نريد أن نعالج الجراح لا أن نمزقها أكثر، قد نستطيع أن نصلح الأمور التي تسير على نحو خاطئ، وإذا لم نقدر على ذلك ربما يمكننا تغيرها، فعلى كل حال ما الفائدة من أي شيء نمارسه إذا كنا لا نشعر بأننا نفعل الصواب، أو لا نشعر بقدر كبير منه. إنه لا يمكن أن نفعل ذلك في زمن مجهول، وبطريقة مجهولة، أو عندما تتاح لنا الفرصة في وقت لاحق، بل يجب أن نقوم به الآن، ونعرف بدقة ماذا نريد أن نحقق من أمور الإصلاح والتغيير؟ إننا لا نريد جراحاً جديدة، يكفي ما يحصل في بلاد الشام... بعد محادثات مغلقة صرح الإبراهيمي في بيان مع نائب وزيرة الخارجية الأمريكية وليام بيرنز، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدنوف: أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وأكد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي يعتمد على بيان جنيف، موضحاً بذلك أنه لا يوجد حل قريب. هذا التصريح وإن كان يحمل في طياته بوادر يأس وفشل المفاوضات، لكن يدل على أن سوريا تتجه إلى وضع مستقر بعد أن ينتهي هذا الصراع الدامي. كيف ذلك؟.. لنكن أكثر موضوعية، ونقوم بتحليل عميق من الناحية النفسية للقومية العربية: في كثير من الأحيان نشعر بأننا أمة عربية راضين عن أنفسنا، ونعتز بذواتنا، ربما نفكر بصمت قائلين: أن تحسين الأوضاع ليس أحد اتجاهات التي ينبغي القلق بشأنها، على أساس أن الوضع على ما يرام بالفعل. Å وفي أحيان أخرى نظن بأنه يجب علينا التخلي عن تركيزنا على عنصر مصير الأمة، فالشعور بجراح الشام سيجعلنا نواجه الحقيقة، وسيجعلنا نحقق الحكمة بقدر أكبر من النتائج. إن هذا كله أمر مهم، بل يجب فعله، وهذا ما يفسر عدم تحقيقنا بعد الإصلاح المرجو، وهذا بضبط ما أثر سلباً على مجتمعاتنا العربية، وجعلنا نعيد النظر بأن هناك حاجة إلى قدر أكبر من التوازن. إننا لسنا مضطرين إلى التخلي عن مسارنا، لكننا نعرف كيف نوازي بينها؟ ولذا أصبح من الضروري أخذ كل ما نراه مناسباً من التغيرات الواردة، فإن كانت لدينا أحلام نريد تحقيقها، فلابد أن نجعل لها قواعد واقعية، ثم نجسدها. ولكن إذا وجدنا أن تلك الأحلام تنغص علينا بعض من حياتنا من خلال هذا التغيير، وتضر الآخرين فيجب أن نتركها، حتى وإن كانت تحقق مكاسب كبيرة لنا، بل حتى وإن كانت تحدد مصيرنا، لأن ذلك سيجعلنا نبحث عن أحلام أفضل وأرقى مما سبق، وستكون أكثر نفعاً للآخرين، وأكثر نفعاً لنا أيضاً. نحن نمثل عنصر من الأمة العربية ككل، ونملك الطريقة التي تتفاعل مع معطياتها وأحداثها. ونؤكد أن لدينا مهارات نتأقلم من خلالها مع الظروف، لأننا نشعر بما يحيط بنا ونتأثر بما نسمع ونرى، إننا نتفاعل مع الأسباب حسب الظروف، ونبتعد عن الانفعالات التي تدمرنا، إن لكل شيء في الوجود بعدان أو أكثر، إن كان البعد الذي يقابلنا لا يرضينا، فلننظر إلى البعد الآخر، لنجد فيه خيراً كثيراً. وعلى هذا الأساس، لا بد للقائمين على حل القضايا العربية الشائكة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والسورية، أن يحاولوا أولاً القيام بأعمال الإصلاح والتغيير، حتى وإن كانت بسيطة، لكن يجب القيام بها بطريقة غير عادية، هذا كل ما يجب أن يقوموا به، ويفعلوا ذلك وهم يشعرون بالتوازن السوي، بوضع جانباً كل ما فات. إن مهمة أصحاب القرار، ورجال السياسة والدبلوماسية، بل مهمتنا نحن أيضاً التفكير في الحلول التي تعالج الجرح، لكي يستفيدوا مما قدمناه من الإصلاح والتغيير البسيط. هذا هو الحل الوحيد الذي من خلاله نستطيع أن نظم جراح الشام خصوصاً، والأمة عموماً.