تستعد الطبقة السياسية في الجزائر لدخول سياسي يبدو مميّزا ومزدحما هذا العام، بالنظر إلى الأجندة السياسية المكثفة والجدل الدائر بشأن العديد من الملفات التي ستتصدر هذا الدخول ومن أبرزها افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، والتحضير للانتخابات المحلية، وأيضا احتمال الكشف عن الطاقم الحكومي الجديد الذي كثر اللغط حوله بسبب تأخر الإعلان عنه عقب انتخابات تشريعية جاءت في سياق الإصلاحات. بعد جمود سياسي سيطر على المشهد منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من ماي الماضي وكرست فوز جبهة التحرير الوطني بأغلبية جد مريحة، وما صاحبها من ردود أفعال متباينة، تستعد الطبقة السياسية تحت »ضغط« الرزنامة السياسية إلى استئناف نشاطها في دول سياسي يوصف من قبل المتتبعين بأنه بالغ الأهمية للحياة الحزبية لاعتبارات عديدة أهمها: استكمال بناء مؤسسات الجمهورية من خلال الانتخابات المحلية التي حدد تاريخها في 29 نوفمبر المقبل، والتي تعتبر امتحانا للأحزاب لإثبات جدارتها وتجدرها في المجتمع ولكن تموقعها أيضا في مؤسسات الجمهورية. كما أن لافتتاح البرلمان لدورته الخريفية المقررة مبدئيا في الثاني من شهر سبتمبر وقعه على المشهد السياسي، سواء بالنسبة لتركيبته أو للملفات التي سيناقشها المجلس الشعبي الوطني، في ظل تحولات حزبية، لكن بالنسبة لمراقبين للوضع، فإن الحديث عن الدخول السياسي المميز، يبقى ناقصا ما لم يتم تسليط الضوء على وضعية الأحزاب السياسية من الناحيتين النظامية والسياسية، وكذا عودة مصالح وزارة الداخلية للإفراج عن اعتماد الأحزاب، وقرب آجال الإعلان عن تركيبة الطاقم الحكومي الجديد. أحزاب تنفجر وأخرى تنتظر أمام مقصلة المحليات رغم وصف المشهد السياسي في الفترة الأخيرة ب»الجامد«، إلا أن هناك بعض المحطات تستوجب الوقوف عندها، وأبرزها الأزمات التنظيمية التي طالت العديد من الأحزاب السياسية بعد الزلزال المدوي لنتائج الانتخابات التشريعية، ولعل حركة مجتمع السلم وحزب جبهة القوى الاشتراكية والجبهة الوطنية الجزائرية كانا من أبرز ضحايا هذا الزلزال الديمقراطي لشهادة الاتحاد الأوروبي )الانتخابات التشريعية(. فحركة أبوجرة سلطاني عرفت أخطر هزة تنظيمية وأعنفها منذ نشأتها بعد اتخاذها لقرار مقاطعة المشاركة في الحكومة المقبلة وفك الارتباط مع السلطة بعد قرابة العشرين سنة من سياسية المشاركة، بعد قرار وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول رفقة مجموعة من إطارات ومناضلي »حمس« الاستقالة النهائية من صفوف الحركة والذهاب نحو تأسيس حزب جديد أودع ملف طلب اعتماده قبل أيام تحت تسمية »تجمع أمل الجزائر«، وهي خطوة يعتبرها المراقبون تحولا نوعيا في المشهد الحزبي، من شأنه أن يضعف »حمس« ويزيحها من صف الكبار المسيطرين على مقاليد السلطة في الجزائر طيلة العشرين سنة الماضية، مع إمكانية بروز قوى حزبية أخرى قد تطلع بهذا الدور. أما حزب جبهة القوى الاشتراكية برئاسة حسين أيت احمد، فلم يكن وضعه التنظيمي أحسن من حركة مجتمع السلم، فقد خرج إطارات وكوادر من الحزب يتقدمهم السكرتير الأول السابق كريم طابو عن خط الافافا وأعلنوا انسحابهم النهائي من صفوف أقدم حزب معارض وتوجهوا لتأسيس حزب جديد مثلما صرحوا بذلك، فيما يواصل قيادات