تحول الطرح الذي طالما رافقت عنه الجزائر والمتمثل في تغليب كفة الحل السياسي ومعالجة الأزمة في شمال مالي عبر الحوار بين أطراف الأزمة مع استثناء المجموعات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود، إلى خيار تدافع عنه مختلف الأطراف بما في ذلك فرنسا الراعي الرسمي لخيار التدخل العسكري في شمال مالي. جدد وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي من لندن في كلمة ألقاها أمام برلمانيين بريطانيين وباحثين من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، موقف الجزائر بخصوص الوضع في شمال مالي ومنطقة الساحل الصحراوي، والقائم على الحوار ورفض التدخل العسكري، وأشار مدلسي إلى أن »الدبلوماسية الجزائرية تقوم على ثلاث قواعد وهي تقرير مصير الشعوب وعدم التدخل في شؤون الغير والكفاح المستمر من أجل السلم وترقية التعاون«،كما ألح على أولويتي الساعة بالنسبة للجزائر والمتمثلتين في محاربة الإرهاب ومشاركة فعالة للجزائر في حل الأزمة بالساحل ومالي، علما أن ملف الأزمة في شمال مالي شكل محورا هاما للمحادثات التي أجراها وزير الخارجية مع نظيره البريطانية ويليام هيغ فضلا عن العديد من الملفات الأخرى المرتبطة بتنشيط العلاقات بين الجزائر والمملكة المتحدة. وتتزامن تصريحات مراد مدلسي مع تحول لافت لمواقف العديد من الأطراف الدولية التي بدأت تلتحق تباعا بالطرح الجزائري الداعي إلى تغليب كفة الحل السياسي القائم على فتح حوار جاد بين مختلف الأطراف في مالي، يستثني المجموعات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية، وبعد التصريحات التي أدلى بها من الجزائر وأكد من خلالها بأن التدخل العسكري سيكون آخر الحلول التي يمكن اللجوء إليها لمعالجة الأزمة في شمال مالي، أوضح أول أمس الثلاثاء الممثل الخاص للأمم المتحدة لمنطقة الساحل رئيس الوزراء الايطالي السابق رومانو برودي في تصريحات أدلى بها من المغرب خلال مؤتمر صحفي نشطه بعد مباحثات مع وزير الخارجية المغربي سعد الدين عثماني أن »كل الخبراء (السياسيين والعسكريين) متفقون على أن التدخل العسكري لا يمكن أن يحدث إلا في سبتمبر 2013«، وأضاف برودي »يجب إعداد العمل العسكري ليكون ذا مصداقية، وان مهمتي هي القيام بكل ما استطيع من اجل السلام وتفادي الحرب« داعيا إلى »البحث عن حل سياسي« في مالي والساحل. ومن جانبه أكد الوزير المغربي خلال المؤتمر الصحافي أن بلاده ليست »متحمسة« للعمل العسكري مشيرا إلى أن إستراتيجية المملكة المغربية إزاء مالي تقوم على منح الأولوية »للتسوية السياسية«، وقال العثماني ردا على سؤال لقناة »العربية« إن السلطات المغربية »ليست متحمسة لأي عملية عسكرية«، للخروج من الأزمة في مالي، وتدعو الرباط في المقابل للتوصل لما تسميه »إستراتيجية متكاملة« يتم إعدادها على المستوى الإقليمي أو الدولي، وتهدف الإستراتيجية للتوصل لحل سياسي عبر حكومة مركزية موحدة ومؤسسات ثابتة وقوية في مالي، علما أن هذا الموقف المتأخر يأتي في وقت تسعى فيه الرباط لأن تكون طرفا في التدخل العسكري المرتقب في شمال مالي وتحاول جاهدة، رغم أنه ليس لها أي حدود مع مالي أو أي علاقة جغرافية مع منطقة الساحل الصحراوي، التواجد عسكريا في أزمة يرغب النظام المغربي في استغلالها لمحاصرة الجزائر من الناحية الجنوبية. واللافت أنه حتى الفرنسيين الذين يتكفلون برعاية الخيار العسكري ويضغطون في اتجاه هذا الطرح خصوصا على مستوى مجلس الأمن الدولي بدؤوا يهتمون بالحل السياسي باعتباره بديلا ممكنا لحل الأزمة في شمال مالي، وصرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن فرنسا »لا تقول أنها ستتدخل مباشرة في مالي لكنها لا تستبعد مبدأ مساعدة الأفارقة على التوصل إلى حل للأزمة في مالي«، وقال فابيوس أول أمس الثلاثاء في ندوة صحفية بباريس »نحن لا نقول أننا سنتدخل مباشرة في مالي لأننا مجندون ونحن نستعد لمساعدة الأفارقة على التوصل لحل إفريقي«، وأكد رئيس الدبلوماسية الفرنسية على ضرورة تعزيز الحوار السياسي »بين السلطات المالية وتلك المتواجدة في شمال مالي وتلك التي ترفض العنف والإرهاب للتوصل إلى تسوية للأزمة في هذا البلد«، وذكر في ذات السياق بتوافق الرؤى بين فرنساوالجزائر لصالح حل سياسي يقوم على الحوار مذكرا بأنه حين يتعلق الأمر بجماعات إرهابية »لا يمكننا تفادي الشق الأمني«، واعتبر وزير الشؤون الخارجية الفرنسي أنه »يوجد في مالي سكان في الشمال يرفضون اليوم أكثر من السابق وجود جماعات إرهابية ويدعون إلى الوحدة الترابية لمالي«، معتبرا بأن تواجد جماعات إرهابية في ذلك البلد يعد »خطرا يخص كذلك بلدان الجوار و مجموع إفريقيا و أوروبا نفسها« معربا عن خشيته من »تدهور الوضع في ذلك البلد وآثاره الإقليمية«.وقال الوزير الفرنسي في نفس السياق أن »تواجد الإرهاب والاتجار بالمخدرات والمتاجرة بالرهائن وانتشار الأسلحة المتطورة والتمويلات تعد تهديدا لمجموع القارة الإفريقية ولأوروبا«، مؤكدا انه إذا تحتم القيام بعمليات عسكرية »فان الأفارقة هم الذين سيقومون بها«. وتعكس المواقف المختلفة بأن جل الفاعلين الدوليين والذين لهم دور في معالجة الأزمة القائمة في شمال مالي أصبحوا أكثر تشبثا بالخيار السلمي لحل الأزمة في شمال مالي، ويرى الكثير من المراقبين بأن دخول كل من حركة أنصار الدين الإسلامية لأياد أغ غالي والحركة الوطنية لتحرير أزواد في حوار مع السلطات في باماكو سوف يعجل في قلب معادلة الصراع في شمال مالي بالشكل الذي سيضيق أكثر على المجموعات الإرهابية النشطة بهذه المنطقة أي الفرع المغاربي للقاعدة وحركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا.