يعرف طبق »الحمامة« المعروف تحضيره من طرف سكان مدينة البليدة خلال هذه الأيام الربيعية المتزامنة ونمو مختلف الأعشاب المشكلة للطبق تداولا كبيرا بين العائلات التي لا تزال متمسكة بتحضيره كيف لا وهي المتربعة على عرش الأطباق التقليدية المحلية. فطبق الحمامة المشكل من مختلف الأعشاب العطرية والطبية التي تنمو بمرتفعات وسهل المتيجة الخضراء يعد بالنسبة لسكان مدينة الورود بمثابة التطعيم السنوي لهم من مختلف الأمراض لما يحتويه هذا الطبق التقليدي من أعشاب يعتبرها الكثير صحية مائة بالمائة. وتحضر أكلة الحمامة حصريا في فصل الربيع أي عند خروج فصل الشتاء حيث يكون جسم الإنسان ضعيفا ومنهكا من الانفلونزة الموسمية المصاحبة لموسم البرد كما يعتبر نمو واخضرار مختلف الأعشاب والنباتات المشكلة للطبق عاملا في تحضير هذه الأكلة في هذا الوقت من السنة. وأصل كلمة الحمامة حسب يوسف أوراغي باحث في تاريخ مدينة البليدة إلى كلمة »حمام« حيث كانت تستعمل هذه الأعشاب داخل الحمام للمرأة النافس وذلك لغرض معالجتها من مختلف الأمراض ولقتل كافة السموم والأسقام. ويعود تسميتها واستعمالاتها أساسا إلى العهد العثماني لتنتقل بعدها استعمالات هذه الأعشاب الطبية إلى الأكل واستغلالها في شكل طبق من الكسكسي، وانتعشت الحمامة خلال الحقبة الاستعمارية بعدما اكتشفت فرنسا فوائد هذه الأعشاب الطبية التي كانت تستعمل آنذاك من طرف الجزائريين لعلاج مختلف الأمراض على غرار »الخروب« الذي كان يستعمل لعلاج الإمساك و»العرعار« لالتهاب المفاصل وغيرها. وراح المعمرون يشترون من النسوة اللائي كان يبعن هذه الأعشاب ويعملون على تجفيفها و تصدريها خارج الوطن على غرار مصنع أحد المعمرين الذي كان متواجد بطريق الرحى المؤدي إلى ضريح سيدي الكبير سنة 1922 الذي كان يعمل صاحبه على تجفيف هذه النباتات وتصدريها إلى فرنسا و مختلف الدول الأوربية في أكياس لاستعمالها كمادة أولية في تصنيع الدواء و حتى مختلف منتجات التجميل. وبحسب هؤلاء فان طبق الحمامة الذي يتوارث أم عن جدة يتكون من تشكيلة من النباتات الخضراء يزيد عددها عن 70 عشبة تنمو بالمرتفعات الجبلية لسيدي الكبير والشريعة وسهل متيجة، وأشهرها الزعتر والحلحال والزعفران والحلبة والعرعار والضرو ومريوث وأوراق التوت ولويزة والإكليل والنعناع البري وغيرها من النباتات التي لم يكن بوسعنا استيعابها لغرابة أسمائها من جهة وكثرة عددها من جهة أخرى. وفي هذا السياق أكدت العديد من النسوة المسنات ممن لا يزلن يحافظن على تقليد جمع النباتات في جو بهيج وعلى وقع أغاني محلية ابتهاجا بحلول فصل الربيع بسوق »العرب« بمدينة البليدة أين يعرضن هذه النباتات في شكل حزم- أن »الأمطار الأخيرة التي منها الله علينا ساعدت على نمو العديد من النباتات الخضراء«. ويتم تحضير أكلة الحمامة بحسبهن بوضع هذه الأعشاب بعد غسلها وتنقيتها من الجذور على بخار ماء قدر يغلي مدة من الوقت ليتم بعدها طحن أو درس كافة هذه الأعشاب تتحصل خلالها ربات البيت على خليط أسود يمزج أو »يفتل« بعدها مع حبات الكسكسى في إناء يفضل أن يكون خشبيا. كما يفضل تقديمه حسب سكان مدينة البليدة مع زيت الزيتون وذر حبيبات السكر عليه كما ينصح باستهلاكه صباحا على الريق لعدة أيام متتالية حتى يكون للأعشاب الطبية المشكلة له مفعولها بجسم الإنسان. وبحسب السيد أوراغي فان الطبق الذي يكنى محليا باسم »التطعيم السنوي« يوفر عدة فوائد صحية لجسم الإنسان لا تعد ولا تحصى وذلك لما تتوفر عليه من نباتات وأعشاب طبيعية مفيدة لتفادي أو التخفيف من بعض الأمراض المزمنة والخطيرة على غرار فقر الدم وآلام المفاصل وضغط الدم والسكري وغيرها وتحرص العديد من الجمعيات الثقافية الناشطة بتراب الولاية وكذا النسوة على جعل هذا الطبق التقليدي حاضرا في مختلف المناسبات والأسابيع الثقافية الممثلة لمدينة الورود بشتى ولايات الوطن كما هو الحال للأسبوع الثقافي الأخير لمدينة البليدة بوهران وتظاهرة »البيت البليدي المتيجي«التي استقطبت عددا كبيرا من سكان الولاية.