من يقرأ تصريحات الطاهر بن بعيبش، وهو الأمين العام للأرندي سابقا ورئيس حزب الفجر الجديد حاليا والمناضل في الحزب العتيد ذات يوم، يجده أقرب إلى الدجل المضحك والمبكي في آن واحد، وإلا كيف نفسر قوله إن التزوير في عهد الرئيس الأسبق اليمين زروال كان حلالا من أجل إنقاذ الجهورية، أما في عهد الرئيس بوتفليقة فهو التزوير الحرام. مع أن التزوير مرفوض ومنبوذ ولا يمكن تبريره أو إيجاد مسوغات لتمريره وجعله مقبولا ومرحبا به في كل المراحل والعهود. لقد ابتليت بلادنا بطينة خاصة من السياسيين، الذين يزيفون الوقائع ويضفون عليها ما يليق بهم وما يرضي غرورهم، حتى لو كان ذلك على حساب الحقائق الصارخة المدموغة بالبراهين الناصعة، وإلا كيف يمكن أن نفهم أو نفسر تبريرات بن بعيبش حول الانتخابات التشريعية سنة 1997 والتي حصد فيها حزبه آنذاك -الذي تشكل حديثا وقتها- أغلبية المقاعد. الأمين العام الأسبق لذلك الحزب يقول بكل جرأة أن ما يعرفه عن انتخابات 1997 هو المقعد الذي فاز به عن الدائرة الانتخابية لولاية جيجل، وقد كانت نظيفة ونزيهة في هذه الولاية، أما بقية المقاعد في كل الولايات التي فاز بها حزبه الذي كان يترأسه فلا يعلم إن كانت نزيهة أم لا. ولنا أن نتصور هنا أن ولاية جيجل لا تنتمي إلى هذا الوطن أو أنها ولاية ملحقة بسويسرا أو بلجيكا ولم يشملها التزوير، لأن صاحبنا ديمقراطي جدا ويأبى أن يصبح نائبا بالتزوير. لكن الأستاذ بن بعيبش »يفتي« بجواز التزوير في تلك المرحلة من تاريخ الجزائر ، على اعتبار أن الظروف التي كانت تمر بها البلاد تجيز اللجوء إلى أي وسيلة لإنقاذ الجمهورية، بما فيها التزوير ، خاصة على حد قوله أن الرئيس الأسبق اليمين زروال لم يتعهد أن تكون الانتخابات البرلمانية سنة 1997 نزيهة وشفافة. أليس ذلك منتهى الدجل السياسي. هذا التوصيف هو تماما ما يمكن أن ينعت به كلام الطاهر بن بعيبش الذي، ذهب للقول أيضا أن السلطة لجأت إلى إنشاء لذلك الحزب في سنوات التسعينيات بعد أن تخلت أو »خانت«- على حد قوله- جبهة التحرير الوطني الدولة خلال الأزمة الأمنية التي عصفت بالجزائر منذ بداية التسعينيات. ما ذهب إليه بن بعيبش من اتهامات لا تحتاج إلى تكذيب من حيث الوقائع، ولا يحتاج أبسط متتبع للأحداث السياسية والتاريخية في الجزائر إلى أدلة ليدرك أن الأفلان كان ولا يزال الدعامة الأولى لتماسك مؤسسات الدولة والدفاع عن كيانها، وحتى ما بدا للبعض في منتصف التسعينيات أنه تراجع أو نكوص عن خط حزب جبهة التحرير الوطني إبان قيادة الأمين العام الأسبق المرحوم عبد الحميد مهري حين طالب بضرورة الحوار ولم شمل الجزائريين وتغليب روح المصالحة وتضميد الجراح بدلا عن سياسة الاقتتال والمواجهة ، تبين لاحقا أن طروحات الأفلان هي عين الصواب والحكمة للحفاظ على الدولة وحماية النسيج الاجتماعي من التفكك،وهو ما حدث بالفعل من خلال تبني الرئيس بوتفليقة مشروع الوئام المدني والمصالحة الوطنية والذي أدى في نهاية المطاف إلى خروج الجزائر من النفق المظلم، وإذا كان للأفلان وكل القوى الوطنية الخيرة دور هام ومؤثر في تجاوز بلادنا لذاك النفق المظلم والبغيض فإن ذلك ما كان ليتأتى لولا التضحيات الكبيرة والمؤلمة لقوات الجيش الوطني الشعبي ومختلف الأسلاك الأمنية المشتركة الذين وقفوا في وجه الآلة الإرهابية الهمجية التي حاولت أن تنال من مؤسسات الدولة وأيضا ضرب أمن واستقرار المجتمع الجزائري وبفضل هذه التضحيات عادت الطمأنينة والسكينة إلى مختلف ربوع الجزائر. إن كلام الطاهر بن بعيبش لا يحتاج إلى تكذيب أو رد، لأنه وبمنتهى البساطة يكفى النظر إلى الشعبية التي يحظى بها الأفلان بين الجزائريين طوال العقود الماضية وفي عز الأزمة الأمنية للتأكيد على أن حزب جبهة التحرير الوطني كان ولا يزال في صف الدفاع الأول عن الجزائر دولة وشعبا وسيادة وهوية ووحدة وطنية ولا نحتاج إلى رأي سياسي من أولئك الفاشلين والساقطين حزبيا وسياسيا ليقدموا مثل هذه الشهادات الخائبة. لقد قال سي الطاهر بن بعيبش أن حزبه آنذاك جاء ليعوض الأفلان داخل مؤسسات الدولة. وكنا نتمنى لو أنه قال إنه جاء ليكون رافدا جديدا للقوى الوطنية في مواجهة قوى التطرف التي أرادت القضاء على الدولة الوطنية. في الأخير لا بأس من طرح هذا السؤال: هل ما يزال سي بن بعيبش يؤمن أن الأحزاب السياسية يمكن أن تولد في المكاتب المكيفة حتى ولو كانت مكاتب قصر المرادية؟.