سابقة في الحزب المعارضة من داخل صفوف الحزب، ومكمن أزمة الأفافاس، حسب ما هو ظاهر إلى حد الساعة، هو اختلاف بين إطاراته ومناضليه خول مشاركة الحزب في الانتخابات التشريعية من جهة وتغيير طفيف في خطابه من جهة أخرى، للعلم أن الأفافاس شارك في الانتخابات التشريعية الماضية بعد عقد من المقاطعة والغياب عن الساحة وتمكن من حصد 27 مقعدا المجلس الشعبي الوطني مما يؤهله للعب دور أكثر ايجابية. أما الجبهة الوطنية الجزائرية بقيادة موسى تواتي فقد تلقت ضربتين قاتلتين، أولهما انشقاق نواب الحزب وأعضاء مكتبه الوطني عن سلطة رئيس الجبهة موسى تواتي والعمل من أجل الإطاحة به، وثانيا إلغاء الداخلية لنتائج المؤتمر الاستثنائي الذي عقده تواتي في سياق بحثه عن ضربة تنظيمية لخصومه...غير أن هناك أحزاب أخرى لم تصل أزماتها إلى حد الانفجار لكنها تعيش تململا تنظيميا كما هو حال الأرندي أو تلك الأحزاب المتخوفة من عدم قدرتها على تجاوز عقبات قانون الانتخابات، فيما يعيش حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الله جاب الله نوعا من اليأس والتشاؤم بسبب هزيمته في تشريعيات ماي المنصرم. في ظل هذه المعطيات، تعود مصالح وزارة الداخلية إلى منح تراخيص عقد المؤتمرات التأسيسية للأحزاب الناشئة واعتماد أخرى، حيث اعتمدت قبيل العيد ثلاثة أحزاب ورخصت لسبعة أخرى بمباشرة عقد مؤتمراتها، وهو ما يجعل من الساحة الحزبية تعيش على وقع تشبع إلى حد تميع النشاط الحزبي، حيث يتوقع أن يتجاوز عدد الأحزاب المعتمدة مع اقتراب المحليات ال50 حزبا سياسيا، وهو ما يعني أن التنافس في المحليات سيكون كبيرا لكن النجاح سيكون حليف القوى الحزبية الأكثر تنظيما وتجدرا في المجتمع، سيما في ظل اعتماد المعدل الاقصائي المقدر ب7 بالمائة من نسب الأصوات المعبر عنها. حكومة جديدة وملفات قديمة حسب وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيستدعي الهيئة الناخبة مطلع سبتمبر، ويتزامن ذلك مع افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في الثاني من نفس الشهر، وهو ما من شأنه أن يدفع الأقلية في البرلمان إلى محاولة التأكيد على حضورها السياسي من خلال بعث نقاش سياسي تحت قبة المجلس وإيذانا بدخول حملة انتخابية مسبقة، لانتخابات ليست كسابقتها، سواء من حيث نوعية وطبيعة المشاركين فيها أو بالنظر إلى النظام الانتخابي التي ستجرى في ظله. وفي هكذا سياقات يدور حديث في صالونات مغلقة عن احتمال الكشف عن الطاقم الحكومي الجديد قبيل شهر سبتمبر، حيث تتحدث مصادر سياسية عن اقتراب موعد الإفراج عن الجهاز الحكومي الذي اثأر جدلا واسعا بسبب تأخره ودفع البعض إلى وصف الوضع بالانسداد. وفي التفاصيل تتحدث ذات المصادر عن بقاء بعض الوجوه القديمة في الطاقم الجديد من دون تحديد من هي هذه الوجوه، فضلا عن احتمال بقاء الوزير الأول الحالي أحمد أويحيى على رأس الحكومة، وهو ما يعني وفق هذه التسريبات أن الحكومة المقبلة لن يطالها تغيير جدري على المستويين البشري والهيكلي. وأمام الحكومة الجديدة المرتقبة ملفات قديمة، سيما في الجانب الاجتماعي والاقتصادي، وتداعيات الأزمة المالية العالمية، لكن أولوياتها ستنصب على تسيير الدخول الاجتماعي، وتحضير الانتخابات المحلية وربما التحضير للتعديل الدستوري المرتقب بعد المحليات.