التخلّص أو التملّص من تلك الجذور العربية. حيث من المعروف عنه تخلصه من كثير من الخطوط الحمراء السياسية والدينية والاجتماعية. وما كان من بوجدرة إلا أن تطرّق إلى هذا الموضوع خلال الملتقى وقال: «أجمل نص بالنسبة لي هو القرآن الكريم، هذه جذوري فأنا قد ولدت وسط مناخٍ إسلاميّ وعربيّ. وأثناء علاقتي مع الغربيين دائماً أذهب إلى تقديم حضارتي، أنا لست خائناً لبلادي»، وبطريقة المزاح يقول: «اسمي بوجدرة أي أبو الجذور». رفض الأصولية كذلك ومن جهةٍ أخرى، كانت لبوجدرة وجهة نظر خاصّة حول ما يدور اليوم من تطورات وتغييرات في بلداننا العربية. ومن الواضح جداً أنه مثقف يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، ويدعو أيضاً إلى دولة مدنية تحترم الإنسان وحقوقه. ويؤكّد: «الإسلاميون يحاربوننا بالأمواس وأنا أحاربهم بالقلم».هذا منهجه الواضح منذ روايته الأولى «النكران» عام 1969 والتي اكتسبت شهرة سيئة بسبب لغتها الفاضحة والهجوم على التيار الإسلامي في الجزائر المعاصرة. لم يخفِ بوجدرة طيلة حياته تعلقه الشديد بالشيوعية كفكر إنساني قبل أن يكون سياسياً. وهو ما عرّج عليه أثناء حديثه وحواره مع جمهور الملتقى إذ أنّ الحديث أساساً كان يفضي إلى مجالات أدبية وسياسية واجتماعية واسعة، وعن شيوعيته يحكي: «شيوعيتي ببساطة تريد العدل للإنسان وفق سلّمٍ تراتبيّ من 1 وحتى 11. هكذا يفهم بوجدرة منطق الحياة، فهو لا يطلب العدل للآخرين دون دراية أو معرفة بتجليّات الوقائع وتراتبيتها، المهم بالنسبة لها أن يعامل الإنسان كإنسان، دون أية حسابات لا إنسانية يمتهنها كثيرون ممن حولنا.