إن الذي يصنع أي منتوج صناعي هو الذي يضع له قانونا يمشي عليه، لأنه أدرى به من غيره. ولأن الإنسان خلقه الله فهو أدرى به من غيره، فعندما أمرنا بقطع يد السارق والقصاص مع القاتل، فلأنه يعلم نتائج عدم تطبيق القصاص والتسامح مع الفاسدين المفسدين. فلو عوقب القاتل والسارق وآكل الرشوة والمختطف والمغتصب بما يستحق أن يعاقب به، لما عمّ الفساد وانتشر هذا الانتشار المخيف، إن السجن ذو الخمسة نجوم لم يعد عقابا، لقد أصبح مكافأة. إن تنامي ظاهرة اختطاف الأطفال، هي جزء لا يتجزأ من ظاهرة تنامي الفساد، فالذي تمتد يده للمال العام، كالذي يقدم على اختطاف الأطفال، وكالذي يقدم عل القتل أو الاغتصاب، بمعنى أنهم كلهم مفسدون سواء أكانوا وزراء أو مدراء أو مواطنون عاديون. والغريب في الأمر أن ظاهرة الفساد عمت وأصبحت مخيفة لأنها لم تترك أي مجال إلا امتدت إليه. وقد كتبت الصحف أن بعض المفسدين الذين أقدموا على اختطاف الأطفال وقتلهم يعانون من بعض الأمراض النفسية أو الاجتماعية، وإن كان هذا ليس مبررا، فإن المسؤولين الذين امتدت أياديهم إلى النهب وإبرام صفقات مشبوهة والعبث بمصير أمة يتمتعون بكامل قواهم العقلية والجسدية. ما يولد السؤال عن سبب استفحال الخراب. ضعف الإيمان، وسائل الإعلام وأشياء أخرى بدون شك، لا يوجد سبب واحد للفساد، بل هناك العديد من العوامل تعمل على تنامي الظاهرة واستفحالها، منها ضعف الوازع الديني إما لتراجع دور المسجد والدعاة وتقصيرهم في أداء مهمتهم النبيلة وتوجههم نحو قضايا هامشية أو لكونهم غير أكفاء عجزوا عن تبليغ الرسالة، وإما لوجود ظروف موضوعية حالت دون أن يتمكن الإمام والمسجد من القيام بدورهما الرئيس في المجتمع. ومنها أيضا انتشار وسائل الإعلام العالمية وتكنولوجيا المعلومات التي حولت الرسالة الإعلامية من رسالة جماهيرية إلى رسالة فردانية، بمعنى أن تكنولوجيا الاتصال جعلت الإنسان يستقبل الأفلام مثلا بشكل فردي، بعدما كان يستقبلها بشكلها جماعي ويشاهدها مع العائلة. ولأن كثيرا من الأفلام والموسيقي ذات مضمون قيمي عنيف ومهيج للغرائز الجنسية، فإنه يصبح مشجعا على القتل والإباحية. ذلك أن ميلاد ظاهرة التبرج المفضوح مثلا ونشأة العلاقات الاجتماعية خارج العادات والتقاليد والعرف الاجتماعي، بتأثير من الأفلام والمسلسلات شجع على التوجه نحو العنف لإشباع الغرائز الحيوانية. ومنها ظاهرة الاغتصاب والاختطاف والقتل لإخفاء الجريمة، فالإجهاض مثلا هو عملية قتل لإخفاء الجريمة وكذلك القتل بعد الاغتصاب أو بعد الاختطاف. وإذا كانت وسائل الإعلام قد لعبت دورا سلبيا، والمسجد والإمام قصر لسبب أو آخر في غرس الوازع الديني، فإن ظاهرة التديّن المتطرف التي ظهرت في التسعينيات وأدت إلى ميلاد الإرهاب، ولدت تطرفا آخر، هو مضاد ومعاكس للتطرف الديني، ما يعني أن هناك خللا قد حدث في التوازن الاجتماعي والنفسي للفرد والمجتمع ويتعين إعادة بناءه بالاعتدال وغرس قيم التسامح ونبذ التطرف والغلو في