الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات: ولايات غرب البلاد تحيي الحدث    ذكرى تأميم المحروقات: الوزير الأول يضع حجر الاساس لمشروع انجاز مصفاة جديدة للبترول بحاسي مسعود    محروقات: وكالة "ألنفط" تعتزم إطلاق مناقصة دولية جديدة في أكتوبر المقبل    المعهد الوطني للصحة العمومية ينظم يوما إعلاميا حول الأمراض النادرة    بوغالي يعزي في وفاة ثلاثة عسكريين أثناء أداء واجبهم الوطني بعين تيموشنت    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    صحراء ماراطون : مناسبة متجددة للتضامن مع الشعب الصحراوي ونضاله من أجل حريته واستقلاله    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    طاقات متجددة: ياسع يشارك بالصين في أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية للتغيرات المناخية    كرة القدم/ الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 17): مولودية الجزائر تفوز على نادي بارادو (3-1) وتعمق الفارق في الصدارة    مدير البريد والمواصلات لولاية الجزائر    ارتفاع حصيلة المراقبين الدوليين الذين طردهم المغرب    إحياء الذكرى المزدوجة يعد محطة تاريخية هامة لاستلهام العبر    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يوجه باعتماد وسائل رقابية جديدة لحماية الموانئ    ديناميكية دبلوماسيتنا تدعّم أداتنا الدفاعية    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    ترقية التعاون جنوب-جنوب في مجال الطوارئ الكيميائية    رؤية استشرافية متبصرة لريادة طاقوية عالمية    محطات تحلية المياه مكسب لتحقيق الأمن المائي    نشيد بدور الجزائر في حشد الدعم المادي للقارة    سعيدة : فتح ستة أسواق جوارية مغطاة تحسبا لرمضان    دورة تكوينية للنواب حول المالية والإصلاح الميزانياتي    بونجاح وعبدلي يؤكدان جاهزيتهما لتصفيات المونديال    "إسكوبار الصحراء" تهدّد مملكة المخدرات بالانهيار    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    خارطة طريق جديدة للقضاء على النفايات    جانت : مناورة وطنية تطبيقية لفرق البحث والإنقاذ في الأماكن الصحراوية الوعرة    السيد بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة ال37 الاستثنائية للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    وزارة التربية تدرس مقترحات 28 نقابة    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    الدخول المهني: استحداث تخصصات جديدة تواكب سوق العمل المحلي بولايات الوسط    هذه هي الجزائر التي نُحبّها..    نحو 5000 امرأة ريفية تستفيد من تكوين    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الشوق لرمضان    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    مجلس الأمن يعتمد قرارا يدين الهجمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاعتداء على المدنيين    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطة مصر
نشر في صوت الأحرار يوم 06 - 09 - 2013

كانت مصر في طليعة الدول الإفريقية التي عرفت السكك الحديدية، إذا تم إنشاء أول خط حديدي في ,1854 وتعتبر مع الجزائر وجنوب إفريقيا من الدول الإفريقية التي تمتلك أطول شبكات النقل بالقطار، برغم أنها عرفت خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك حجما هائلا من الحوادث كان من أخطرها حادثة قطار الصعيد الذي احترق فيه العشرات أحياء، ولم أعرف أن أحدا عوقب نتيجة للقصور أو التقصير.
ومحطة القطار تسمى دائما محطة مصر، ولدرجة أن صديقا مصري أراد أن يصف لزميله عنوان فندقه فقال أنه:أمام محطة مصر بتاعت الجزائر.
وفي بداية تعرفي بمحطة القاهرة رحت أتلفت في كل اتجاه أبحث عن لافتة قيل لي أنه مكتوب عليها: يا داخل مصر منك ألوف، ثم فهمت أن المعنى هو أن مصر فيها من كل شيئ.
رويت هذا لصديق كان ساخطا على ما يحدث في أرض الكنانة، وكان يقول بمرارة أن الناس هناك لا يفرقون بين العداوة والخصومة، وبين الكره والحقد، وبين الغضب والحماقة، ومن حق المصريين أن يؤيدوا زيدا وأن يكرهوا عمرو، لكنهم يتصرفون بشكل يسيئ لهم جميعا، ويعطي أسوأ الصور عنهم لعالم يتابع كل شيئ، ويعرف أدق التفاصيل الني يخفيها الإعلام المصري عن المواطنين، بل ويقدم من يندد بالإخوان المسلمين على أنه حفيد سيد قطب، في حين أن المفكر المصري ليس له أولاد.
وقلت للصديق الغاضب بأن البلد الذي أنجب مصطفى المراغي أنجب أيضا الطنطاوي، والبلد الذي أنجب أحمد شوقي وحافظ إبراهيم أنجب أمثال فاروق جويدة، والبلد الذيÅ أعطى سيد درويش وعبد الوهاب أعطى أمثال شعبان عبد الرحيم، والبلد الذي أنجب فاطمة رشدي وفاتن حمامة أنجب أمثال إلهام شاهين، وهلم جرا.
