إذا كنت ممن يبحثون عن الصحة الجيدة بعيدا عن الأدوية الطبية فلا تذهب بعيدا بل عليك فقط أن تقتطع تذكرة سفر إلى عروس المتيجة البليدة من أجل تذوق أشهر طبق تتفنن في إعداده البليديات الأصيلات بعد أن حافظن على طريقة إعداده التقليدية التي ورثوها عن أجدادهن جيلا بعد جيل، فمن منكم لم يسمع بطبق اسمه »الحمّامة« إنه من أفضل ما قد يتذوقه الإنسان في حياته زيادة على الفائدة الجمة التي يحملها هذا الطبق باعتباره يحمل كل أنواع الأعشاب الطبيعية ذات الفائدة الصحية الكبيرة والغني بالفيتامينات التي لا يحملها أي دواء طبي لحد الساعة بعدما فشلت جميع الوسائل التكنولوجية وتطورات العلوم الطبية في اكتشاف دواء يحمل جميع مكونات طبق »الحمامة« الذي يتهافت على تناوله الصغير قبل الكبير فهو غير ممنوع لكبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة أو أمراض السكري أو ارتفاع ضغط الدم وإنما على عكس ذلك تماما. وأنت تتجول عبر الأسواق الشعبية لمدينة البليدة وأزقتها وشوارعها الشعبية كحي »باب دزاير« و»بلاصة العرب« و»حي الدويرات« و»زنقة ليهود« يشد انتباهك تواجد العديد من بائعي الأعشاب، لاسيما منهم النسوة يعرضن مختلف الأعشاب التي يحضر بها طبق »الحمامة« بثمن بسيط، حيث لا تتعدى الحزمة الواحدة 20 دج، حيث يحتوي على أكثر من 50 نوعا من الأعشاب البرية التي تنمو بأعالي الجبال والمرتفعات والتي يعتبرها الكثير صحية على غرار الحلحال، الزعتر، أوراق التوت، العلايق، الكرز، الزيتون، جوز الرعيان، الضرو، مريوث، لويزة، الزعفران، الحلبة، العرعار.... وغيرها من النباتات الطبيعية التي تفنن في تحويلها النسوة إلى كسكس بني اللون نتيجة تمازج جميع تلك الأعشاب وتشكل نبتة »شجرة مريم« و»بونافع« من بين أهم الأعشاب التي توضع في ماء القدر لتفور عليها باقي الحشائش المكونة لطبق »الحمامة«. وعن هذا الطبق الذي تفتخر بتحضيره البليديات يعود بحنين واشتياق كبيرين إلى أيام زمان التي تعكس حلاوة العيش البسيط والمحبة بين الناس. يعد طبق »الحمامة« بتشديد حرف الميم، من أشهر أطباق فصل الربيع والأكلة المفضلة لدى العائلات البليدية التي لا تزال العديد منها متمسكة بعاداتها وتقاليدها، إذ تتناوله العائلات طيلة أيام الربيع وبداية فصل الصيف كما يصاحب كل مناسبة من المناسبات الأخرى التي يحضر لها كشهر رمضان مثلا وباقي المواسم الدينية الأخرى. أما عن طريقة تحضيره فهي بسيطة بساطة الحياة الطبيعية، إذ نجد النسوة القاطنات بالمناطق الجبلية يخرجن في مجموعات للبحث عن هذه الأعشاب في وسط تسوده الفرحة والمحبة يجعلنا نجزم أن »طبق الحمامة« كان بمثابة »ظاهرة ثقافية« هامة بالنسبة للبليديين احتفاء منهم بدخول فصل الربيع، وسط تعالي الأغاني والمقولات الشعبية التي كن يرددنها وهن مجتمعات على جفنة يحضرن طبق »الحمامة«، الذي يعد من بين الأطباق التقليدية التي يقصدها سكان العاصمة بالخصوص لتناوله، إلى جانب طبق »القسول« وهي من بين أهم الأطباق التي يكثر عليها الطلب في هذه الفترة من السنة من سكان العاصمة الذين كانوا يقدمون خصيصا إلى البليدة لشرائها والتمتع بمذاقها المر- الحلو، ويتم تحضير هذا الطبق بعد عملية تنقية كافة الأعشاب الطبيعية ثم درسها أو طحنها ثم استعمال الخليط المحصل عليه بإضافة الكسكس في عملية إعدادها ويفضل تقديمه حسب سكان البليدة مع مشروب اللبن ودهنه بزيت الزيتون والسكر، وعن فوائد هذا الطبق أجمع جل من التقيناهم أنها لا تعد ولا تحصى باعتباره يتوفر على كل النباتات والأعشاب الطبيعية المفيدة للتخفيف من بعض الأمراض غير الخطيرة. ويتأسف بعض سكان البليدة أن طبق »الحمامة« أصبح مهددا بالاندثار والزوال خاصة أن الأجيال الصاعدة لا تولي أي اهتمام لمثل هذه الأطباق التقليدية التي تزخر بها العديد من المناطق بالجزائر، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى أمر خطير يمس الثقافة العريقة المتعلقة بخصوصيات كل منطقة فالبعض يتنبأ بزوال هذا الطبق من على مائدة العائلات البليدية مع رحيل كبار السن الذين لا يزالون وحدهم متعلقين ومتشبثين بالعادات والتقاليد التي توارثوها أبا عن جد لاسيما وأن طبق »الحمامة« يتواجد هذه الأيام بالأسواق جاهزا ومحضرا على شكل كسكسي بني اللون يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد منه بين 120 دج و 150 دج، غير أن ذلك لم يحرك ساكنا في نفوس العائلات البليدية المتشبثة بكل ما هو تراثي بل إنها تفضل تحضير هذه الأكلة بنفسها حرصا منها على تركها للأجيال الصاعدة وإنقاذها من خطر الاندثار الذي يتربص بها شأنها في ذلك شأن العديد من الأطباق الشعبية القديمة التي لم يعد يذكر منها سوى الاسم فقط.