الظروف المحيطة بالدورة المقبلة للجنة المركزية، المقرر عقدها يومي 29 و 30 من هذا الشهر، تدعو الجميع، قيادة ومناضلين متمسكين بحزب جبهة التحرير الوطني، للارتقاء إلى مستوى مشروع الحزب الوطني التاريخي الكبير، وهذا بعد أشهر طويلة من صراعات أنهكت الحزب وأدخلته في متاهات وأنفاق مسدودة. لا يختلف اثنان في أن حزب جبهة التحرير الوطني نجح في تجاوز أحد أكبر وأخطر التحديات التي فرضت عليه في الفترة الأخيرة وذلك من خلال الاحتكام إلى الصندوق للحسم في قضية سحب الثقة من الأمين العام السابق. وتفاءل أبناء الأفلان خيرا، بل قدموا، معارضة وموالاة، صورة مشرفة على التشبع بثقافة سياسية غاية في الرقي والنضج. لكن خطر العواصف والأعاصير التي تتهدد استقرار وتماسك الحزب لم تنجل بشكل كامل، ولا يزال أمام أبناء الأفلان تحديا آخر، يتمثل في انعقاد دورة اللجنة المركزية واختيار أمين عام جديد، في ظروف هادئة ومسؤولة. وإذا كان الطموح في تولي مناصب المسؤولية في حزب كبير وفاعل مثل الأفلان هو حق مشروع لكل أبنائه بما فيها منصب الأمين العام، فإن الثابت هو أن هناك شخصا واحدا سيتولى هذا التكليف، ويتعين على الجميع أن يحتكموا إلى تغليب المصالح العليا للحزب، ولعل أهم وأكبر هذه المصالح على الإطلاق هو بقاء حزب جبهة التحرير الوطني موحدا قويا ومتماسكا. يمكن وصف حالة التجاذب والنقاشات بين أعضاء اللجنة المركزية بهدف الوصول إلى عقد دورة ناجحة للجنة المركزية والتي تتبدى أحيانا في صور حادة نسبيا بأنها لا تزال تحت سقف المقبول والمشروع ، ومن حق كل طرف أن يعتمد الأسلوب والإستراتيجية التي يراها مناسبة لتحقيق أهدافه وطموحاته، لكن ضمن الإطار الذي يضمن وحدة الحزب وتماسك صفوفه. ولعل ما يجب أن يتنبه إليه جميع أبناء جبهة التحرير الوطني هو أن هناك خطا أحمر لا يجب تجاوزه خشية الانزلاق إلى أتون الانشقاقات والصراعات الحادة التي قد تودي بتماسكه واستقراره، ومن هذه الخطوط هو شق صف الحزب وانقسام قياداته من خلال تغليب مصالح شخصية أو ضيقة على حساب حزب الجزائريين الأول. إن خطورة عدم تجاوز الأفلان للمأزق الذي يعرفه هذه الأيام أنها لن تنحصر بين جدران قيادة الحزب المركزية فقط، بل سيصل صداها وأثرها إلى كافة دواليب الدولة، والأخطر من ذلك أن هذه الخلافات والصراعات سترهن قوى وطاقات حزب الأغلبية في توقيت وظرف بالغ الحساسية، سواء داخليا وما ينتظر البلاد من مواعيد سياسية مفصلية ومصيرية وعلى رأسها الرئاسيات المقبلة، وأيضا بالنظر إلى التحديات الجيوسياسية التي تعصف بمحيطنا الاقليمي. إذن، إذا كان من الطبيعي جدا أن تتنافر المصالح، فإن المطلوب هو أن تتقاطع كلها وتتلاقى عند المصلحة العليا للحزب، التي يجب أن تتجسد اليوم في عقد اللجنة المركزية في الموعد المحدد وفي المكان الذي يحظى بالتوافق، في كنف الهدوء والطمأنينة والاحترام الصارم لإرادة أعضاء اللجنة المركزية، وهي الإرادة التي لن تفرط أبدا في وحدة الحزب. على أعضاء اللجنة المركزية الإنتباه واليقظة والتبصر والاهتمام بمصير ومستقبل الحزب وليس بمصير الأشخاص والمجموعات، لذا فإنه لم يعد مسموحا لأي أحد، أن يرهن مصير الحزب أو يتلاعب بمستقبله في هذا الظرف بالذات، ذلك أن الخلاف بين الإخوة الفرقاء ، وهو مشروع تكفله النصوص والقوانين، لا ينبغي أن يكون من أجل الغلبة أو الربح بل يجب أن تكون المعركة بينهم معا لكي يبقوا معا. إن مصير الحزب أمانة في أعناق كل أعضاء اللجنة المركزية، وهؤلاء جميعا يجب عليهم أن يتجاوزوا ذاتياتهم ويتعالوا عن خلافاتهم، من أجل جبهة التحرير التي تبقى وتنتصر بهم جميعا، بعيدا عن تصفية الحسابات وذهنية الغالب والمغلوب، إذ أن المنتصر الوحيد هو حزب جبهة التحرير الوطني.