لكن ثورة 25 يناير 2011 أسقطت حائط الخوف الأبد، رغم أنف من يسميها اليوم: نكسة، ولهذا تواصل الجماهير انتفاضتها ضد الانقلاب، رغم التعتيم الإعلامي الذي يزعم، بدون صور أو لقطات تؤكد ادعاءاته، بأن المحتجين قلّة، وهو، إن كان صحيحا، دليل على أن هذه القلة، رجالا ونساء، جموع رائعة تتحدى البطش والاتهامات بالخيانة، بالإضافة إلى أن اللقطات القليلة التي تبثها الجزيرة، مشكورة، تظهر أن معظم المحتجين هم شباب في العقد الثاني أو الثالث من العمر، وجلهم بلا لحىً أو جلابيب.
إنها صفعة يوجهها الشعب لكل من شكك في عظمته، وانتابته الظنون حول حقيقته، وراح يخلط بين إرادة الشعب الواعي وضجيج الشارع المغيّب .
ومما يؤكد أن ما حدث في يوليو ثورة مضادة هو هذا الإعلام الإجرامي الذي يحدث شرخا دمويا في أمة عريقة، كان تضامنها عبر الأجيال، دينيا وسياسيا واجتماعيا، مضرب الأمثال، وتلك الحماقات التي تقف وراءها أقلية فكرية وسياسية حاقدة، تنتقم من شعب همشها لأنها لا تستحق غير التهميش، وهذه وتلك يعبر عنها نعيق فنان كنا نحترمه بأغنية تقول : إحنا شعب وانتم شعب، لنا رب ولكم رب.
هكذا يروج لفكر إقصائي يشيطن الآخر، ويتفنن في الإساءة لخصوم النظام السياسيين، ويُدمّر دور مصر كمرجعية فكرية عربية، بحيث أصبحت متابعة قناة فضائية، عمومية أو خاصة، كمن يأكل لحم أخيه ميتا.
كان العرب جميعا يفخرون بأمثال أحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب، الذين تم التعتيم عليهم لأنهم لم يدعموا تغيير رئاسة الدولة بالقوة المسلحة، التي ادعت أنها امتلكت تفويضا شعبيا، تأكد اليوم أن البعد المتلفز فيه كان أكثر اتساعا من البعد السياسي.
والنظرة العابرة لتصرفات القيادة الجديدة تبرز حجم الارتباك الذي يبرز في جل تصرفاتها، فرئيس الحكومة يتحدث عن *المغرور* بهم، بدلا من * المغرر* بهم، وهو يجادل صحفية أمريكية سألته عما إذا كان يحس بالندم إثر مذبحة رابعة العدوية والنهضة ورمسيس، فيقول بأنها كانت وحشية ضرورية، وأنتم نفس الشيئ في الفيتنام.
ورغم أنني ممن يؤمنون بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى فلا يمكن أن أتجاهل معلومة تقول بأن الرجل هو سليل رجل الدين الذي أفتى بأن الملك فاروق هو سليل سيد المرسلين عن طريق والدته، والتي كان معروفا أنها عشيقة رئيس الديوان الملكي.
والارتباك وصل أيضا إلى مستوى وزير لم يستقل إثر الكذبة التي نسب بها تقريرا مزورا لمنظمة العفو الدولية، فهو يرحب بالأمير سعود الفيصل بصفته وزير خارجية المملكة المتحدة، ويتراجع مصححا، ولكنه يخطئ في نطق اسم رئيس دولته.
ويتواصل الارتباك على مستوى القمة فيتم تكليف مجموعة من غلمان القضاء بتقديم بلاغات تجريمية ضد أوباما وآردوغان، بل وتوكل كرمان، الزوالية اليمنية التي منحت جائزة نوبل للسلام، وتتسرب معلومات عن منع كتاب عرب من دخول مصر.
ويتصرف الإعلام كالمهبولة التي طلب منها أن تزغرد، ويفقد، بكذبه وفجوره، كل حق في ادعاء التعبير عن الرأي العام العربي، خصوصا عندما يستعمل تصريحا للبلتاجي يقول فيه أن الإرهاب في سيناء سيتوقف عندما تعود الشرعية، بما يعني التحكم في الأمور، لكن نفس الإعلام يتستر على تصريح لأحمد شفيق يقول فيه بأن الفوضى الأمنية ستتوقف خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة.
ومع ضياع مرجعية الإعلام المصري العربية والدولية تختل المرجعية السنية لمصر.
فالقوم يحشرون شيخ الأزهر في المعمعة لتبرير وجود بابا الأقباط، وكلا الأمرين خطأ سياسي، وتناقض مع شعار إبعاد الدين عن السياسة.
فالأقباط شريحة أساسية في المجتمع المصري، وتاريخهم حافل بصور النضال الرائع إلى جانب المسلمين، لدرجة أن بعض القساوسة كانوا يخطبون من على منبر الأزهر في ثورة ,1919 وواحد من أكبر زعمائهم، هو مكرم عبيد باشا، قال يوما متفاخرا بأنه مسيحي دينا مسلم حضارة، وإقحام الكنيسة شق لصف الوحدة الوطنية.
