وليد هري يعيش حزب جبهة التحرير الوطني، حاليا، نفس الأزمة التي دارت في بيته قبيل رئاسيات 2004 والتي أطاحت وقتها بالأمين العام السابق علي بن فليس من على رأس الحزب وخلفه عبد العزيز بلخادم. يرى مراقبون أن التاريخ يعيد نفسه في الحزب العتيد حيث اعتبروا أن ما يحدث في بيته هذه الأيام شبيه إلى حد كبير بالأزمة التي هزته انطلافا من صائفة عام 2003 وإلى غاية الانتخابات الرئاسية التي جرت في أفريل 2004، عندما انقسم الحزب إلى جناحين، أحدهما ساند عبد العزيز بوتفليقة ليفوز بعهدة ثانية، والثاني دعم الأمين العام للحزب وقتها علي بن فليس ليفوز بالرئاسيات، وقام معارضو بن فليس وقتها وبإيعاز من بعض الأطراف المعروفة بالطعن في شرعية المؤتمر الثامن للحزب الذي أفرز بن فليس أمينا عاما، لتنبثق بعدها الحركة التصحيحية التي كان يقودها عبد العزيز بلخادم والتي دفعت بالقضية إلى أروقة “عدالة الليل” لتعمل عملها وتطيح ببن فليس من على رأس الحزب. ولأن التاريخ يقول بأنه مثلما تفعل لغيرك يفعل لك، فقد ظهر، في السنتين الأخيرتين، معارضون لبلخادم وأسسوا ما أسموه “حركة تقويم وتأصيل جبهة التحرير الوطني”، والغريب في الأمر أن من عارضوا بلخادم هم أنفسهم من خاضوا معه معركة سياسية وقضائية ضد بن فليس نهاية عام 2003، وانتهجت حركتهم التصحيحية الجدية نفس الخط السياسي الذي ساروا عليه للإطاحة ببن فليس، ليتمكنوا من خلال ذلك بالإطاحة ببلخادم من على رأس الحزب العتيد نهاية شهر جانفي الماضي. “عدالة الليل” تفصل مجددا في منصب الأمين العام رفع صالح قوجيل القيادي في الحزب العتيد دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر من أجل إلغاء الرخصة التي منحت لأحمد بومهدي لانعقاد الدورة، غير أن المحكمة رفضت الدعوة لعدم التأسيس، ليتم استئناف هذا الحكم أمام مجلس الدولة الذي قضى بإلغاء الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية وبالتالي إلغاء الرخصة الممنوحة، ورغم أن مجلس الدولة يعتبر أعلى سلطة في البلاد إلا أن بومهدي دخل في معركة قانونية معه إلى أن عادت المحكمة الإدارية وأصدرت حكما بقبول الدعوى لاستئناف أشغال الدورة السادسة للجنة المركزية، صبيحة الخميس الماضي، وهو ما شكّل ضربة قوية عبد الرحمان بلعياط منسق المكتب السياسي للحزب، والذي أكد خلال مؤتمر صحفي عقده في نفس توقيت انعقاد الدورة السادسة بفندق الأوراسي، أن هذه الأخيرة غير قانونية والنتائج المنبثقة عنها غير شرعية لأن مجلس الدولة ألغى الرخصة الممنوحة لجماعة بن مهدي لتنظيم الدورة، رافضا ربط ما يحدث في الحزب بصراع الأجنحة في هرم السلطة قبيل الرئاسيات معتبرا ذلك مجرد افتراءات، كما ذكّر خلال المؤتمر بسلامة موقفه الذي اتخذه خلال أزمة الحزب عام 2004 والتي كانت “عدالة الليل” حاسمة فيها أيضا. وليس “عدالة الليل” هي من تحسم الأمور في صراعات “الأفلان” بل حتى الأوامر الفوقية، التي دفعت مصطفى معزوزي إلى الإنسحاب من سباق الوصول إلى الأمانة العامة للحزب فاسحا المجال أمام عمار سعداني رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق ليكون المرشح الوحيد لهذا المنصب، والذي تمت تزكيته أمينا عاما للحزب برفع الأيدي.