تمر اليوم ال12 مارس الذكرى ال54 لرحيل العلامة والفقيه الشيخ الفضيل الورثلاني وهو من قامات العلم و الفقه والجهاد من أجل الجزائر معروف بخصاله الوطنية ونضاله ورحلاته ونحن نعيش أجواء الذكرى ال50 لإسترجاع السيادة الوطنية نتسائل عن تغييب هذه الأسماء المضيئة من ذاكرة الجيل الجديد . ولد إبراهيم بن مصطفى المعروف باسم الفضيل الورثلاني نسبة إلى بلدة بني ورثلان بولاية سطيف التي ولد بها في 2 جوان 1900 في كنف أسرة علمية ثقافية و فكرية عريقة التحق بالمدارس القرآنية وأخذ عن مشايخ بني ورثلان مبادئ القراءة والكتابة ودرس عنهم علوم العربية، توجه بعدها نحو مدينة قسنطينة حيث واصل تعليمه على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس وأخذ عنه التفسير والحديث والتاريخ الإسلامي والأدب العربي، وقد كان شيخه بن باديس قدوته حيث حفر في نفسه أثرا كبيرا خصوصا في مناهجه وطرقه في الإصلاح مما أنضجه كامل النضج وانس فيه شيخه هذا النضج فجعل منه سنة 1932 مساعدا له في التدريس، بالإضافة إلى نشاطاته عبر الوطن في جولاته لصالح مجلة الشهاب أو مرافقا للإمام إبن باديس في بعض تنقلاته بالوطن كما كتب مقالات في جريدتي «البصائر» و»الشهاب». وحفاظا على هوية ولغة الجالية الجزائرية التي هربت نحو فرنسا في الحرب العالمية الأولى أوعز الإمام هذه المهمة الصعبة والخطيرة إلى تلميذه الفضيل الورثلاني، ففي سنة 1936 نزل بفرنسا مبعوثا من جمعية العلماء مكلفا بمهمة الإصلاح والإرشاد والتوعية، فكانت إقامته بباريس وبها بدأ اتصالاته بالعمال والطلبة الجزائريينبفرنسا، ولم يقتصر عمله في التوعية والإصلاح، بل عمل على إنشاء النوادي لتعليم اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي ومحاربة الرذيلة والإنحلال واستطاع الفضيل الورثلاني في مدة عامين فتح الكثير من النوادي الثقافية في مدينة باريس وضواحيها وبعض المدن الفرنسية الأخرى. إن تواجد الشيخ الفضيل الورثلاني في باريس مكنه من الإتصال بالطلبة العرب في الجامعات الفرنسية مما أنشأ بينه وبينهم علاقات وطيدة وقوية أمثال العلامة محمد عبد الله دراز، عبد الرحمن تاج الذي ترأس فيما بعد مشيخة الأزهر، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري، والعلامة السوري محمد عبد القادر المبارك إن النشاط المتوقّد الذي كان يقوم به الشيخ الفضيل الورثلاني كانت تراقبه العيون الفرنسية وتقرأ له قراءتها الإستعمارية مما جعلها تضايقه وتهدده بالتصفية الجسدية وهذا ما اضطره إلى الخروج من فرنسا إلى إيطاليا ومنها سافر إلى القاهرة. دخل القاهرة سنة 1940 حيث انتسب إلى جامعة الأزهر الشريف فتحصل على شهادته العالمية في كلية أصول الدين والشريعة الإسلامية وفي ذات الوقت حاملا رسالته الجهادية الإصلاحية فاضحا الإستعمار الفرنسي ومنتقدا له في الجزائر وذلك من أجل التعريف بالقضية الجزائرية وقضايا المسلمين عموما، فأسس سنة 1942 اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، كما أسس سنة 1944 جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا ثم انشأ مكتب جمعية العلماء المسلمين في القاهرة سنة 1948 وفيه استقبل الشيخ البشير الإبراهيمي سنة ,1952 بالإضافة إلى انخراطه في منظمة الإخوان المسلمين وصار عضوا من أعضائها حيث كانت تربطه ورئيسها الشيخ حسن البنا علاقة وطيدة وهذا يعود لما لمسه فيه الشيخ البنا من ملكاته الخطابية وقدرته على الإقناع حتى جعله ينوب عنه حينما يكون غائبا عن القاهرة في إلقاء حديث الثلاثاء بالمركز العام لجماعة الإخوان ، نظرا لنضاله الإصلاحي والتوعوي وكسبه لخبرة التواصل بين الجالية الجزائرية في باريس وممارسته مهمة الإصلاح وان صح التعبير الوجه الآخر للإصلاح هو التعبئة السياسية والتنشيط الفكري والتحسيس بما يحدث هنا وهناك من جهاد ومقاومة، وكانت بلاد اليمن في حال حراك قوي للحرية وهذا ما توافق وتطلعه للإصلاح والتغيير ومحاربة الجهل والعزلة والفقر فأوفده زعيم الإخوان إلى اليمن في سنة 1947 دخل الفضيل الورثلاني أرض اليمن وعمل على توحيد صفوف المعارضة ونجحت المعارضة اليمنية في فبراير 1948 الوصول إلى الحكم بعد إزاحة الإمام يحيى، لكن الشيخ الورثلاني زج به في السجن بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ثم شمله العفو مع مجموعة ممن اتهموا بهذه التهمة، فبعد مغادرته السجن شدّ الرحال تاركا اليمن ومشاكله وجال في عدة دول أوربية بعدما رفضت الدول العربية استقباله فأصبح فيها كالمطارد الذي لا ذنب له ولم توافق أي دولة عربية على استقباله إلا لبنان والتي اشترطت عليه أن يكون الأمر سرا وعندما أطاح الضباط الأحرار بالنظام الملكي القائم في مصر بانقلاب على الملك فاروق عاد الورثلاني إلى البلاد المصرية بعد أن غاب عنها عدة سنوات واستقبل فيها من قبل العلماء والسياسيين اعترافا بتاريخه النضالي والجهادي، ولم يجنح الشيخ الفضيل الورثلاني إلى الراحة، بل باشر أعماله الجهادية في مؤازرة الثورة الجزائرية التي اندلعت سنة 1954 وأصدر مع الشيخ البشير الإبراهيمي البيان الشهير باسم جمعية العلماء المسلمين. لم يتوقف الورثلاني عن أعماله الجهادية ولم يقعده مرضه بل واصل مشواره النضالي إلى أن توقف به السير في إحدى مستشفيات مدينة أنقرة التركية فتوفي يوم 12 مارس 1959م ودفن بها وبعد سنوات من الصمت يعود الشيخ الفضيل الورثلاني إلى وطنه وتدفن رفاته في مسقط رأسه ببني ورثلان سنة .1987