أما إقحام شيخ الأزهر في قضية مصرية داخلية فهو تأكيد مجاني للصورة التي تقدم الأزهر كمجرد مؤسسة دينية محلية، وهو ما يعني إلغاء دوره كمرجعية إسلامية رئيسية لكل السنة الذين يشكلون مليارا من المسلمين موجودين في كل القارات وفي معظم البلدان، وهذه خسارة للسنة، حيث أن للشيعة مرجعيتهم في قم، وللمسيحيين مرجعيتهم في الفاتيكان، وللدروز مرجعيتهم في الجبل، وللانجليكان مرجعيتهم في كانتربيري، وهلم جرا.
وتعود إلى الساحة نفس عملية الخلط التي عاشتها مصر خلال حكم المشير.
فالقوم يتناسون أن الفريق عبد الفتاح السيسي، والذي يسميه البعض السيد القائد ويرشحه آخرون لرئاسة الجمهورية القادم استنساخا أبلها للرئيس عبد الناصر، هو قائد عسكري يتصدر عملية سياسية، وهو ما يجعله عرضة لأي نقد أو اعتراض، لكن ذلك أصبح يعتبر تحريضا ضد رجال الجيش العظيم، الذي يروى أن سيد المرسلين وصفه بخير أجناد الأرض، وتروح رولا خرسا، المعروفة منذ عهد مبارك، تصرخ في التلفزة مطالبة بتخوين أبو تريكة بحجة أنه أساء بموقفه للجيش المصري، واللاعب الدولي لم يفعل إلا أنه رفض مباركة الانقلاب.
لكن باسم خفاجي، رئيس حزب التغيير والتنمية، يقول عبر تويتر أنّ عبد الفتّاح السيسي سيكتشف قريبا بأنّه من الذين خدعوا من طرف الدولة العميقة وهو التعبير السائد عن هيكل نظام مبارك الذي ظل قائما ويسترجع اليوم كل قواه موضحا أن الفلول ومن شارك في الانقلاب يجهّزون السيسي ككبش فداء لكي تعود دولة الفساد، ثم يضحى به، بعد أن يكره الناس بعضهم بعضا، ويضعف كل من الجيش والتيار الأكبر بمصر، متمثلا في أنصار الشرعية، وعندما يكون الوقت مواتيا للتضحية به من أجل الحفاظ على الانقلاب وعودة الدولة الفلولية.
وهذه المقولة قد لا تنسجم مع الواقع، حيث أن قياديي الإنقاذ أتفه من أن يُخططوا وأضعف من أن يُسيروا، بالإضافة إلى تجذر الانضباط الهرمي في المجتمع النهري.
ويتزايد التصعيد بالتفجير الذي استهدف وزير الداخلية، وهو عمل إجرامي ندد به الجميع، وعلى الفور، غير أنه، وقبل أي تحقيقات جادة، تسارع السلطة إلى اتهام خصوم، كان المفروض أن يعلنوا تبنيهم للعملية، كما حدث بعد هجوم على سفينة حاويات في قناة السويس منذ أسبوع، وبغض النظر عن مصداقية الشريط الذي تم بثه ويُظهر أعلاما سوداء وراء من يقذف بصارخ محمول على السفينة.
وكانت الإشارة لوجود أجانب إيحاء باتهام قادم لحماس، كالعادة.
والسؤال الأول المطروح هو سؤال أغاثا كريستي الشهير عن المستفيد من الجريمة، والمؤكد أن من يعارضون الانقلاب هم أول من سيتضرر منها، والمؤكد أيضا أن افتعال الجرائم المشابهة عرفته كل الدول التي تعاني من صراعات سياسية يكون النظام طرفا فيها، خصوصا عندما تفشل نسبيا في احتواء الشارع الغاضب فيسود المنطق الأمني الأحمق، ويتم تكثيف الاعتقالات وتشديد القمع وإرهاب كل من يفكر في أن يستنكر ما يحدث أو يباركه .
ويقول فهمي هويدي: يثير الانتباه أن الشرطة حققت نجاحات في تعقب قيادات الإخوان واعتقالهم، في حين أنها لم توفق حتى الآن في ضبط الجناة فى مذبحة مركز شرطة كرداسة أو إحراق الكنائس أو الهجوم على مراكز الشرطة.
ويبقى أن ما يقلقني في بلد مثل مصر هو أن تعرف ما عرفناه وما لا نرجوه للأحبة، وهو ما يتطلب الآن موقفا متبصرا من رجال القضاء النزهاء، بالانسجام مع الأزهر والكنيسة.
وما يقلقني أكثر هو أن يتعمق الشرخ الإسلامي المسيحي، وهذا يتطلب مواقف جادة من الشباب المسيحي الواعي من أمثال نيفين ملك، ممن يدركون أنهم والمسلمين، بكل اتجاهاتهم، في مركب واحد، يوجد في بحر عاصف، تحت رحمة عواصف هوجاء.
وأقول: حمى الله مصر من أعدائها ومن جل إعلامييها ومن بعض مثقفيها وفنانيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.