الدين. فضلا عن ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الأسرة قد استقالت من مهمتها في تربية الأبناء، ولأسباب عديدة سلمت أبناءها للشارع أو للروضات والمربيات اللائي يستحيل عليهن أن يحلوا محل الأم والأب. كما أن المجتمع برمته أصبح فاسدا لأنه أصبح يؤمن بقيم ز الثراء ز حتى لو كان غير مشروع، فالثري اليوم حتى لو اغتنى من تجارة المخدرات والخمر والمراقص الليلية هو أفضل في نظر المجتمع من المثقف والعامل والموظف النزيه، ما دفع البعض إلى التوجه نحو السرقة والنهب والتزوير والاحتيال والرشوة وغيرها من سلوكات الثراء غير المشروع. كما أن التعيينات التي تتم في مناصب حساسة لا تأخذ بعين الاعتبار الملف الأخلاقي للموظف، بل تأخذ بعين الاعتبار إما العلاقات الشخصية أو السيرة المهنية، وهكذا وصل أناس إلى مناصب مسؤولية حساسة، جعلتهم يضحون بمصلحة الأمة وبمستقبلها ومستقبل الأجيال لصالح عائلاتهم وخليلاتهم وربما دول أجنبية، ما يعني أنهم خانوا البلد خيانة عظمى. والأكثر من ذلك أن عدم استقلالية القضاء استقلالية فعلية وتامة، جعلته يعجز عن التفاعل مع ما تنقله وسائل الإعلام من فضائح مالية ولا يتحرك، وإذا تحرك فبخطوات بطيئة ومحسوبة، حتى يعاقب الضعيف ويترك »الشريف«. كذلك لابد أن نشير أن هناك غيابا ل»ثقافة الحياة« فالأحياء السكنية التي يتم بناؤها لا تتوفر على شروط الراحة والتسلية، فلا توجد حديقة واحدة يجلس فيها المتقاعدون والشيوخ وكبار السن، ولا توجد ساحة لعب واحدة للأطفال والشباب، فالجزائر العاصمة مثلا التي تضم أزيد من ثلاثة ملايين نسمة يوجد بها فقط حديقتان كبيرتان للتسلية واللعب ليس سهلا الوصول إليهما في نهاية اليوم الدراسي أو بعد أوقات العمل، وهو ما جعل الأطفال مثلا فريسة سهلة لمقاهي السيبر غير المراقبة. نحو تفعيل حكم الشرع إن الفساد هو قيّم سلبية مرفوضة اجتماعيا وقانونيا وعرفيا ودينيا، ولأن الحال هذا لابد أن هناك معطيات عديدة جعلت الناس تقدم على ارتكاب الفساد بجرأة بدون أي مراعاة للمجتمع وأعرافه وعاداته وتقاليده، ولا للدين بأحكامه الدنيوية والأخروية ولا للقانون بحكمه الدنيوي. ومن بين هذه المعطيات هو »تعطيل أحكام الشرع الإسلامي الحنيف« ومنها قضية قطع يد السارق وقتل القاتل. إن الذي يصنع أي منتوج صناعي هو الذي يضع له قانونا يمشي عليه، لأنه أدرى به من غيره. ولأن الإنسان خلقه الله فهو أدرى به من غيره، فعندما أمرنا بقطع يد السارق والقصاص مع القاتل، فلأنه يعلم نتائج عدم تطبيق القصاص والتسامح مع الفاسدين المفسدين. فلو عوقب القاتل والسارق وآكل الرشوة والمختطف والمغتصب بما يستحق أن يعاقب به لما عم الفساد وانتشر هذا الانتشار المخيف. إن القصاص فيه حياة، وظاهرة الاختطاف والقتل والنهب جرائم كبيرة يجب أن تسلط عليها أقصى العقوبات. إنهم يروعون المجتمع ويهددون أمنه واستقراره ألا يستحقون العقاب والقصاص أمام الملأ ؟ إن السجن ذو الخمسة نجوم لم يعد عقابا، لقد أصبح مكافأة.